دائماً ما تأسرني فرحاً وفخراً بعض مبادرات أو إبداعات يتولى زمامها شباب متطلعون ومتحمسون، يبذلون الغالي من جهدهم وأوقاتهم من أجل تقديم خدمة أو عرض معلومة أو توثيقها على درجة عالية من الإخلاص الممزوج بالدقة والحرص، فتكون مبادرتهم من الثراء بمثابة مرجعية أو قواميس معرفية لها قيمتها وحيويتها حتى وإن تجاهلتها الظروف أو تجاوزها سلّم الاهتمامات بسبب اعوجاجه أو ميله -السلّم- إلى أمور لا تمتُّ إلى العلم والبحث والتوثيق بصلة.
في معرض الكتاب السابع عشر الذي احتضنته مؤخراً العاصمة البحرينية المنامة؛ جرى تدشين العديد من الكتب والمؤلفات، ربما لا نبالغ إنْ قلنا إنَّ جلّ أصحابها من فئة الشباب، وذلك بصورة تنمّ عن أن الكتاب لا يزال يحتل مرتبة الصدارة في العطاء الثقافي والنخبوي عند هذه الفئة التي قد يتصوّر البعض أن وسائل التواصل الاجتماعي و(الميديا) قد سرقت -أو كادت- هذا النوع من الاهتمام لدى القطاع الشبابي فيما هو راسخ وثابت، يبتعدون عنه قليلاً أو كثيراً لكنه سرعان ما يستقطبهم ويعيدهم إلى ساحته وجادّته ومتون صفحاته.
(الاختراع.. من فكرة إلى تجارة) هو عنوان أحد تلك الكتب الجديدة التي تحمل تلك الروح الوثّابة نحو العطاء ويقف وراءها طموح شبابي، تم تدشينه خلال تلك الفترة، صاحبه اسمه عارف العوضي متخصص في الهندسة الإلكترونية، درسها وحمل شهاداتها، وشارك في عدد كبير من الدورات والملتقيات العلمية في مجال الابتكارات والاختراعات حتى أصبح أحد المتخصصين البارعين فيها. ولذلك جاء كتابه ثريًّا بالمعلومات التي قد يحتاجها كل من يتجه إلى هذا النحو من التطلّع والتفكير.
الاختراع والإبداع والابتكار هي مصطلحات نحتاج أن نبقيها حيّة في سلّم اهتمامات الأبناء، وأن لا نركن إلى فكرة أن هذه اختصاصات صناعة غربية، لا دخل لنا بها سوى استخدامها واستهلاك منتجاتها. وبالتالي هي ثقافة تحتاج إلى الإحياء أو جعلها في مقام الصدارة عند أجيال احتلّت هذا المقام عندهم نوازع شتى، يصبّ جانب كبير منها في خانة التفاهات أو السخافات التي لاعلاقة لها بتقدّم الأمم وتطوّرها، وصرنا نجني نتائج التفافنا عليها وثمار انصرافنا عن عزائم الأمور وتحديات الابتكار والإبداع، لولا أن الخير في أمتنا باقٍ ومتجدد، ونأمل أن نعود لنمسك زمام المبادرة والصدارة في حقول كنّا سادتها وأساتذتها.
وعلى العموم كتاب عارف العوضي (الاختراع.. من فكرة إلى تجارة) تضمن سبعة أبواب
هي: الباب الأول: وهو تمهيد ويتحدث عن تعريف الاختراع وصفات المخترع والأهداف التي يجب أن يحققها أي اختراع. ثم الباب الثاني: وهو بعنوان "من أين تأتي أفكار الاختراعات" يتناول الظروف والبيئة المحيطة التي تساعد على الاختراع، فيما كان الباب الثالث بعنوان "دراسة جدوى المشروع" ومدى صلاحيته للتطبيق وتحويله إلى واقع مستعرضاً ثمانية معايير تتعلق باختبار الفكرة وتوقع نجاحها. أما الباب الرابع: فجاء ليتناول "الجوانب الفنية للاختراع"، وهو يناقش الأمور الفنية والهندسية المطلوبة لتصنيع الاختراع مثل الخبرة الفنية والتجارب والاختبارات المطلوب إجراؤها للتصميم الهندسي. وحمل الباب الخامس: عنوان "التصنيع والتسويق"، وهو ينقسم الى جزءين "التصنيع" وهو في مجال الإدارة الصناعية.
هل ستصنع الاختراع بالاستعانة بشركات أخرى أم ستصنعه محليًّا بنفسك؟ وفي ذلك تفصيل رقمي وإداري مثير. ثم تطرق الباب السادس: إلى "براءات الاختراع" المفاهيم المرتبطة بها وأماكن التسجيل فيها.
وأخيراً كان الباب السابع: بعنوان "كيف تدعم مملكة البحرين المشاريع الصغيرة والمتوسطة" متضمناً جميع المؤسسات في البحرين التي تدعم أي صاحب مشروع ماليًّا وإداريًّا وتقديم استشارات توفير أماكن لإقامة ورش ومكاتب. من يتصفح كتاب عارف سيدرك من الوهلة الأولى أنه كتاب بحثي (متعوب) عليه، تم صياغته ببساطة تمكن المهتمين الاستفادة منه حتى لو كانوا في بدايات أفكارهم. فشكراً عارف.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.