في فترة من فترات الزمن، تتلاطم الأحداث وتتصارع المِحَن ..
في تلك البقعة المباركة من بقاع الأرض؛ حيث تترامى الأسلحة والنياشين، ويطوف الهائمون بأحلام وأساطير الحاضر الغائب، البطل المنتظر والزعيم المظفر فوق أعناق حاشيته وخدمه وأتباعه، الذي أطاح بمن انتخبه شعبه من قبله وسلَّط جنوده على دحر اعتصام الغاضبين،
إنه الإله "سي سي" رع.
وقف ذات يوم بين عشاقه، يداعب أناملهم الرقيقة، لا تقوى مسامعهم على مجاراة تلك القشعريرة الهائجة التي تثيرها نعومة كلماته ودفء أوهامه، بينما تلتحم آهاتهم ودموعهم بنبرة صوته الخانعة؛ لتتراقص على زيف الأحلام، ومُحْن الكلام، في أرقام وإحصاءات تبتعد عن الواقع الأليم، الذي تئن له مضاجع الفقراء والمهمشين في تلك البقعة.
شقّ لهم الأرض ليفتح طريقًا جديدًا لعبور المزيد من السفن، وأقام الاحتفال وأنشأ لهم الأفراح بعزف الكلمات، ثم استضاف المؤتمر الاقتصادى لاستجلاب المزيد من التبرعات في شكل استثمارات، وأنشأ الاحتفال الضخم بالعاصمة الإدارية الجديدة، التي سيهبط فوق أرضها قرص الشمس العتيد يضيء مزيدًا من الأحلام بعيدة المدى، وعشاقه هائمين مصدقين وبسحر خطابه مستمتعين.
تهبّ رياح القحط على عملة البلاد وتهبط إلى أسفل المستويات، تعلو امواج الغضب لتقتل طموحات الشباب، في عامٍ ادعوا كذبًا أنه عام الشباب، غلاء الأسعار يعصف ببسطاء المدينة، وزعماء العصر البائد يبعثهم من جديد يشكلون حكومته الجديدة، وبرلمانه في ثبات عميق، يصفق له في سكون، ويسبح بحمده ليل نهار.
تشتد طواحين الخزي فوق هامات عشاقه فيعجز عن تأمين جنوده لسوء خطط الحماية والتأمين، ولا يمر شهر أو شهران حتى تسقط دماء الجنود البسطاء، وتعتصر أسفًا وحزنًا قلوب الأمهات، ذات القلوب التي حزنت لفقدان أغلى شبابها راحوا ضحية الصراع على المناصب، والطمع فى العرش الزائل من بين سطوة الإله سي ىسى رع، ليرث إله الكون الواحد الحق الأرض ومن عليها، ويقف الجميع أمامه بلا خطابات خادعة وأحلام زائفة، لتنكشف الحقائق فوق رءوس الأشهاد.
وتستمر البلاد رهن الأوهام والأكاذيب ..
فهنا شباب يتم تصفيتهم دون تحقيق لاتهامهم بقتل شاب أجنبي له ثمن عند دولته !
وهنا مسئول جهة رقابية يتم عزله وغصب منصبه بعدما نطق كلمة حق وسط سيل الأكاذيب !
وهنا مسلسل اختطاف الطائرة، وهنا الفئات ثائرة !
وهنا العشاق حائره .. يقف بعضهم وقفة كرامة وإنسانية مع أنفسهم ..
هل هذا يستحق المبايعة؟
ماذا قدم؟ وماذا صنع؟ وإلى أي حال وصلنا؟
وإلى أي حال سيصل بنا؟
لترن بمسامعهم كلمة الإله سي سي رع "وبكرة تشوفوا"، وعشاقه على هذا النحو يبررون ويصفقون، إنهم نور عينيه.
عشاقه لا يرون له أخطاءً قط، تبريراتهم دائمًا جاهزة الاستخدام في أي وقت وعلى أى حدث !
يدينون له بالفضل الأبدي بتخليصهم من الفئة الحاكمة باسم الدين، حتى جعلوه يستشعر في نفسه أنه إله، لا راد لقرارته ولا معقب لحكمه، فهو القائل "ماتسمعوش كلام حد غيرى، اسمعوا كلامي أنا بس"، وهو القائل "إنتم هتعرفوا الحكومة أكتر مني" فاستفرد بالسلطة، واستفرد بالمعرفة، واستفرد بأخذ القرارات، وتعديل القوانين، يعزل من يشاء، ويولي من يشاء.
أما عن المعارضة، فكبّر أربعًا، دولة سي سي، تسير في اتجاهات واحدة، كافة أجهزة الدولة ترفع أكف الضراعة والخضوع لكل كلمة لـ"سي سي" رع، إنه لا يخطئ، وكل مايفعله يوضع مباشرة في كفة الصواب بميزان المطففين من أهل القانون وأهل الإعلام !
وإن شذ أحد عن القطيع، عاتبه ووبخه وقال له "ما يصحش كده"، فهو لا يحتمل النقد، والوضع المشحون بالإرهاب المزعوم لا يحتمل النقد، ولكن يحتمل التعريض بإنجازات الإله، وقد يُحال المعارض للتحقيق والسبّ والافتراءات وتفريق دمه بين القنوات لمن يحملون أبواق التعريض.
فى تلك البقعه المباركة من الأرض، أهلها طيبون، وشبابها مازالوا يتنفسون شيئًا من نسائم الحرية، ورياح العدل، وهواء الكرامة الإنسانية،
بين أسوار وطن لم يعد للتصالح به مكان، فالأبنية للسجون، وللكبارى المنهارة فوق رءوسهم،
وصيحة الحق تترقب صمود أهله حتى يحين وقتها، لتعصف بكل الأوهام الزائفة .. ويعلو قرص الشمس حيث مكانه الطبيعي يضيء شموع الأمل من جديد …
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.