تتواصل ردود الفعل على حادثة قتل جندي إسرائيلي لجريحٍ فلسطيني، بعدما تمت السيطرة عليه وطرحه أرضاً، وتواجه إسرائيل عاصفة غضب باتت تشكل تحدياً نادراً للقيادة العسكرية العليا، وهي المؤسسة الأكثر شعبية في البلاد.
ففي رسالة بعث بها رئيس الأركان غادي آيزنكوت، أوضح المأزق الذي يواجه الجيش متمثلاً في تصاعد العنف الفلسطيني والمزاج المجتمعي المتجه نحو قتل المهاجمين الفلسطينين والذي يروج له بعض السياسيين، بحسب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، الخميس 31 مارس/آذار 2016.
وكتب الفريق آيزنكوت "سيستمر القادة، وأنا من ضمنهم، في دعم الجندي الذي قد يخطئ في خضم المعركة ضد الأعداء الذين يهددون حياة مواطنينا وجنودنا. لكن هذا لن يمنعنا من تطبيق القانون بحزم على القادة والجنود إن حادوا عن المعايير التنفيذية والأخلاقية التي نعمل على تطبيقها".
وكانت العديد من الملصقات قد انتشرت في تل أبيب، تظهر الفريق "آيزنكوت" الذي أدان واقعة إطلاق النار على وجه السرعة، وتشبهه بملك الفرس الساذج الذي اشترك في مؤامرة هدفت إلى قتل جميع اليهود في "حكاية بوريم".
وطالبت الملصقات آيزنكوت بالاستقالة، بالإضافة لوزير الدفاع ورئيس الوزراء، وحملت الملصقات عبارة "لاينبغي التخلّي عن الدم اليهودي مطلقاً، إن أراد قتلك، فاقتله أولاً".
انقسام
فبعد ستة أشهر من عمليات الطعن وإطلاق النار التي قام بها فلسطينيون، استعر الجدال حول الاستخدام المفرط للقوة، فبينما اعتبر العديد من الإسرائيليين حادثة القتل التي تم تصويرها، انتهاكاً صريحاً للقواعد العسكرية، طالب آخرون بتكريم الجندي على بطولته، كما قام ما يقارب من 60 ألف إسرائيلي بالتوقيع على عريضة إلكترونية للمطالبة بتكريم هذا الجندي.
أما وزير التعليم نفتالي بينيت فقد اتهم القيادة بسرعة الانقضاض على الجندي، كما اشترك وزير التعليم مع العديد من السياسيين اليمينيين وعائلة الجندي المتهم في شن حملة شعواء ضد وزير الدفاع موشيه يعلون وغيره من كبار قادة الجيش.
وعلى الشبكات الاجتماعية، أعرب العديد من الإسرائيليين عن غضبهم من تسرع القيادة السياسية والعسكرية في الحكم على الجندي، بالإضافة إلى غضبهم تجاه تحويل الجندي للنيابة العسكرية بتهمة الاشتباه في القتل.
وزعم المؤيدون أن النظام الذي يفترض به دعم الجندي قد تخلّى عنه، بينما يعتقد الخبراء أن رد الفعل العاطفي هو انعكاس طبيعي للتعاطف مع الجنود، في مجتمع يتم تجنيد شبابه لفترة تقترب من 32 شهراً.
وقال أودي ديكل، الخبير في العلاقات المدنية-العسكرية في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، "هذا اختبارٌ يواجهه الجميع، فمن ناحية يجب على الجيش الانتباه لمشاعر الشعب، لكن لا يمكننا بناء الجيش بالاعتماد على الشبكات الاجتماعية، لكن الجيش لا يستطيع تغيير قواعد الاشتباك التي يتبعها بناءً على الغضب الشعبي".
يستحق الموت
وكان الجدال قد اشتعل الخميس الماضي بعدما طعن فلسطينيان جندياً إسرائيلياً في إحدى نقاط التفتيش بمدينة الخليل في الضفة الغربية، وقام رفاق الجندي الإسرائيلي بإطلاق النار على المهاجمين واستطاعوا قتل أحدهما وإصابة الآخر الذي تمّ التعرف عليه باعتباره عبدالفتاح الشريف البالغ من العمر 21 عاماً.
