خيوط الأمل في ظلمة الحياة

الحياة في عبورها لا تنتظر من تخلف عن السعادة بوهف، ولا من انفلق الشيب قلبه عن كدر، شامخة هي في تقدمها نحو المجهول غير آبهة إلا بمن بالنواصي والأقدام تمسك، حُبْلى هي الحياة بما يفرحنا..

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/08 الساعة 07:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/08 الساعة 07:38 بتوقيت غرينتش

ويحدث أن نتعب من كل شيء، نود فقط لو ننام فتنسلُّ الروح، تخرّ قوانا لنلتقط أنفاسنا على عجل كأننا نصَّعَّد في السماء، يداعب الدمع أجفاننا ليغادر مآقينا بإصرار يعاند رغبتنا في الكتمان، نحن الضاربون آياته المبشرة إيانا خيراً ولو بعد حين.

ليتنا فقط نُجيد التطرف في الفرح والاعتدال في الحزن، ليتنا فقط نلملم روحنا الواهفة من فرط النكد بالصبر، ليتنا نرتق جرحها الدامي بأمل يعانق أبواب السماء، وليتنا أيضاً نضمد بقبس نور المضغة القابعة هنالك.. بين أضلعنا.

عبثاً نحن نبدد في القرح مسراتنا، ننثرها ندىً على صخر مسبقاً، على دراية نحن أن منه لا ولن ينبت الزهر، جلد للذات نحن المتربعين، نعمة أن ندير ظهرنا لعطاياه باخسين إياها حِداداً على ما حرمنا منه لعلمه المتأصل في ذواتنا، حاشاه وهو القدير أن يبتلي عبده هواناً لولا علمه للغيب أن لنا في حرمانه مِنَّةً ما وجدت في العطاء، وحاشاه أن يُذيقنا ما لا طاقة لنا به نحن المجبولين على الضعف.

"ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع علَيْهِ صَبْراً" – سورة الكهف آية 67

موسى عليه السلام في رحلته مع سيدنا الخضر رأى أن في خرق السفينة شيئاً إمراً، وأن قتلَ الخضر للغلام قتلٌ لنفس زكية بغير نفس، ورأى أن في إقامته للحائط ما لو شاء لاتخذ عليه أجراً، ولكن تأويل كل من الثلاثة لم يكن كذلك بتاتاً

"أمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً (80) فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً"(82).

المثل المضروب في الآية هو نَفسنا الضعيفة الواهنة حين تفسر أقدار الله على هواها فترى في قضائه شرًّا في حين أنه حاشاه سبحانه أن يبتلينا بما لن ينفعنا وبما لا طاقة لنا به، حكمة الله البالغة اقتضت عدم إدراكنا لخفايا تدبيره لنا، وشاء سبحانه أن يُسلَّم له جملة وتفصيلاً راضين بما كتب..

نُنَبَّأ بتأويل ما لم نسطع عليه صبرا، نسير حين يتبدى لنا فيما سُيِّرنا إليه قبسَ نورٍ يعيد الأمل الكامن فينا، نحمده سرًّا ونهزأ من دمع عبثاً داعب خدينا، ننسى أوجاعنا، لنعود عند أول محطة حزن لنوبات سخطنا، كأنا يوماً ما فرحنا، أو.. كأنا في الأتراح نعمر وفي المسرات عابرو سبيل. في حين أن المقادير لو وضعت بين أيدينا لاخترنا ما اختاره الله لنا!

الحياة في عبورها لا تنتظر من تخلف عن السعادة بوهف، ولا من انفلق الشيب قلبه عن كدر، شامخة هي في تقدمها نحو المجهول غير آبهة إلا بمن بالنواصي والأقدام تمسك، حُبْلى هي الحياة بما يفرحنا.. كل ما في الأمر، أن مخاضها عسير، جميلة هي للراضية قلوبهم بمقاديره الواثقة في مسيرها، عذبة هي للواقفين على باب راميهم بسهام قضائه مسلِّمين بقضائه، كمن لبَّته النداء فألقت رضيعها في اليمِّ واثقةً بربها ليرده إليها وهو من المرسلين "موسى عليه السلام"، وكمن رفعت كفيها "أم سلمة" حين توفي زوجها ذات حزن داعية مستبشرة ليعوضها الله بحبيبه المصطفى زوجاً وسنداً وهادياً.

يقولون إن الحياة أنثى إن هي أعطت أخذت، وأقول إنها أنثى من درجة أم، إن هي أخذت أغدقت حد الكرم، كل ما في الأمر أنها شامخة في تقدمها نحو المجهول، لا تأبه إلا بمن بالنواصي والأقدام تمسك، وأنها في عبورها لا تنتظر من تخلف عن السعادة بوهف، ولا من انفلق الشيب قلبه عن كدر، لا تُربِّت إلا أكتاف من ابتسموا لأوجه صباحاتها، ولا ترق إلا لمن ضمّد بالصبر آهاته، منتظراً انبلاج الفجر بعد ليل حالك سواده، لا تعانق إلا من نازل يأسه وفاز برهان أمله في معركة حيرة طالت أشواطها وما استسلم.

حبلى هي الحياة بما يفرح.. كل ما في الأمر أن مخاضها عسير!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد