ماذا لو احتلَ الفضائيون دمشق؟

أضاء السماء، صوتٌ مدوي، اهتزت دمشق، دخلت داعش، أغارت النُصرة، اقتحم الجيش جوبر، ما من أمرٍ غير اعتيادي أو غير متوقع، لكن مهلاً، تعود الأصوات من جديد، هذه المرة أقوى أقرب، حتى أنها مختلفةٌ عن أي وقتٍ مضى

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/30 الساعة 03:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/30 الساعة 03:30 بتوقيت غرينتش

الليل السقيم..
الثالثة فجراً في العاصمة السورية دمشق، الجميع ينشد النوم في المنازل المتخمة بأخبار الحرب، جميع الطرق خلت من مارَّتها المعتادين، أشجار الياسمين و النارنج أنهت مهامها اليومية في بذخ عطورها بين ثنايا الحارات العتيقة ووجدت للفراش طريقاً، بردى هو الآخر أبطأ في مسيره، وحدها نسمات نيسان الليلية الباردة تجوب شوارع المدينة بحثاً عن وجوهٍ تلفحها-لكن عبثاً- إنه ليل العاصمة السقيم الخاوي، الذي اعتادت عليه منذ خمسٍ و نيف.

نهاية الأرض..

أضاء السماء، صوتٌ مدوي، اهتزت دمشق، دخلت داعش، أغارت النُصرة، اقتحم الجيش جوبر، ما من أمرٍ غير اعتيادي أو غير متوقع، لكن مهلاً، تعود الأصوات من جديد، هذه المرة أقوى أقرب، حتى أنها مختلفةٌ عن أي وقتٍ مضى، دبت الحياة في خطوط الهاتف، الجميع ينشدُ مصدر و سبب الأصوات التي بدت غيرَ مألوفة، ما هي حكاية الأضواء الملونة التي لاحت في سماء حي المزة، و ما قصة الأعمدة المضيئة التي تصل السماء بالأرض في حي المزرعة، أهي نهاية الأرض؟؟

اللحظات الأخيرة..
الكل مترقب حذر خائف، "أبو حسام" يدير تلفازهم لمعرفة آخر المستجدات، "أم أيهم" تجمع ما تحت البلاطة و ما فوقها و تُودِع الثمين منه في حمالة صدرها المكتنز، مجد يبحث عن شهادة البروفيه في حقيبته المدرسية الملأى بالصور الإباحية و الرسائل الغرامية، يعلو الصراخ في جرمانا، و الدويلعة، الكنائس تقرع أجراسها في باب توما، و باب شرقي، إمام الجامع الأموي يخرج من بيته مُسرِعاً-باتجاه الحميدية- لأداء الآذان الأخير، حتى سارة -آخر يهوديةٍ في دمشق- أنزلت شمعدانها من علية منزلها القابع وسط "حي الأمين" تلمع أجزائه الفضية، فالجميع ينتظر أنبياءهُ في ليلةٍ قد تكون الأخيرة.

الصحن الطائر..
فجأةً وسط هذه الجلبة ووسط هذا الضياع يحدث ما لم يكن في الحسبان، تقترب من سماء ساحة الأمويين سحابةٌ سوداءُ كبيرة، يخرج القلةُ المناوبون في مبنى التلفزيون لالتقاط صورٍ أولية، للحدث الغير واضح المعالم حتى الساعة، يتقدم أحد المصورين، يتراجع للوراء، تسقط الكاميرا، ينحني خلف تمثال زنوبيا، شُلت أطرافه الأربعة ولسانه، يومئ لمساعد المصور بالابتعاد، ما من لغةٍ تصف هول المشهد، صحنٌ طائر بحجم المليحة يقبعُ فوق سماءِ الساحة، صحنٌ آخر فوق شارع بغداد، أعمدةٌ تتدلى من صحونٍ أخرى على أسطح المنازل في ركن الدين، ينزل منها كائناتٌ تشبه تلك التي كانت تشاهدُ في "نيفادا" الأمريكية عند ثمانينيات القرن الماضي.

الزوار الجُدد..
بأذرعهم الطويلة و آذانهم الكبيرة و عيونهم المضيئة، يختالون تحت جسر الرئيس و فوقه، يقفون في ساحة القصور يشتمون عبق رائحةٍ شهية خلَفها مطعم "بروستد القصور" الليلة الماضية، قسمٌ آخرٌ منهم يحاول تذوق ما تبقى من كؤوس الكوكتيل الفارغة و المتبعثرة حول "أبو عبدو" في حي الباكستان، تسوقُهم أقدامهم الممشوقة إلى العباسيين، يعرِجون على فرن التجارة فيعجبهم مذاق الخبز الطازج الذي تركه عمال الفرن الآلي وراءهم حين لاذوا بالفرار، صورٌ مسربة للزوار الجدد التقطها أهالي العدوي من على شرفات منازلهم.

المدينة المنتهية الصلاحية..
بلغة الأرقام يحدثُ قائد المركبةِ الأم نائبه، وهما يشاهدان دمشق من حيث ترسو سفينتهما الفضائية على سفح قاسيون:" بالفعل إنها مدينةٌ جميلة، لقد صدق أجدادنا عندما وصفوها بالمدينة الأجمل على سطح هذا الكوكب، لكن على ما يبدو أن كل شيء فيها منتهي الصلاحية، فخرائطنا تشير إلى نهر عظيم يُدعى بردى و ليس لساقيةٍ تشق طريقها وسط المدينة بخجل، تحدث الشيوخ في مجرتنا عن مدينةٍ مضاءة بالكامل و ليس عن ثقبٍ أسود، أصيبٓ عددٌ كبير من جنودنا بالعديد من حالات التسمم نتيجة الطعام الفاسد المنتشر في كل زاوية من زوايا المدينة، رائحة الموت في كل مكان، أشجار المدينة قد بهتت ألوانها، هديل الحمام حل مكانه نعيقُ غربانٍ سوداء كبيرة، و الأهم من هذا يا صديق المجرةِ و الطفولة، أن الكتب الموجودة على رفوف المكتبات علاها الغبار،على ما يبدو لقد فقد سكان هذه الأرض شغفهم بالحرف، أوعِز لجنودنا كي يعودَ كلٌ إلى مركبته، سنعود أدراجنا، فدمشق مدينةٌ منتهية الصلاحية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد