في الجاهلية كان قدوم البنت عاراً على أهلها، فانتشر وأد البنات، ودفن عارهن قبل أن يرتكبنه في قبورهن، ومن عِظم جُرم وبُؤس هذا الفعل ذكره الله في القرآن، وتوعد فاعله بالعذاب، وبالرغم من توقف العالم عن ممارسة فعل الوأد بشكل صريح وحقيقي، إلَّا أنه مازال موجوداً وقد اختلفت استراتيجياته ومناهجه، ففي إحدى البرامج الهندية والذي يقدمه الممثل الهندي العالمي آمر خان، تناول في إحدى الحلقات وأد البنات بطريقة حديثة، حيث رصدت الدراسات ظاهرة إجتماعية خطيرة في الهند وهي سعي الزوج وأهله إلى إجهاض زوجته إذا ما علموا أنها حُبلى بفتاة!
في مجتمعاتنا قد توأد الفتاة فتُزوّج دون رغبتها، أو تُحرم من التعليم، أو تُجبر على العمل من أجل لقمة العيش، تُحرم من السعادة والإنطلاق في الحياة لأنها فتاة، وجميع تلك السلوكيات تسعى إلى هدف وحيد وهو دفن عارهن ومنعهن من ممارسة الخطيئة، وكأن الله قد خلق الأنثى وقد كُتِب على جبينها "خاطئة"!
منع كهنة بني إسرائيل مريم العذراء من دخول المعبد للتعبد، فهي امرأة، ولأقدام النساء قدرة على تدنيس بيوت الله، ففي اليهودية المرأة نجسة نجاسة أبدية، لذلك فهي مُحرّم عليها إمساك التوراة والقراءة فيه، وتكتفي بدراسة نصوص محددة في كتب المدرسة.
ولم يتقبل المجتمع أن يحمل جسداً بكراً معجزة الله، لم يتقبلوا المسيح لأنه ابن مريم، لأنه المعجزة التي تُحتم عليهم الإيمان، فحرّفوا حياته، وجعلوا له أب!
لم يتحمل فرعون حب وعطف زوجته على الطفل موسى، ولم يتحمل إيمانها، إيمانها الذي يعني تحديها له، مخالفته الرأي، إيمانها الذي يعني أن زوجته تحمل رأيا غير رأيه، وأنها تطيع غيره، وتنفذ أوامرا ليس بأوامره، لم يتحمل بأن تلك الماشطة المسكينة الضعيفة بكل ما أوتيت من وهن في الجسد والمال والمكانة تُسبّح باسم غير اسمه، فأحرقها في الزيت.
أول من آمن بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم على الاطلاق هي امرأة، زوجته خديجة.
ومن عاونته على هجرته هي ابنة صاحبه، أسماء بنت أبي بكر التي وقفت وقوف القوي أمام أبي جهل أكبر كبراء قريش حتى صفعها على وجهها فانفرط قرطها.
قالوا عنا أننا ناقصات عقل ودين، تغلب عاطفتنا على عقولنا، فلا نمقت أبناءنا بعد ما سببوه لنا من آلام الولادة، ونتحمل ما يمر بنا من تغير في الأمزجة، وننزف شهريا فنُعفى من أمور الدين.
سنّ الله في أرحامنا أن تتم العملية التي تحافظ على بقاء الجنس البشري في الأرض، فإذا لم تجد من يتم لها البقاء تكسرت أوصالها ونزفت دما.
ولأننا خُلقنا كائنا نازفا فلا بأس بأن ننزف أكثر!
تتكون تلك الكتلة الحمراء داخل أرحامنا استعداداً لاستقبال الحب، فيُخلق كائنا جديدا يسبح في ذلك الحيّز الضيق ليشغل حيّزا أوسع في الكون، ووقت ألا تجد من الحب رسولا تتكسر أوصال عشقها، وتنزف منا، ننزف عشقا، عشق أن نصاحب آدم في رحلته ونهب له من نطفته ابناً.
تلك التغيرات النفسية والفسيولوجية التي نمر بها كل شهر، كل جزء من جسدنا ينتفخ، نشعر بتفاصيل ذلك الكائن الذي يريد الخروج منا ولكنه يعاند،لا ندري من يعاند، يعاندنا ربما، هل وصل بنا الأمر بأن تعاندنا كتلة دم؟!
هناك تآمرا ما بين عقلنا وهرموناتنا، يتآمر جسدنا كله علينا، على مزاجكِ، على سعادتكِ، على ملابسكِ التي أصبحت تضايقك، شهيتك المفتوحة دائما لأكل كل شيء وأي شيء، عصبيتك التي لا مبرر لها، جرحك لأناس تحبينهم، فهل من اللوم أن أجرحهم وأنا المجروحة داخلي ؟!
