أبلغت أميركا كلاً من مصر وإسرائيل رسمياً نيتها إعادة تشكيل قواتها في سيناء، بسبب الخطر المتزايد لتنظيم "الدولة الإسلامية" في شمال شبه الجزيرة.
وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر، كشف عن أن بلاده تدرس رفع الاعتماد على تكنولوجيا الاستشعار عن بعد، ونقل القوات الأميركية من شمال سيناء إلى الجنوب، وفقاً لما نشره موقع "نيويورك تايمز" الأميركي الأربعاء 13 أبريل/نيسان 2016.
وقال جيف ديفيز المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون): "لا أعتقد أن أحداً يتحدث عن انسحاب (كامل)، أعتقد أننا سننظر فقط في عدد الأشخاص هناك ونرى ما إذا كانت هناك مهام يمكن القيام بها آلياً أو من خلال المراقبة عن بعد".
توقيت القرار
توقيت هذا الإعلان حمل العديد من التكهنات حول الهدف الحقيقي من هذا التحرك، ففي الوقت الذي أعلنت أميركا أن السبب هو تنامي قوة داعش في سيناء، ربط محللون سياسيون الأمر بقيام مصر بتسليم جزيرتي "تيران" و"صنافير" للسعودية.
وكان هذا القرار قد أثير العام الماضي، "لكن التنفيذ بدأ عقب توقيع اتفاقية تنازل مصر عن ملكية الجزر للسعودية وفقاً للمحلل السياسي والخبير في شأن الصراع العربي الإسرائيلي "محمد سيف الدولة.
ويرى "الدولة" أن القرار جاء تلبية لمطالب إسرائيلية تتعلق بحماية أميركية ودولية لـ "تيران" و"صنافير" لتأمين الملاحة في مضيق تيران، بسبب "مخاوف إسرائيل من عدم التزام السعودية بما التزمت به مصر في معاهدة السلام"، حسبما قال "تسفي برئيل" محلل الشئون العربية بصحيفة "هآرتس" في التقرير السابق الإشارة إليه.
كما أن صحفاً أميركية أبرزها نيويورك تايمز، كانت قد طالبت بسحب هذه القوات، وهو ما اعترضت عليه إسرائيل والقاهرة، وأجريت محادثات مع أميركا في شأن حماية وتطوير هذه القوة وزيادة الأمن الذي توفره مصر لهذه القوة.
وأرجعت الصحيفة الأميركية السبب حينئذ لأن "مهمة قوات حفظ السلام عفا عليها الزمن، والعلاقات المصرية الإسرائيلية وصلت حالياً لدرجة من العمق والحميمية لم تعد تحتاج معها إلى الوسيط الأميركي"، وكذا "الخوف على عناصرها من الحالة الأمنية في شمال سيناء وهجمات داعش".
وبدأت أميركا ودول غربية في طرح مسألة إعادة النظر في إلغاء وجود قوة السلام الدولية العاملة في سيناء منذ التوقيع على اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر عام 1979، بعد مخاوف من تعرضها لهجمات من تنظيم داعش (ولاية سيناء) في ظل ضعف تسليحها.
وتنشر الولايات المتحدة قرابة 700 عنصر في إطار هذه القوة الدولية MFO التي يبلغ عددها 1700 عسكري.
أسباب أخرى للقرار
"هناك صفقة مريبة يتم طبخها منذ شهور لا نعرف تفاصيلها بعد، ولكنها تدور حول دور أكبر للأميركان في سيناء وأكنافها"، يضيف المحلل السياسي "محمد سيف الدولة".
وتوقع "سيف الدولة" أن سبب القرار الأميركي في مراجعة وضع قواتها بسيناء أو إعادة نشرها يرجع إلى رغبتها في تطوير وظيفة قواتها في سيناء، ليكون لها "دور أمني"، بخلاف دورها الحالي الذي يقتصر على "المراقبة"، وهو ما يعني في حالة القبول الرسمي المصري، تطويراً في تشكيل وتسليح وتوزيع هذه القوات، ولكن هذا يعني "إضافة مزيد من القيود والانتهاك للسيادة المصرية هناك"، حسب قوله.
ولا يقلل "سيف الدولة" من قلق أميركا من تهديدات مسلحي تنظيم "ولاية سيناء" الذي بايع تنظيم داعش، للقوات الدولية، خاصة في ظل توسيع هجمات المسلحين تجاه مقرات القوات، وقول موقع "مليتاري تايمز" أن داعش تمنع أحياناً إدخال الطعام والمياه والإمدادات اللوجستية الأخرى إلى المقار المؤمنة التي تقطنها القوات و"مضايقات مسلحي داعش الدائم للمقاولين المسئولين عن توريد تلك المستلزمات".
