هل حقا نرى الحياة من زاويها الحقيقية؟ دائما ما أشعر بأن شيئاً ما يحول بيننا وبين رؤية الحياة على حقيقتها،لماذا نحب الحياة ونتمسك بها رغم كل مساؤها والآمها؟
"لا يوجد وهم يبدو كأنه حقيقة مثل الحب..ولا حقيقة نتعامل معها وكأنها الوهم مثل الموت" (مصطفى محمود)
في إحدى الليالي الباردة في العشر الأوآخر من رمضان من عام 1999 وبعد سماعي لحلقة الكاميرا الخفية غلبني النوم المبكر وكنت حينها لم أتعدى الست سنوات، لم أكن أعلم أن عند استيقاظي ستتغير الأمور في البيت إلى الأبد، أيقظتني جدتي، انتقلت إلى منزل مجاور وشربنا ماءً بسكر، لم أكن قادرًا على استيعاب أي شيء ولكن ما كنت أعيه أن شيئا غير جيد يحدث، قالت لي أختي التي تكبرنا أنا وأخي بعامين أن أبي قد مات ولكني لم أعرف ما على فعله حينها، قالوا لنا أن من يموت لن نراه بعد ذلك وفقط هو يذهب إلى الجنة لكني لم أعرف لماذا الآن؟.
بدت لي فكرة الموت مقبضة ولكن لصغر سني حينها ذهبت للعب وتجاوزت الأمر، هذا جيد هو ذهب للجنة كما قالوا، وايضا نحن سنذهب أمي قالت ذلك، لكن هذه الكلمات وإن كنت أرددها لم أؤمن بها اطلاقاً، كانت رغبتي في الحياة تفوق أي كلام عن الموت، عند موت شخص ما دائماً ما كنت أبرر لنفسي ميتته هو مات لأنه تعدى السبعين حسناً ما زلت في مقتبل العمر، وعندما يموت آخر في حادث كنت أقول هو مات لأنه زاد السرعة أما أنا لن أزيدها.
الموت حقيقة تواجهنا في كل لحظة، لكننا نفر منه فرار الخائف المتمني طول البقاء، شيء ما كان يقنعني بالبقاء لوقت بعيد لن يأتي الآن حتى لو حاصرنا المرض وموت الغفلة.
ظلت قناعتي ببعد الموت عن العائلة حتى اليوم الأسود في السنة الكبيسة، 29 فبراير،أتى هذا اليوم بعد أربع سنوات من غيابه ليغير مفاهيمي عن الحياة، وعن الموت، وعن كل شيء، مات اخي، لم أجد ما أبرر به ميتته فهو في نفس عمري وأيضًا لم يكن مسرعا إذاً ماذا؟! اختفى احساس بُعد الموت عني ولم أعد أهابه إطلاقًا.
"أول علامات بداية الفهم، أن نرغب في الموت!" (كافكا)
(2)
لماذا نحزن كثيراً لفقد عزيزٍ علينا إذا كانت الحياة بكل هذا السوء؟ ولماذا نتقاتل إذاً على البقاء أحياء رافضين فكرة الموت إذا كنا لا نصل إلى السعادة المنشودة؟.
يتحدث جلال أمين في كتابه "رحيق العمر" وتحت عنوان "لماذا تخيب الآمال" فيشير إلى سبب أساسى لخيبة الأمل بخلاف الأسباب التى قد يشترك فيها الحيوان مع الإنسان مثلاً حين يضعف الجسد ويفرق الموت
ويقول:" أن هناك سبب لخيبة الأمل لا يعرفه الحيوان، أو الأرجح أنه لا يعرفه بنفس الدرجة، وهو قوة الخيال التى تدفع الإنسان إلى أن يمتد بآماله إلى آفاق بعيدة، فلا يتوقف عند الآمال التى يمكن تحقيقها نحن نتطلع إلى هدف و نتلهف على تحقيقه، فإذا حققناه سرعان ما نفقد الحماس له، بل ربما فقدنا حتى الرغبة فيه، فنتطلع و نتلهف إلى ما هو أبعد منه، ثم نفقد الحماس و ربما الرغبة في هذا أيضًا بمجرد فوزنا به، و نتطلع إلى ما هو أبعد منه فإذا به عصيّ صعب المنال، فنصاب بخيبة الأمل".
بإختصار متعة الحياة لا تكون في خيالنا فقط، وما نعتقد أنه بحدوثه سنكون أسعد عندما يتحقق لا تتغير الحياة كما صورت لنا عقولنا، نعتقد أنه بقدوم المال والثروة سنكون أسعد، ثم يأتي المال وتبقى الحياة مملة رتيبة كما هي، فدائماً ما تكون لذةُ السعي لتحقيق الحلم أفضل من لذةِ تحقيقه.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.