بالقدر الذي يُسرِفُ فيه الأهالي على أولادهم لإنشائهم وتربيتهم بطريقة سوية، تبقى تبعات زراعة بعض البذور السيئة سبباً في الخراب والفساد الذي نعيشه الآن وخصوصاً مع ثورة التطور.
أتساءل لماذا لم يكن مفهوم الحُب جزء مهم في حياتنا؟ في البيت؟ في المدرسة؟ في الشارع ؟ لماذا لم يكن منهجاً ندرسه؟!
للأسف كلمة "حُب" رغم جمال لغويتها إلَّا أنها كانت عيباً وجرماً كبيراً، وربما تزهق من أجلها أرواح تحت طائلة جرائم الشرف أو الحب غير المشروع!
لم يجروء أحد أن يجعلنا نتذوق معاني الحب بكل معانيه، فعندما كبرنا فشلنا في التعبير عن الحب، حتى الأحاسيس التي تتملكنا هي ليست حباً بالمعنى الكامل، ولكنها مجرد ردات فعل وأعراض جانبية.
علمونا مثلاً أن الله واحد أحد، وعلينا عبادته ولم يعطونا المجال أن نتفكر بهذا الخالق العظيم، وأنه المعلم الأول للحب، لم يعطونا فرصة لنعشق المعبود، بل أرغمونا على عبادته وإقامة الصلاة كما تحكي العادات والتقاليد، والكتب المدرسية، والشيخ الباكي الذي يملأ صوته الحافلات صارخاً مخوفاً إيانا من الله الغضوب الذي سيحرقنا في نار جهنم إذ أخطأنا أو قصرنا.
والمعلمون بدورهم لم يقصروا بإعطائنا المعلومات العقائدية والدينية لتسقط فوق رؤوسنا متسارعة باحثة عن منافذ فارغة للتخزين، دون لمسات حانية، ورعاية مغلفة بالحُب، لتبقى جميلة ومتينة على مدى الزمن، وإذا أردنا إستعادتها من الأعماق، تخرج هذه الكلمات عارية الأغصان، جافة لأنها عطشى للحُب.
لم يعلمونا أن الله يحبنا إن اجتهدنا، و عملنا وحتى إن قصرنا فهو يحبنا ويحب ضحكاتنا وسعادتنا ولعبنا في أفنية البيت والحارة والساحات.
لم يجروء أحد منهم قط أن يغرس فينا معنى الحُب الحقيقي في قلوبنا، بل بذروا كلمات صغيرة مبعثرة بلا مغزى، وإكتشفنا عندما كبرنا إنها بذور تنمو حشائش سامة، و علينا أن ندمي أيدينا لإقتلاعها من الصميم، فعلمونا أن الغرب هو العالم القذر الفاسد وهم من استعمرنا ودمرنا وقتلنا، وهم الكفرة الذين يدينون بدين غير ديننا، ولم يخبرونا أن هذا كله يندرج ضمن إتفاقات السياسة وبراثن الخنوع والجهل، والتي يختلط فيها الحابل بالنابل، فرسمنا في مخيلتنا الغربي على أنه مخلوق الدراكولا الذي لا يمت للإنسانية بصلة، و بعيون تملؤها الكراهية، وبقلب يدغدغه الحقد، وبأفكار متعالية بأننا الأفضل على الدوام، حتى في قمة انغماسنا في الرذائل فهي بالنهاية نزوات عبد خطاء !.
وسحبنا القدر إلى عقر ديار الغرب، وإكتشفنا وكأننا خرجنا من قمقم مليء بالغبار، فاكتشفنا أن الغربي هو إنسان مثلنا له قدمان ويدان وعينان ولسان، وله قلب ينبض ويحب وعين ترى وتدمع وله أيضا عقل يفكر!.
هو يختلف عني شكلاً وأصلاً وديناً ولكنه إنسان مثلي، ينجب أطفالاً ويحبهم ويضحي من أجلهم، ويجتهد ليتعلم ويبدع ويزرع حديقته وروداً ويهديها، وله أمنيات وأحلام تتعلق بأشجار رأس السنة الميلادية المعطرة، ويحب ويكره، فلماذا تتخابط لدينا المشاعر الآن؟
لماذا أحبه وأثني عليه إذا ساعدني في مصلحة، وأحقد عليه وأكرهه وهو بعيد عني، وخصوصاً عندما أنفرد بمن هم مثلي فأبدأ بالشتم والسب والقَدْح
على هذا الإنسان الغربي النجس!، وأنا متأكدة أن كل كلمة تخرج من فمي توخزني بأشواكها، لأنني في الصميم أعلم أنني أظلمه وأمقته بلا سبب، وأن هناك من هم يستحقون الاحترام والحب أكثر من غيرهم من أبناء جلدتنا ومنهم أيضاً الأشرار كالذين يقتلون أهالينا بلا رحمة.
لم يعلمونا في صغرنا أن الحُب عالم يحتضن الإنسانية جمعاء باختلاف الألوان والأديان والأجناس، وهو ليس تلك المشاعر المضطربة التي تملأ الشاشات والأوراق، وبالونات حمراء تملأ محلات خصصت للحُب، يا سادة : الحُب لا يشترى ولا يباع، بل هو أساس كل أعمالنا قبل النية يجب أن نحب ما نعمل، فحبي لله لأنه يبادلني الحُب، لأنه أبدع في خلقي، يجعلني أعشقه في كل عمل أتقرب فيه إليه وليس الخوف والفزع.
هو الله سيحبني عندما أحب خلقه كما يحب ويرضى، وكما قال لنا في كتابه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)، هو وحده يعرف من يحبه ويتقرب إليه، لأنه مَنْ خلق الكون وأبدعه في حُب.
أما زلنا نقول نحن الأفضل، دعونا نتعلم فنون الحب في محبة بَعضُنَا بَعْضًا باختلافنا وأطيافنا وعقائدنا، ثم نبحث عن الأفضلية في عالم الإنسانية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.