بعد ست دقائق، وصل الجندي المتهم لمكان الحادث وأطلق النار على رأس عبدالفتاح الشريف الراقد على الأرض، كما يظهر في الفيديو.
ويدافع محامو الجندي المتهم عنه بقولهم إن إطلاقه للنار كان لحماية زملائه بعدما ظن أن عبد الفتاح الراقد على الأرض قد يكون أخفى حزاماً ناسفاً تحت سترته.
وهو ما انتقده آخرون بقولهم إن الجندي لم يحذّر زملاءه أو الطاقم الطبي من احتمال وجود متفجرات كما لم يطلب منهم الابتعاد، بالإضافة إلى أن طلقة سلاحه قد تتسبب بإشعال المتفجرات، إن افترضنا حمل عبد الفتاح لبعضها.
على صعيد آخر، أصدرت المحكمة الإسرائيلية أمراً بحظر استخدام اسم الجندي في الصحافة، بما في ذلك الوكالات الأجنبية المعتمدة في إسرائيل، على الرغم من وجود صفحة داعمة له على فيسبوك، وتدعم الصفحة أيضاً بعد القضايا اليمينية المتطرفة.
وبحسب التقارير الإسرائيلية، فقد أخبر الجندي أحد زملائه في موقع الحادث أن عبد الفتاح قد قتل أحد أصدقائه، ولذا "فإنه يستحق الموت".
القتل المتعمد
أما في جلسة الاستماع التي عقدت الثلاثاء الماضي، فقد أوضح القاضي العسكري عدم كفاية الأدلة، كما لم تحدد النيابة العامة التهم التي سيواجهها الجندي، لكن يبدو أن توجيه اتهام بالقتل قد تمّ التراجع عنه.
وكانت الفترة الماضية منذ أول أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قد أسفرت عن مقتل أميركيين وأحد المارة الفسطينيين و30 إسرائيلياً على يد فلسطينيين، بينما قامت القوات الإسرائيلية بقتل 180 فلسطينياً خلال نفس الفترة أثناء محاولات الهجوم أو خلال اشتباكات مع قوات إسرائيلية، بحسب ما أعلنته السلطات الإسرائيلية.
أما السلطات الفلسطينية ومنظمات حقوق الإنسان فقد اتهمت الجانب الإسرائيلي بإطلاق النار بقصد القتل مع عدم وجود تهديد حقيقي في العديد من الحوادث، مثلما حدث في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عندما حاولت مراهقة فلسطينية طعن أحد الجنود باستخدام مقص، وقتلها الإسرائيليون وهي على الأرض بعدما تمّت السيطرة عليها.
وبحسب السلطات الإسرائيلية فإن قواعد الاشتباك تنصّ على السرعة في السيطرة على المهاجمين وتحييدهم ، وبمجرد تحييدهم فليس هناك داعٍ للقتل. وقال الفريق آيزنكوت في حديثه لبعض طلاب المدارس الثانوية "أنه لا يريد لجندي أن يفرغ سلاحه في طفلةٍ تحمل مقصاً".
نصف الإسرائيليين ضد الحادثة
وفي استطلاع أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية في فبراير/ شباط، أشارت النتائج إلى أن 50% من المجتمع اليهودي يعارض ما فعله الفريق آيزنكوت، بينما سانده 48% من الذين شملهم الاستطلاع.
كما أشار تامارهيرمان أستاذ العلوم السياسية بالمعهد والمسئول عن الاستطلاعات، أنه على الرغم من تعرّض القيادة العسكرية للعديد من الانتقادات في الماضي، إلا أنه لم يتم انتقاد رئيس أركان من قبل لكونه ليّناً.
الآن هناك قلقٌ متزايد حول الرسائل المختلطة التي يتلقاها الجنود، حيث تساءل وزير الدفاع أمام البرلمان الإسرائيلي "ما الذي تريدونه هنا؟ هل تريدون جيشاً وحشياً بلا رادع أخلاقي؟"
وأضاف قائلاً "سيكون علينا بعد ذلك فحص العلاقة بين العدوانية على شبكة الإنترنت وبيانات السياسيين، وقيام الجنود بخرق قواعد إطلاق النار والقوانين التي نتبعها".
-هذه المادة مترجمة بتصرف عن صحيفة New York Times الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.