كتلتك الحمراء لم تجد لها حباً، لم تتحول إلى كائن حي، فقررت التفكير في أن تُنزِف نفسها حزنا، فنأتي لنلومها على صوت مرتفع، ومزاج متقلب!
ثم تضع رجلا فوق رجل وتحلل عاطفتها ونقصان عقلها!
في العام الماضي نشرت طالبة هندية صوراً على انستجرام لامرأة تنزف وقت دورتها الشهرية، فحذف انستجرام الصور بحجة أنها تخالف الشروط والقواعد، فأعادت الفتاة نشر الصور من جديد وتحججت بأن المرأة الظاهرة في الصور ليست عارية ومغطاة بالكامل، في حين انستجرام يترك حسابات لنساء ينشرن صوراً عارية لأنفسهن، مرفقة مع الصور نصا مفاده أن رحمها هو من يحافظ على الجنس البشري.
في زمن الجاهلية كانوا يعتزلون النسوة الحائضات ويضعنهن في غرف بعيدة عن أزواجهن، وعندما جاء الاسلام كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحرص على معاملة السيدة عائشة بمودة وحب، فكان يشرب من مكان ما شربت وقت حيضتها حتى يُمحي كل أثر جاهلي في تحقير المرأة أو التقليل منها.
خلف الأبواب المؤصدة والأحاديث النسوية غير المعلنة تشتكي عدة نساء-حتى الآن- من تقزز أزواجهن منهن وقت دورتهن الشهرية، فلا يقبل بأن تقترب منه بل وأحيانا يصل الأمربأن تنتابه القشعريرة بنومها جانبه.
في صالة الألعاب الرياضية النساء اجتمعن في مجتمع لا يهتم بثقافة الرياضة من أجل الصحة العامة، ولكنه يهتم بها عندما يكون هناك رجل ما، كنا نقتل الوقت على الأجهزة بالثرثرة التي لا مفر منها في أي محفل يكتظ بالنساء، أخبرتني إحداهن أنها تريد أن تنجب أطفالا وعليها أن تخسر وزنا من أجل حلم الأسرة التي يراودها ويراود زوجها منذ أربع سنوات، امرأة أخرى لم تجد بُدّا من خسارة وزنها بعد الولادة خاصة وأن زوجها مُتيّما بـ "صافيناز"، "خطوبتي بعد شهر" هذه جملة كافية لتعرف لما هي هنا، بالإضافة إلى الآنسات الصغيرات اللواتي يحاولن التخلص من وزنهن الزائد حتى لا يفوتهن قطار الزواج وبناء الأسرة.
جميعهن اجتمعن من أجل رجل، لا لأجل أنفسهن، ويبدو وكأنه نفس الرجل.
امرأة لا زالت في الثلاثين من عمرها أخبرتني بفاجعتها عندما اكتشفت ظهورعدة شعيرات بيضاء في شعرها، قالت بأن الحياة أهلكتها واستنزفتها، تعيش في الغربة خارج وطنها، تعمل هي وزوجها في مدرسة، يحاولا النهوض بمستواهما المالي فتقوم هي بإعطاء دروس خصوصية، بالإضافة إلى أنها أم لثلاثة أطفال وحامل في الرابع، حسنا وماذا يفعل زوجك؟! لا شيء يعود من المدرسة لينام!
في إحدى صفحات الفيس بوك المختصة بمشاكل الخطبة والزواج سألوا المتابعات "ما هو أغرب سؤال وجهه لك عريس؟"، كمية الفتيات اللواتي سردن قصة سؤال "مرتبك كام؟" مخيفة فعلا، فلقد كنتُ أعتقد أن الرجال الذين يشترطون على زوجاتهم أن يعملن ويقبلون بمشاركتهن مالهن هم قلة قليلة ونادرة.
الله عز وجل ساوى بين الرجل والمرأة في الواجبات والحقوق والثواب والعقاب، ولكنه فرّق بينهما في النفقة والذمة المالية، فالرجل يُنفق وللمرأة ذمتها المالية التي حُرّم على أحد أن يتدخل فيها إلا برضى منها وعن طيب خاطر، وهناك فرق بين الرضى النابع من داخل المرء والرضى النابع من الضغوطات الحياتية والإجتماعية التي يواجهها.
ألا يكفي على المرأة كل ما تواجهه داخلها من صراعات، وما تفرضه عليها نفسها ومزاجها من ردود أفعال، ألا يكفي كل ذلك حتى نُحمّلها ما زاد عن طاقتها!
ألا نخشى من نسائنا عندما يختصمن عند الله كل فرد في المجتمع وقد حمّلها ما لم يأمر الله بتحميلها إياه!
فرفقا بالقوارير يرحمكم الرحمن.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.