حتى وقتٍ قريب كان الكثير من العراقيين، يتجنبون الاتصال أو التواصل عبر تطبيق (واتس آب) على الهواتف النقالة، خشيةً من الرقابة أو التنصت أو كشف المستور، غير أن تلك المخاوف تبددت في أعقاب إعلان الشركة تشفير جميع اتصالات المستخدمين، بما فيها الشركة نفسها.
محمد خليل مراد (25 عاماً) تخرّج العام الماضي من كلية الإعلام بجامعة بغداد، يحتفظ بعلاقته بزميلته منذ المرحلة الأولى بالجامعة، بانتظار تحسّن الظروف المعيشية والعثور على وظيفة، ليقدما على مشروع الزواج.
قال مراد لـ"عربي بوست" إن الشباب عامةً يفضلون استخدام تطبيق الواتس آب، قياساً بوسائل الاتصال الأخرى، لما يتمتع به من سرعة في إرسال الرسائل والصور، ولكن بتحفظ، خشية من وجود من يتنصت من قبل الشركة أو من أجهزة الأمن، بمعنى الخوف من الرقيب.
وأضاف مراد أن غالبية الشباب ومنهم أصدقاء وزملاء صاروا "يتبادلون رسائل الحب، والصور، والرسائل الصوتية بأريحية، دون التفكير بوجود رقيب أو منصت، أو متطفل يرغب بالفضائح أو ماشابه".
المخاوف من الرقيب تتبدّد
رعد عيد الناصر يعمل محامياً، يرى أن المحامي أكثر خوفاً وتحفظاً كونه درس القانون، ويفهم في تفسير المواد القانونية، لذلك فإن التخوف ضمن طبيعته العملية، ولكن حين يجد فسحةً من الحرية بعيداً عن عيون الرقيب، ورسائل طمأنينة تتبدد المخاوف.
وقال لـ"عربي بوست" إن"حديثنا كأصدقاء وكزملاء مهنة في الغالب يكون بالسياسة، نظراً لارتباط السياسة بالقانون، وهذا ما يحتاج إلى المزيد من الوقت في الحديث، ولأن تطبيق (واتس آب) مجاني، نتحدث بالصوت أو بالرسائل الصوتية، أو حتى من خلال كتابة الجمل، في مجال تبادل الآراء، ولكن بحذر وكنا نخشى الرقابة، حتى ان أحدنا يبلغ الأخر بضرورة حذف الرسائل بعد الانتهاء من الحديث".
وأضاف أن "الوضع صار مختلفاً الآن، فبإمكاننا التحدث بسلاسة، طالما غاب الشعور بوجود رقيب، وطالما ان التطبيق مشفر، ولايمكن إظهار رسائل سابقة، تحت أي ظرف ولأي سبب كان".
وتقول فادية حسن وهي مهندسة حاسبات (ثلاثينية العمر) إن"التشفير يجنب المستخدمين عمليات القرصنة، ويجعل من المستخدم مطمئناً لخصوصياته، وهذا مهم جداً للمستخدمين العراقيين، كون المجتمع العراقي ذا طبيعة عشائرية، ومن الممكن أن تخلق هذه الرسائل من خلال متطفلٍ مشاكل كبيرة".
التشفير دعم لحرية التعبير
ويرى رئيس الجمعية العراقية للدفاع عن حقوق الصحفيين إبراهيم السراجي أن "رفع الرقابة عن هذا البرنامج يعد مبادرةً إيجابية، وخطوة تصب بالاتجاه الصحيح في مجال احترام الخصوصية لكل إنسان، ولاشك أنها ستمنع الأجهزة القمعية من ممارسة الرقابة على الأفراد من مستخدمي واتس آب".
وأضاق السراجي لـ"عربي بوست" "أن الشركة أظهرت رسالة واضحة وصريحة بأن الخصوصية لها احترامها ولها مكانتها في الدول التى تعتبر خصوصية الإنسان خطاً أحمر ولايمكن انتهاكها من قبل أي جهة، فضلاً عن أنها خطوة داعمة لحرية التعبير لأنها وفرت بيئة آمنة لمستخدمي هذا التطبيق، مما يسهم في تعزيز حرية التعبير دون قيود ودون أي رقابة".
وعبر السراجي عن اعتقاده بأن هذا الإجراء من قبل الشركة سوف يزيد من عدد مستخدميها، وقد يحرج البرامج الأخرى، ليجعلها تتخذ خطوة مماثلة".
وأعلنت شركة واتس آب لخدمة المراسلة الفورية، مطلع أبريل/ نيسان الحالي أنها بدأت تشفير جميع اتصالات المستخدمين عبر تطبيقها، فيما وصفت منظمة العفو الدولية هذه الخطوة بأنها "انتصار كبير" لحرية التعبير.
وبموجب هذه الخطوة الجديدة جرى تشفير الرسائل على مستوى المستخدم النهائي فور إرسالها من المستخدم ولا يمكن فك الشفرة إلا من خلال جهاز الشخص المرسل إليه.
وحال هذا دون قراءة الرسائل إذا جرى اعتراضها على سبيل المثال من جانب عناصر إجرامية أو جهات إنفاذ القانون.
وقالت واتس آب، التي يصل عدد مستخدمي تطبيقها للمحادثة الفورية إلى مليار شخص، إن عمليات تحويل المحادثات والاتصالات الصوتية سيجري تشفيرها أيضاً.
وأكدت الشركة، المملوكة لفيسبوك صاحبة الموقع الاجتماعي الشهير، أن حماية الاتصالات الخاصة تمثل واحدة من "مبادئها الرئيسية".
انتصار كبير
وبدأ تسليط الضوء على قضية التشفير بعد أن طلب مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي" من شركة آبل مساعدته في الدخول إلى بيانات هاتف آي فون الذي استخدمه سيد فاروق منفذ هجوم كاليفورنيا الذي وقع في كانون الأول الماضي وأودى بحياة 14 شخصاً.
وقالت واتس آب، "الفكرة بسيطة، حينما ترسل رسالة، فإن الشخص الوحيد الذي يمكنه قراءتها هو الشخص أو المجموعة التي ترسل لها الرسالة، ولا يمكن لأي شخص رؤية محتوى هذه الرسالة، سواء كانوا مجرمي إنترنت أو قراصنة أو أنظمة حكم قمعية، ولا حتى نحن".
وجرى إبلاغ مستخدمي أحدث نسخة من تطبيق واتس آب بهذا التغيير حينما بدؤوا إرسال رسائل عبر التطبيق، وتتوافق إعدادات الجهاز مع هذه الخاصية الجديدة بشكل تلقائي.
ووصفت منظمة العفو الدولية هذه الخطوة بأنها "انتصار كبير" لحرية التعبير، خاصة للنشطاء والصحفيين الذين يعتمدون على الاتصالات الفعالة والجديرة بالثقة للقيام بعملهم دون أن تتعرض حياتهم لمخاطر كبيرة.
وقالت المنظمة في بيان لها إن "استخدام واتس آب للمرة الأولى لبروتوكل الإشارات لتمنح تشفيراً على مستوى المستخدم النهائي لمليار من مستخدميها في أنحاء العالم يمثل دفعة قوية لقدرة الأشخاص على التعبير عن أنفسهم والاتصال مع غيرهم دون خوف".