العقول المهاجرة إلى الصحون

نهضتنا العربية لن تزهر بصحون الدجاج المحمر بالأناناس وقوالب الحلوى الملونة بل بعودتنا إلى العلم والمعرفة وبصحوة ضمير يحاكم أقوالنا وأفعالنا

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/03 الساعة 04:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/03 الساعة 04:23 بتوقيت غرينتش

عندما تهجر الشعوب تلال المعرفة، وتفضل العوم في وديان أطباق الطعام والحلوى، هل ما زال هناك أمل في نهضة عربية؟
في قديم الزمان كانت المعرفة والعلم محصورين لفئة معينة من العامة، الذين يناضلون من أجل شهادة علم ترفع من مقامه وتهيئ له عيشاً كريماً، وفئة أخرى التي شقت خطوط الدم أيديها في سبيل لقمة العيش.

ولكن كانت هذه الفئات تستثير اهتماماتها سماع الأخبار عن أرقام قياسية عن أطول رجل أو أطول برج في الغرب إلى أطول رغيف خبز أو ساندويش حولهم في الشرق، ويتضاحكون فيما بينهم على هذه الهرطقات.

وتطور الزمان حتى أصبح العالم كله بين أيدينا، والعلم والمعرفة تتزاحم تحت أصابعنا، ولكن ما زال أكثرنا يرفسها ويغمض عينيه عن بريقها لا بل ينظر إليها بعنجهية، ولسان حاله يقول أنا صاحب شهادة كذا من جامعة كذا من سنة كذا ويكفيني.

بدورنا اعتدنا أن نراك يا هذا ترفس النعم، وأن تتلوى في فراشك الوثير إلى ساعات العصر، وأن تجلس عبداً لأرجيلة في المقاهي ساعات وساعات، وأن تكتب على واتسآب وسناب شات مجلدات من النكات والمساخر، والكلام الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، ونرى الأخرى تطوف في الأسواق أياماً وليالي لتشتري حقيبة تختال بها في حفلة تضم نساء المجتمع، وأن تجلس بين أقرانك تعدد مكاسبك وأرباحك وعدد الرحلات التي وضعتها في أجندتك وأسهمك وبورصاتك وسياراتك، ولكن سنبقى نقول إنكم قلة في غفوة وسنشهد هجرة عظيمة للعقول إلى موائد وسفر وأطباق حلويات ما أنزل الله بها من سلطان.

وستبقى صور الموائد وأطباق الحلوى في كل تقنيات التواصل إنستجرام وفيسبوك وتويتر وسناب شات وغيره تلاحقنا وسنرى أنفسنا رغماً عنا نزج متفرجين في مسابقات تدق لها الطبول لإظهارها وإشهارها وإفراز كلمات منمّقة للتلذذ بالشكل أو الإشادة بالأنامل الذهبية التي أتقنت ما صنعت حتى لو كانت عجة بيض!
قد يقول من يقرأ هذا المقال؛ الذي لا يطول العنب يقول عنه حامض! وهو تعليق يعبر عن كاتبه وكغيره من جندوا هزل عقولهم في انتقاد مقالات الثورة الفكرية والنهضة، ولسنا بحاجة لإظهار قدراتنا الخارقة في الطبخ والنفخ، لأن التكنولوجيا الحديثة جعلت من كل الوصفات بين أيدينا بلمسة على شاشات المحمول، ولكن لسنا بحاجة لإهدار الوقت والمال لأنفسنا وللآخرين فقط لإظهار الأطباق العظيمة، وأتوقع إن قيمة الوقت أعظم بكثير من صحن تبولة أو كيك محشو بأصناف الشوكلاته المختلفة.

يجب أن نصل إلى درجة نتفكر فيها بقيمة الحياة التي هبانا إياها الله، قيمة الصحة والحواس الخمس، قيمة العقل الذي فضلنا فيه على المخلوقات، علينا أن نخرج من طوَّق التفكير بملء المعدة والذي بذلك يشبه قطيع الخراف التي تركض من مرعى إلى مرعى من أجل أنواع العشب المختلفة، وأن ندخل نطاق العقل ونتفكر فيما حولنا، فهنا أطفالنا يحتاجون قاعدة بيانات ضخمة لتوجيههم وتربيتهم تربية حديثة، وهنا نحن نحتاج أن نجيد فن الكلام والحوار من خلال البحث والمعرفة، وهناك عالم البشر من حولنا.. أنماط وسلوكيات مختلفة تحتاج إلى ذكاء لتعيش بينهم على قدر من السعادة..

وهناك الله فوقنا جميعاً نحتاج أن نتعلم كيف نعبده ونكسب رضاه بالعقل وليس أن نقدم له قرابين من أنواع الطعام التي تقضي ساعات وربما أياماً تحضرها للصور والتفاخر، متناسياً أن هناك عيون المحرومين تهضمها بنهم في أمعائهم الخاوية وتناقض فيها أنت مبادئك المهزوزة وشعاراتك الرنانة أن تشعر بالفقراء والمساكين.

نهضتنا العربية لن تزهر بصحون الدجاج المحمر بالأناناس وقوالب الحلوى الملونة بل بعودتنا إلى العلم والمعرفة وبصحوة ضمير يحاكم أقوالنا وأفعالنا، ولن تثمر بشهقات الإعجاب وكلمات منمقة بل بعودة البريق إلى العقول ومواكب الفكر، وطننا العربي يصارع الجوع أمامنا ويتلوى وهو يشهد تخمة البطون وينتظر أن تسري في جسده صعقة فكرية وثقافية تعيد إليه نبض الحياة، ليقف ويرانا في مسير الأمم.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد