تعمدت منذ مدة أن أطرح عدة أسئلة على عدد ممن يظن نفسه متخصصاً ومثقفاً ومتعلماً، وهذه الأسئلة كانت تتمحور حول رؤيتهم المستقبلية لنفسهم وما هي أهدافهم في الحياة والعديد منهم على حد زعمهم مؤثرون في محيطهم (مدراء- مدربون- محاضرون- قادة) فألاحظ الجحوظ في العيون وحك الرأس والتمتمة ممممم…
وكل هذه الدلالات على أن المتلقي تفاجأ من السؤال.. أليس هذا غريباً؟!..
ندعي العلم والثقافة والتخطيط، ونحن بعيدون عنه كما بين السماوات والأرض.. أتقبل هذا الموضوع من أشخاص في بداية حياتهم، ولكن ممن أمضى أكثر من 10 سنوات بين دراسة وعمل وعدة جوانب أخرى هذا أمر مرفوض.. إلى متى سنبقى منظِّرين؟! إلى متى سنبقى نعاني من قلة المثقفين الحقيقيين؟! إلى متى سنعتمد على الآخر في كل سبل حياتنا؟! ندعي التخصصية ولا نجد كتاباً لكاتب عربي يروي لك عطشك البحثي، وإن وُجد إمًّا مُترجم أو فقير كالماء في الصحراء..
ندعي التخصصية ولا نجد أبحاثاً جديدة في كافة المواضيع.. جل همنا الراتب والعطل الرسمية والبدلات من إجازة آخر السنة ونوع السيارة وما إلى ذلك، كفانا فراغ في العقول والقلوب، نريد أن نبني مجتمعاً ولا نستطيع بناء أنفسنا أو بيوتنا، نريد أن نغير العالم ونصعد للفضاء ولا نستطيع أن نصعد الدرج في غياب المصعد.. أن تكون متخصصاً صاحب رؤية يعني أنك مخطط دائماً ومتابع وصاحب أهداف كبيرة وهمّة عالية..
أن تكون متخصصاً عليك أن تكون قارئًا مثابراً ومنصتاً جيداً، أن تكون متخصصاً عليك أن تترفع عن فسافس الأمور والتركيز على الجوهر الثمين، قارن نفسك مع الآخرين، الفرق بالرؤية والأهداف والهمة.. هناك من يقضي سفره يقرأ كتاباً، وأنت؟.. نعم أنت.. إما تقضي سفرك بالألعاب على الآيباد.. أو النوم.. اكتب إنجازاتك اليومية لتعلم كيف ذهبت الـ24 ساعة..
ستجد أن يومك ذهب من دون إنجاز حقيقي لا يحتسب من عمرك.. الأمر لا يقتصر على الأفراد فقط، فكذلك حال الشركات والمنظمات الكبيرة، حيث لا وجود لرؤية واضحة، ولا أهداف محددة وإن وجد، تجد نسبة كبيرة من العاملين لا يؤمنون بها.. إلى متى سنبقى هكذا.. إلى متى سننتظر من الآخر الإنجاز.. على الجميع العمل على تطوير مجالات الحياة بما فيه الرقي والتقدم لمجتمعاتنا..
أنا متعصب لأمتنا العربية؛ لأن فيها من الكفاءات والمواهب والقدرات ما جعلها تتميز في أغلب ميادين العلم والحياة قديماً.. ولكن علينا تهيئة الجو المناسب والموارد المتاحة للتمكن من التخصصية والإبداع.. لن يأتي التميز والتطور من دون تضافر الجهود ومساعدة الآخرين في تحقيق أحلامهم.. ما نراه الآن وللأسف أن أغلب الناس يعملون على تحبيط الآخرين والسعي لخراب مشاريعهم حتى قبل أن يبدأ الآخر في الشروع في تنفيذها..
علينا كمثقفين ومستشاري تطوير ومدربين متخصصين في التنمية البشرية، العمل مجتمعين لوضع الخطط والخطوات لنشر الوعي والفكر الرزين الرصين الذي يساهم في بناء مجتمع متخصص متميز مبدع قادر على الإنجاز في كل مجالات الحياة.. وإلا سيكون هناك تبعية عمياء واستيراد ممنهج لكل ما هو غريب عن مجتمعاتنا.. أنا لا أنكر الاستعانة بالتجارب الناجحة، ولكن أدعو إلى تأسيس نواة تميز داخلي ذاتي يضمن لنا الاستمرارية في المستقبل..
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.