بدأت وزارة الداخلية المصرية التحقيق مع 15 ضابطاً عاملاً بمديرية أمن محافظة القليوبية، لمعرفة علاقتهم بعصابة "الدكش" المتخصصة في تجارة المخدرات والسلاح وارتكاب أعمال البلطجة وترويع المواطنين.
ويشتبه في تقاضي بعض هؤﻻء الضباط مبالغ مالية كبيرة من العصابة، مقابل غض الطرف عن أعمال البلطجة وصفقات المخدرات وﻹخبار العصابة بمواعيد الحملات الأمنية التي تستهدفها.
من هو الدكش، وأين تمارس عصابته نفوذها؟
عصابة "الدكش" هي مافيا متخصصة في تجارة المخدرات، يترأسها محمد حافظ أمين الشهير بالدكش، الهارب من سجن أبو زعبل خلال أحداث ثورة 25 يناير 2011، والمحكوم عليه بالسجن في أربع جنايات، وتضم العصابة عدداً كبيراً من المجرمين والمسجلين خطر.
وتتخذ العصابة من قرى "المثلث الذهبي"- الجعافرة والسلمانية وكوم السمن- التابعة لمحافظة القليوبية، مقراً رئيساً ﻷنشطتها؛ إذ تسيطر العصابة على مساحة 650 فداناً من اﻷراضي الزراعية الموجودة في المنطقة لزراعة المواد المخدرة وللاختفاء بعيداً عن أعين قوات اﻷمن.
"دم الشرفاء".. بداية طريق النهاية
كتب الدكش نهايته عندما أعطى أوامر ﻷفراد عصابته، في شباط/ فبراير 2016، باﻻعتداء على النقيب إيهاب جورجي معاون مباحث قسم شرطة الخانكة، ما أسفر عن مقتل جورجي ومخبرَين اثنين، وإصابة 3 آخرين.
كما قام مساعد الدكش، محمد جودة محمد علام وشهرته "كوريا"، بقتل المقدم مصطفى لطفي رئيس مباحث قسم شرطة شبرا ثان، وإصابة معاون مباحث ومخبر سري من القسم، خلال محاولتهم القبض عليه، في مطلع مارس/آذار الماضي.
وعلى إثر الحادثين، قامت قوات اﻷمن بشن حملة أمنية موسعة، استطاعت خلالها قتل "كوريا" و7 من أخطر العناصر اﻹجرامية، وتوقيف "الدكش" وعددٍ كبير من أفراد عائلته وأعوانه، ليعلن بعدها مدير أمن القليوبية اللواء سعيد شلبي، انتهاء أسطورة "المثلث الذهبي" إلى اﻷبد.
كيف كشف أمر الضبّاط المتهمين بالفساد؟
خلال التحقيق مع الدكش وأعوانه الذين تمّ القبض عليهم، اعترفوا بتحويل مبالغ مالية لضباط في قسم شرطة شبين القناطر، مقابل حمايتهم من حملات الشرطة وغضّ الطرف عن أنشطتهم اﻹجرامية، وهو ما أكّده أحد كبار عائلة "البكالشة"، التي ينتمي الدكش إليها.
ووجّه وزير الداخلية بالتحقيق مع الضباط الذين وردت أسماؤهم على لسان المتهمين.
وأوضحت التحقيقات تورط ضابطين أحدهما برتبة نقيب، وتم إيقافه عن العمل بعد ثبوت تعاطيه مواد مخدرة، واﻵخر معاون مباحث بقسم شبين القناطر وتم إيقافه عن العمل.
كما كشفت التحقيقات أيضاً عن تورط ضابط برتبة لواء في تسهيل أعمال عصابة الدكش، مقابل تلقي رشوة مالية قدرها 3 ملايين جنيه.
ويواصل قطاع التفتيش التابع لوزارة الداخلية تحقيقاته مع عدد من الضباط للكشف عن مدى علاقتهم بتسهيل نشاط العصابة. فيما تؤكد الوزارة أنها لن تتستر على أية تجاوزات.
ليست اﻷولى من نوعها
يشير الخبير اﻷمني العقيد المتقاعد محمد عبد الرحمن- وفي إطار تحليله للوقائع التي تناولتها وسائل اﻹعلام- إلى أن هذه الواقعة ليست اﻷولى من نوعها، بل هناك واقعتان سابقتان تناولهما اﻹعلام، اﻷولى ما تناولته الشروق في العام 2009، عن تورط رجلي أمن في مقتل مدير مباحث السويس اللواء إبراهيم عبد المعبود، وإصابة كل من الرائدين أحمد يسري وأحمد البهي، ضابطي المباحث الجنائية بمديرية أمن السويس، عقب استهدافهما من قبل تاجر المخدرات أحمد المرشدي، حال توجهم لضبطه، حيث كشفت التحقيقات تورط رجلي أمن بإبلاغ القاتل بمعلومات تتعلق بمأموريات كانت تتم لمحاولة تعقبه بعد ارتكاب جريمته.
ويسرد لـ"عربي بوست" الواقعة اﻷخرى، حين نشر أحد المواقع اﻹلكترونية فيديو، في أكتوبر/ تشرين اﻷول 2015، لممدوح حنفي- شقيق عزت حنفي الذي أعدم بناء على حكم قضائي فيما عرف بأحداث قرية النخيلة في أسيوط-، قال فيه ممدوح أن شقيقه عزت كان يتعاون مع الشرطة أثناء موجة إرهاب التسعينيات، لكن نتيجة واقعة إطلاق عزت للنار على قطار سياحي، انتفضت أجهزة اﻷمن ﻹنهاء إمبراطوريته لزراعة المخدرات.
واتهم عدد من ضباط وأفراد شرطة مديرية أمن أسيوط بالتعاون مع عزت حنفي.
كما كشف ممدوح حنفي أنه تلقى اتصالاً من اللواء إبراهيم صابر، وقت أن كان مديراً للبحث الجنائي بأسيوط، وطلب منه أن يعود ليساعد الشرطة وقت الانفلات الأمني الذي واكب ثورة 25 يناير 2011.
ويضيف العقيد المتقاعد محمد عبد الرحمن، أن هاتين الحادثتين باﻹضافة إلى الحادثة التي نحن بصددها اﻵن في القليوبية، تسيء للتضحيات المبذولة من رجال الشرطة، ورغم أنها حاﻻت تحدث على فترات متباعدة وفي أماكن مختلفة، إلا أنها تضع علامات استفهام على آليات معالجة اﻷخطاء المتكررة في الوزارة، وآليات اختيار العناصر غير المناسبة في بعض اﻷماكن، وعدم الاستفادة من أخطاء الماضي القريب أو البعيد.
ويؤكد عبد الرحمن أنه رغم تقديره لجهود وتضحيات الشرفاء من رجال الشرطة إﻻ أن اﻷمر يستحق إعاده النظر للتعلم من الأخطاء، وأن المطبخ الأمني القائم يجب عليه وضع رؤية لتلافيها.