ذات يوم حضرنا نقاشًا ساخنًا في أحد مدرجات كلية إعلام القاهرة حول الدور المنوط بشركات الإنتاج السينمائي في مصر، وأهميتها في توجيه الذوق العام للمشاهد، وانبثق من النقاش رأيان أساسيان :
رأي يرى أن الجمهور هو من يوجه هذه الشركات لعرض منتج جيد غير مبتذل، وبذلك فإنه يربط نجاح أي فيلم بمدى إقبال الجماهير عليه في دور السينما ومن ثم استمرار الشركة في طرح أفلام من نفس النوع.
أما الرأي الآخر، فهو أن شركات الإنتاج هي من تصنع الذوق العام وليس العكس، وقد تتحمل هذه الشركات بعض التكلفة لتبني جمهورًا ذا ذائقة فنية بدلًا من أن تتاجر بهذا الجمهور.
وعادةً ما تتحمل المؤسسات الحكومية هذه التكلفة في القطاع العام ، بينما تأخذ على عاتقها دور الرقابة في القطاع الخاص.
وإذا ما راجعنا شبابيك التذاكر في دولنا العربية، فسنتفق مبدئيًا على أن الإنتاج السينمائي العربي في حالة إنحطاط، ويمكن أن نرى ذلك جليًّا من خلال الأفلام الهابطة التي تستحوذ على الإيرادات المالية، ويتبع ذلك بالضرورة ، أن تحوز شركات إنتاجها على دور الريادة في المجال، كل هذا بحكم الجمهور المشاهد ! كما يبرر صناع تلك الأفلام.
للترفيه وليست للتربية !
أثناء قراءتنا بعض التعليقات على مقالنا السابق
أبجدية ديزني المصرية: إنت مالك؟
الذي ناقش مخاطر دبلجة برامج الكرتون باللهجات المحلية بدلًا من الفصحى، لفت انتباهنا قول البعض بأن أفلام الكرتون وُجدت للترفيه فقط، لا لهدف تربوي، ومن يريد أن يثقف ابنهُ فليبتع لهُ كتابًا !
والحقيقة أن هذا التفكير الخشبي، يحتم علينا ذكر الرواية اليابانية التي دائمًا ما يتفاخر اليابانيون بنجاحها، حين قامت اليابان بإنتاج مسلسلات كرتونية يقوم مضمونها على لعبة كرة القدم مثل "كابتن ماجد " و "كابتن رابح" لتوجيه أنظار وقلوب أطفالهم نحو هذه اللعبة التي لم تكن تحظى بشعبية هناك، في الوقت الذي كانت تسعى فيه اليابان عبر خطة طويلة الأمد للمشاركة في كأس العالم، والفوز به كهدف مستقبلي، عبر تشجيع الجيل الجديد على ممارسة اللعبة وحبها، و رغم أن كرة القدم لم تكن محببة لدى اليابانيين، إلا أنها حاليا كذلك . فلماذا لم تصدر اليابان كتابًا لهذه الغاية بدلًا من إنتاج أفلام الكرتون ؟!
وعندما نتحدث عن شراء الكتب، والاعتماد عليها في تعليم أطفالنا، يتوجب علينا أن ندرك بأننا ننتمي لما يسمى بدول العالم الثالث، وأن كبارنا قبل صغارنا – في الغالب الأعم – لا يتمتعون بثقافة القراءة، وجُل أوقاتنا – في هذا العالم الذي ننتمي إليه – نقضيها في متابعة ما يعرض على شاشات التلفزة ، وقد يكون الإعلام في كثير من الأحيان مصدرنا الوحيد للتوجيه وتشكيل الذائقة الفنية، وعلى هذا بات من الضروري أن نطالب بإضفاء بُعد تربوي على جزء الترفيه الذي نعيشه معظم يومنا .
الفصحى في ميزان الإمتاع
غالبًا ما تكون العامية أكثر تعبيرًا عن أحوالنا خصوصًا في المواقف الفكاهية ، لسبب بسيط، يتعلق بارتباطها الوجداني في نفوسنا، كوننا نستخدم العامية يوميًا في معظم المواقف التي نعيشها، مما يجعلها أكثر ارتباطًا في أذهاننا بأي موقف مشابه قد نراه في أفلام الكرتون، لكن هذا لايعني بأي حال من الأحوال بأن الفصحى عاجزة عن تأدية نفس الدور، فقط لكونك لاتستخدمها، أو لأن ذائقتك ترفضها كما قد ترفض أن تسمع نشرة إخبارية بالفصحى، إن أُتيح لك أن تسمع قناة تذيع أخبارها بالعامية.
وهنا، لا بد من الإشارة إلى نقطة مهمة تجنبًا للخلط، وهي أن عدم تمتع الأفلام المدبلجة بالفصحى بروح الفكاهة لا يعزى إلى استخدام الفصحى، بقدر ما يعزى إلى أن شركات الدبلجة التي تولت هذه المهمة ركزت على الصياغة والبناء اللغوي السليمين، وهو أمر مطلوب بالطبع، لكنها في المقابل، اعتمدت أسلوب الترجمة الحرفية، فكان الخطأ الذي وقعت فيه، أن ترجمت الأفلام كما لو كانت تترجم خبرًا صحفيًّا! وبالتالي، فشلت هذه الشركات في تطويع الفصحى لأداء الدور الفكاهي، على الرغم من أنه كان من الممكن تفادي هذا الخطأ بسهولة لو تم الاستعانة بمترجمين متخصصين في هذا المجال.
الخطأ الثاني: الذي وقعت فيه تلك الشركات ، هو التمثيل البارد، والأداء الصوتي الممل الذي لا يتناسب وطبيعة هذه الأفلام، بعكس شركات الدبلجة المصرية التي تستعين بممثلين حقيقيين قادرين على إيصال روح الفكاهة بالشكل المطلوب، مثل: (محمد هنيدي، وعبلة كامل، وغيرهما ).
ومن الأمثلة الواضحة على ما نقول ، عندما تولت إحدى الشركات المصرية دبلجة بعض المسلسلات الكرتونية بالفصحى، مثل: ( مارتن ميستري ) و ( الجاسوسات )، وكان المسلسلان مضحكين بالفعل، ببساطة، لأن الشركة تجنبت الوقوع في الخطئين السابقين، أو خذ نموذج مسلسل ( سبونج بوب ) الكوميدي المدبلج بالفصحى كمثال آخر!
تبعا لما سبق، يتضح أننا بصدد قضية تتجاوز الترفيه، إلى أبعاد تربوية لا يمكن تجاهلها، فالتربية يجب أن تؤخذ على محمل الجد، وأن يطوع الترفيه وغيره في خدمتها، وهذا لا يعني التقليل من أهمية الترفيه وضرورته للإنسان، بقدر ما يعني وضع الأمور في نصابها، دون شطط أو تقصير، خاصة إذا كنا إزاء ما يتعلق بجيل الغد، فالخطأ هنا بألف خطأ، والخسارة لا تعوض.
ونحن لا ننكر حيازة العامية عنصر الترفيه وإثارة الضحك، خاصة العامية المصرية، لكننا ننبه إلى أن رمي الفصحى بالعجز عن احتواء مثل تلك العناصر فيه شبه باتهام سابق، وفي سياق زماني سابق، حين استقر لدي البعض أنها عاجزة عن احتواء العلوم والمعارف العلمية، متجاهلين أن أفقر لغات البشر لم تعجز عن ذلك، فكيف باللغة العربية، التي لا تُبارى في الغنى والسعة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.