ففي 9 يونيو 2015 شن جهاديون يعتقد أنهم من "ولاية سيناء" هجوماً صاروخياً ضد القوة المتعددة الجنسيات في سيناء، كما أطلقوا قذائف هاون وزرعَوا عبوات ناسفة على الطرق التي تسلكها القوات، وقام مسلحون في بعض المرات برفع راية التنظيم السوداء فوق بعض أبراج القوات الدولية.
وفي 4 سبتمبر 2015، أصيب 6 من قوات حفظ السلام المتعددة الجنسيات المتمركزة بشمال سيناء في انفجار عبوتين ناسفتين وضعهما مسلحون على الطريق وقت مرور سيارة بها جنود الأمم المتحدة.
وزعم موقع "ديبكا" الإسرائيلي الأسبوع الماضي أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعث برسالة عاجلة لنظيره الأميركي باراك أوباما يطلب فيها إرسال قوات خاصة أميركية إلى سيناء للمساعدة في قتال تنظيم "ولاية سيناء" التابع لـ "الدولة الإسلامية" (داعش).
وقال الموقع الاستخباري أن الرسالة السرية للرئيس الأميركي باراك أوباما، اقترح عليه فيها السيسي أن "يفتح الجيش الأميركي جنباً إلى جنب مع الجيش المصري جبهة مشتركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية بشبه جزيرة سيناء" بحسب "مصادر عسكرية وخاصة بمكافحة الإرهاب حصرية لديبكا".
وسبق أن أكد موقع "مليتاري تايمز" الأميركي المتخصص في تغطية الأخبار العسكرية أن الولايات المتحدة أرسلت قوات إضافية إلى شبه جزيرة سيناء، في أعقاب معلومات عن تنامي تهديدات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سيناء، وكشف أن الزيادة المقررة للجنود الأمريكان بمقدار 75 جندياً سترفع إجمالي القوات الأميركية هناك إلى 725 عسكرياً أميركياً من بين 1275 جندياً من قوات حفظ السلام.
قوات حفظ السلام بسيناء
وفي أعقاب توقيع مصر وإسرائيل اتفاقية "كامب ديفيد"، اتفق الطرفان على إنشاء قوات متعددة الجنسية تكون مهامها حفظ ومراقبة السلام في سيناء، لكن اختلاف أعضاء مجلس الأمن الدولي على ضرورة إرسال هذه القوات، والذي نتج عنه قرار بعدم إرسال قوات إلى سيناء، جعل أميركا تتبنى إرسال قوات حفظ سلام هناك، وأنشأت قوة متعددة الجنسيات خاصة لهذا الغرض.
وقد تم توقيع بروتوكول بشأنها بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة في 3 أغسطس 1981، وهذه القوة تتشكل من 11 دولة وتضطلع الولايات المتحدة بمسئولية القيادة المدنية الدائمة للقوات كما أن لها النصيب الأكبر الذي يبلغ 40% من جملة القوات.
والقوة الدولية تتكون من قيادة و3 كتائب مشاة ودورية سواحل ووحدة مراقبة ووحدة طيران حربية ووحدات دعم وإشارة، والكتائب الثلاث هي: كتيبة أميركية تتمركز في قاعدة شرم الشيخ والكتيبتان الأخريان إحداهما من كولومبيا والأخرى من فيجي وتتمركزان في الجورة في الشمال، وباقي القوات من باقي الدول موزعة على باقي الوحدات.
وتتمركز القوات في قاعدتين عسكريتين: الأولى في الجورة في شمال سيناء بالمنطقة (ج) والثانية بين مدينة شرم الشيخ وخليج نعمة، بالإضافة إلى 30 مركز مراقبة، ومركز إضافي في جزيرة "تيران" لمراقبة حركة الملاحة.
وقد اختارت أميركا التمركز في القاعدة الجنوبية في شرم الشيخ للأهمية الاستراتيجية لخليج العقبة والمضايق بالنسبة لإسرائيل.
أما في المنطقة (د) داخل إسرائيل فلا يوجد سوى مراقبين مدنيين قد لا يتعدى عددهم 100 مراقب، حيث رفضت (إسرائيل) وجود أي قوات على (أراضيها).
وتقوم القوة بمراقبة مصر، أما إسرائيل فتتم مراقبتها بعناصر مدنية فقط لرفضها وجود قوات أجنبية على أراضيها، ومن هنا جاء اسمها (القوات متعددة الجنسية والمراقبون MFO).