نتبجح نحن النساء بكوننا نصف المجتمع المسؤول عن تربية النصف الآخر، إلا أننا نشكو الاضطهاد والظلم الواقع علينا من قبل المجتمع الذكوريّ، فهل هذا يعني أننا فشلنا في تربية أجيال متعاقبة من أنصاف المجتمع (الذكور)؟ لما لم ينتهِ "النزاع" بين الرجل والمرأة إلى يومنا هذا وبالرغم من التطور والتقدم الذي يشهده عصرنا في مختلف المجالات؟ كيف يكبر النصف الآخر ليقوم باضطهادنا ونحن نفتخر بتربيتنا له؟ لا بد من وجود خلل ما إذاً، خلل نعجز عن تحديده أو لا يلفت انتباهنا لانشغال معظمنا باتهام الآخر ولعنه.
الواقع يشهد أن المجتمعات على مر العصور في مجملها ذُكُورِيَّة بالفعل، أي أن سطوة الذكر مهيمنة وحقوقه المكتسبة تفوق تلك للمرأة وهذا لا ننكره، ومن الطبيعي أن يولّد ذلك إحساساً بالظلم والاضطهاد فهو بالفعل كذلك، لكن ذكرت في معرض كلامي كون حقوقه "مكتسبة" فليس من السوي أن نعتقد أن الذكور منذ مطلع الخليقة قد جبلوا على ظلم المرأة أو نجعلها غريزة فيهم حتى ننظر إلى مكتسبات الرجل من الحقوق على كونها ظلماً بعينها، بل يجب أن ننظر في أسباب تأخر المرأة عن اكتساب حقوقها وخسارتها لها في بعض الأحيان من الأساس.
قضت النساء عقوداً يسطرن ملاحم كتابية عن عنجهية الرجل وازدراء المجتمع لهن في مقابل أفعال وتضحيات عظيمة قامت بها بعضهن لنيل حقوقهن، فالمقارنة بين التعبير المتولّد عن الظلم وبين الإجراءات المتخذة لرفعه واجبة وإن ظن البعض أنها جارحة أو تنكر تضحيات جنسنا.
المقالات والتدوينات التي تنعي فيها النساء بعضهن أكثر من عدد المشروعات والمبادرات التي تساهم في تغيير الواقع، وكما أشرت في السابق وفي وقت أضحى الإنترنت جزءاً لا يتجزأ من حياة الكثيرين، أصبح من الممكن إلقاء نظرة وتكوين فكرة ولو بسيطة وسطحية جدًّا عن اهتمامات النساء وآرائهن وطرق تعاطيهن مع ما يحدث حولهن في المجتمع، وقد يلفت انتباهنا كوننا ننقسم في مجملنا بين طالباتٍ للمساواة بين الرجل والمرأة واتهام الآخر بالتحقير والدعوة لازدراء الرجال وجعل فلاح النساء في بقائهن عزباوات، وأخريات اقتنعن واستسلمن للفروق الموجودة بين الجنسين وقمن بربطها بالقدرة على نيل الحقوق من عدمها واعتبرن عدم النيل سنّة كونية لا تبديل لها، وأصبحن داعيات ولو بشكل غير مباشر لتقبل ما يسمونه "الواقع"، وفي أحيان يصلن إلى حد التشنيع بأي فتاة تسعى لمخالفة "السنّة" اللاتي تبنينها، واختصروا قوامة الرجل على المرأة في مفهومها السطحي والخاطئ عليها.
إن هذا التمزق والعداء الواقع بين أفراد الجنس الناعم، يجعل من الصعب علينا نيل حقوقنا، بل يساهم في تضييع الكثير من الطاقات في رفع أصابع الاتهام سواء إلكترونية أو على أرض الواقع في الوقت الذي كان من الواجب محاسبة النفس قبل الآخر والوعي بكوننا أحد المساهمين في جعلنا "الجنس المضطهد"، فنحن مخيّرون لسنا بمسيرين، وإن كان الرجل هو سبب "البلاء" والجلاّد فليجبنا القائل بذلك: لما تخضع النساء للجلاد؟ لما كل هذه السنين الطوال من الولولة لم تجدِ نفعاً؟
لما ترتبط النساء وتقبلن مشاركة رجال يقومون بامتهانهن؟ لما تقبل النساء أن تقوم بإنجاب أجيال جديدة تتربى على فكرة الاختلاف وأن الفروق بين الذكور والنساء تعني بالضرورة هيمنة الرجل وأفضليته؟
لما أضحت الخيارات الشخصية المختصة بقرار الزواج والإنجاب أوالامتناع عنهما هي محل الجدل والخصام؟
لما نفترض أن الحرية ونيل الحقوق أصلاً ترتبط إما بنزع ثوب الحياء أو لبس رداء الخضوع ولا وجود لحل وسيط؟
لا بد من الوقوف وقفة جادّة على ردود أفعالنا نحن النساء وطرق تعاطينا مع الظلم، وألا ننكر مساهمتنا الكبيرة في وقوعه، فلو صح ظلم الرجل فسيصح خضوع المرأة وقبولها خوفاً من العواقب، متناسيات أن لكل شيء ثمناً والحقوق ثمنها باهظ، ولن يفيدنا التشنيع باختيارات بعضنا ولا الدفاع الأعمى عن هذه الاختيارات وجعلها الحل المطلق لنيل حقوقنا كنساء.
البعض سيرى المقال ظالماً للمرأة ومنكراً لدورها وتضحياتها الكثيرة، إلا أنه في الواقع محاولة لتسليط الضوء على أحد الأسباب التي تجعلنا متأخرات ومسلوبات الحقوق من زاوية أخرى، مدفوعة بثقتي في جنسي ووعيه ونضجه وقدرته على تحمل المسؤولية، محاوِلة عدم استثناء مساهماتنا في قبول الظلم والاكتفاء بجعل الرجل المسؤول الوحيد عن الظلم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.