نزول مؤيدوا الرئيس للتظاهر فكرة مستحدثة وغريبة تحدث في مصر لأسباب كثيرة، ولنقل فكرة التأييد لأي رئيس لا تكون بالتظاهر عامة، حيث استقر العرف على أن التظاهر فقط للمعارضين، أو للمطالبين بتغير وضع، أو رفض قانون، أو شجب إجراء اتبعته الحكومة متجاهلة أثره على الشعب، أو أبعاده السياسية على المجتمع، فالحكومة مجموعة أفراد اختارهم رئيس الدولة لتيسير شؤن الدولة والمواطنون معًا بتوافق وانسجام ضمني آخذين في الاعتبار حق الشعب في التظاهر للتعبير عن رأيه فيما يدور حوله من سياسات حكومية تؤثر بشكل مباشر على يوميات الشعب وبلده.
بدأ نزول المؤيدون للرئيس في تظاهرة في ثورة يناير، حيث وقف المئات من محبي الرئيس المخلوع "مبارك" في حي المهندسين وتحديدًا في ميدان مصطفى محمود مؤيدون لبقاء مبارك في الحكم حتى انتهاء ولايته، حفاظًا على الأمن واستقرارالبلاد، ولخروج مشرف لقائد الضربة الجوية في حرب أكتوبر، ولقائد مصر لمدة ثلاثين عامًا، كانت التظاهرة كردود أفعال مؤيدة لبيانات الرئيس المتتالية في محاولة منه لتهدئة الشعب، وإخماد ثورة على فساد عصره، متضمنة تلك البيانات الرئاسية مجموعة إصلاحات طالب بها الشعب مرارًا على مر عقود دون جدوى أو رضوخ لمطالب شعب مطحون.
لا ننكر أن هناك محبين للرئيس مبارك، أو لنقل فلول الرئيس الذين تعتمد مصالحهم على بقاء الرئيس في الحكم، ولا ننكر أن هناك مدفوعين أو المأجورين إذا صح التعبير للخروج في تأييد الرئيس، حيث أنه ليس من المنطقي أن يخرج في مظاهرة حب للرئيس مبارك مصريون متواضعي الحال ممن عانوا من الفقر، والتهميش، والمرض، والجهل، في ظل ثلاثين عاما!
ولكن أخذت فكرة المظاهرات المؤيدة منحى آخرغير منطقي لتأييد الرئيس المعزول "مرسي"، فأصبحت "إعتصام" للمئات المطالبين بإخراج الرئيس مرسي من محبسه وإكمال حكمه للبلاد، مع توعد مؤيديه للمصريين ولجيش مصر وداخليتها بالهلاك والملاحقة والخراب الذي سيعم مصر إذا لم يمتثل وزير الدفاع "السيسي" لمطلبهم!.
كان من الطبيعي رد فعل وزير الدفاع السيسي تجاه الاعتصامات المؤيدة لـ مرسي في "ميدان رابعة في مدينة نصر وميدان النهضة في الجيزة، أنه طالب بنزول مؤيدين له بعزل الرئيس مرسي وإجراء انتخابات رئاسية لإنقاذ مصر من الفوضى، وقد كان …. ونزل الآلاف لتأييد وزير الدفاع السيسي في عزل الرئيس مرسي.
ولكنها أصبحت عادة منفرة لفكرة التظاهر السلمي ولأهميته، حيث جرى العرف أو لنقل من المنطقي وجود تظاهرات للمطالبة بحقوق شعب، وليس تأييد شخص، حيث من المنطقي أن بقاء أي رئيس في الحكم هي موافقة ضمنية وتأييد صريح من الشعب له، وإن كان بعض السكوت قلة حيلة أوقلة معلومات لوضوح الرؤيا للحكم بالتأييد أو الرفض، أو لإتاحة الفرصة للاصلاح دون التسرع بالحكم على الرئيس.
في حدث زلزل المحروسة كالتخلي عن جزيرتي "تيران"، "صنافير" أو إرجاعهم أو في إعادة ترسيم الحدود البحرية بين المملكة العربية السعودية ومصر، ليعتبرها كلا منا على ما ورد لديه من معلومات، أو ما يملك من قناعات أو وطنية، نجد عدد كبير لا يستهان به من المصريين يرفضون الحدث ويطالبون الحكومة بالتراجع أوبإعادة النظر في الموضوع، لأنه يمس الأرض التي يعتبرها المصري كالعرض، ونجد عدد لا يمكن إغفاله من المصريين يوافقون الرئيس السيسي في قراره فيما يخص الجزيرتين، إيمانا منهم أنه يعرف أكثر منهم، وأنه على دراية بحقائق الأمور، وأنه أمين على أرض مصر بحكم خلفيته العسكرية ووضعه كرئيس لمصر.
بما أن الجزيرتين تتبعان محافظة جنوب سيناء، أستغل المعارضون لفكرة التخلي عن الجزيرتين عيد تحرير سيناء في الخامس والعشرون من أبريل للتظاهر السلمي مطالبين الدولة مراجعة الخرائط والوثائق التي تثبت أحقية مصر في الجزيرتين، مما يجعل تظاهرهم منطقي وطبيعي كأي دولة ديمقراطية، وكأي حكومة حريصة على المشاركة الحقيقية مع الشعب في اتخاذ القرار والحكم.
وبالطبع وجود تظاهرة مؤيدة لموقف الحكومة بإرجاع الجزيرتين لأصحابها السعوديون كانت موجودة كالعادة.
ولكن
حين تضع سيدة متواضعة الحال والعلم بيادة -حذاء العسكري- على رأسها لتصورها وكالات الأنباء العالمية والمحلية لتأييد الرئيس السيسي، أو حين يرفع علم المملكة العربية السعودية في عيد تحرير سيناء لتظهر في أخبار العالم في يوم يخص المصريون ويفتخر به كل مصري محب لأرضه، هنا نتوقف لأننا ببساطة لم نعد مؤيدين لقرار رئيس بل مسيئين لشعب مصر بأكمله، بتصدير صورة ذهنية أن الشعب المصري عبيد حكامه، وينتمي ولاؤنا للسعودية أكثر منه لمصر، كمسح جوخ لبلد تساند مصر وتساعدها ماديًا وبتروليًا، في اتفاقيات بعقود ذات فائدة آجله وليست منحا لا ترد.
مزايدات رخيصة على الوطنية وحب مصر إن كانت مأجورة، أو مدفوعة، أو بحسن نية، واخفاقات حكومية في السماح بتلك المراهقة المزيفة المدعوة "وطنية" للتواجد والظهور أما الكاميرات العالمية، في حين محاولة منع تظاهرة المعارضين لقرارالذي يخص الجزيرتين، مع السماح بالرقص والغناء للتظاهرة المؤيدة لنفس القرار، معللة -الحكومة- أن القوى المعارضة لم تأخذ تصريح بالتظاهر "امتثالا لقانون التظاهر"،
ولكن لا نظن أن كبار السن ومتواضعي الحال والعلم قد سعوا لأخذ تصريح بالرقص فرحًا منهم بالتخلي عن أرضهم!.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.