اتضح أن المبنى السكني الخالي في أحد الشوارع الهادئة هو المكان المثالي لمنفذي اعتداءات بروكسل الثلاثة لإعداد قنابل المسامير التي استخدموها في هجماتهم بمطار بروكسل وأحد قطارات الأنفاق يوم الثلاثاء وأسفرت عن سقوط 31 قتيلاً على الأقل.
ففي المبنى قيد الترميم لم يكن ثمة جيران يلاحظون ثلاثتهم وهم ينقلون كميات كبيرة من الكيماويات ذات الروائح النفاذة والمتوفرة للاستخدامات المنزلية، بالإضافة إلى حقيبة مليئة بالمسامير لتصنيع مسحوق أبيض متفجر غير ثابت يعرف باسم تي.أيه.تي.بي (تراي أسيتون تراي بيروكسيد) استخدموه فيما بعد في الهجوم.
معمل للمتفجرات
حسن عابد المسؤول بالمجلس المحلي الذي يحاول التوصل لسبب عدم معرفة السلطات بأن الثلاثة كانوا يعيشون دون سند قانوني في الدور الخامس من المبنى "حتى إذا أوقفهم أحد كان بوسعهم أن يقولوا إن هذه المواد لتجديد البيت".
وامتنع المحققون البلجيكيون عن الرد على أي أسئلة عن القضية.
كان الشقيقان البلجيكيان خالد وإبراهيم البكراوي قد انتقلا للشقة الواقعة في حي شيربيك، وهو إلى حد كبير من أحياء الطبقة العاملة قبل شهرين واستخدماها معملاً ومخبأً ومنها أخذ إبراهيم ورجلان آخران سيارة أجرة صباح يوم الثلاثاء إلى المطار لتنفيذ الهجمات.
متفجرات من المسامير
ويسلط اختيارهم لمتفجرات منخفضة التكلفة (مطهر لمواسير الصرف ومزيل لطلاء الأظافر) الضوء على وسائل صنع القنابل لدى تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) للمحققين الذين يكافحون لمعرفة كيف استطاع التنظيم تكوين شبكة من الشباب البلجيكي بعد اعتناقهم الأفكار المتطرفة.
ويسلط توفر المكونات بسهولة الضوء على المخاطر التي تواجهها أوروبا من وقوع هجمات أخرى كبيرة، وذلك على النقيض من المتفجرات العسكرية التي كان يفضلها جماعات متطرفة أقدم مثل الجيش الجمهوري الإيرلندي في ايرلندا الشمالية أو جماعة أيتا الانفصالية في إقليم الباسك الإسباني.
مع ذلك فالحاجة إلى مكان لتصنيع كميات من المادة المتفجرة على مدى عدة أسابيع وضرورة استخدام هذا المزيج خلال أيام قليلة من إنتاجه قبل أن تتغير خواصه تجعل الانتحاريين عرضة للانكشاف في عمليات التفتيش المكثفة لرجال الأمن الذين يجدون في أعقابهم.
وقد نجحت الشرطة في فرنسا وبلجيكا في العثور على "مصانع" للقنابل كان أحدثها في حي أرجنتوي في باريس يوم الخميس الماضي.
هويات مزيفة
واستخدم المتشددون هويات مزيفة وعقارات مسجلة لدى سلطات البلدية على أنها خالية لتفادي تفتيش مقار الإقامة.
ولم تتوصل الشركة إلى شقة حي شيربيك في الوقت المناسب، لكنها وصلت إليها بعد فترة قصيرة من وقوع التفجيرات، وذلك بفضل سائق سيارة الأجرة الذي نقل الثلاثة إلى المطار.
وكشفت السلطات عن وجود 15 كيلوغراما من المادة المتفجرة بالإضافة إلى 180 لتراً من الكيماويات اللازمة لصنع القنابل.
أم الشيطان
ومادة تي.أيه.تي.بي مادة متفجرة سريعة التغير. وأطلق عليها النشطاء الفلسطينيون الذين أجروا تجارب عليها في الثمانينيات وصف "أم الشيطان" وذلك لسهولة تفجير هذا المسحوق البلوري الأبيض باستخدام سيجارة مشتعلة أو عود كبريت أو برفع درجة حرارتها.
كما تفقد هذه المادة فاعليتها بمرور الوقت بسبب التحلل الكيميائي.
وقد استخدمت هذه المادة في تفجيرات لندن عام 2005 وهجمات باريس في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وفي سلسلة من محاولات التفجير الفاشلة في أوروبا منذ عام 2007 ويبدو أنها المتفجرات المفضلة لدى داعش.
لكن على النقيض من الأسلحة النارية المهربة التي استخدمت في اعتداءات باريس وأدت إلى مقتل 130 شخصاً فإن مادة تي.أيه.تي.بي لا يسهل على ضباط المخابرات الأوروبية تعقبها لسهولة شراء مكوناتها في المتاجر والصيدليات ولأنها نادراً ما تلفت الاهتمام.
ورغم أن تصنيع قنبلة بهذه المادة عملية تستغرق وقتا أطول من تصنيع المتفجرات التي تستخدم فيها المخصبات مثل ما تستخدمه جماعات أوروبية أخرى، فهي رخيصة وبسيطة ووصفات صنعها متوفرة على الإنترنت مع مقاطع فيديو من خبراء في الكيمياء.
وقد اكتشف خبير كيماوي ألماني هذه المادة في القرن التاسع عشر وهي شديدة القوة حتى بكميات صغيرة.
ويمكن إضافة المسامير إليها لزيادة قوتها ثم تعبئتها في حقائب أو تثبيتها في الأحزمة الناسفة التي يستخدمها الانتحاريون.
ولا يمكن لأجهزة الفحص بالمطارات اكتشافها، بما يجعل السلطات تعتمد على الكلاب البوليسية.
ورغم أن القنابل لها رائحة نفاذة وقد قال سائق سيارة الأجرة إنه اشتم رائحة مواد كيماوية في الطريق إلى المطار، فلم يكن بمنطقة دخول المسافرين إلى المطار سوى عدد قليل من الكلاب المدربة يوم الثلاثاء عندما وقع الهجوم.
دارس الكيمياء
وقد درس أحد المتهمين الثلاثة في بروكسل وهو "نجم العشراوي" (25 عاماً) الذي فجر نفسه في هجوم المطار، الهندسة في الجامعة وكان متفوقاً في الجانب المعملي. ويشتبه أنه هو الذي صنع السترات الناسفة للانتحاريين في اعتداءات باريس.
وذكر تقرير لمركز أبحاث التسلح في الصراعات الذي يموله الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي، أن تنظيم الدولة الإسلامية يقوم بصنع مادة تي.أيه.تي.بي على نطاق صناعي في سوريا والعراق.
وقد أدى ظهور بنادق الكلاشنيكوف الهجومية كسلاح مفضل لدى تنظيم الدولة الإسلامية في أوروبا خلال العامين الأخيرين ولا سيما في باريس إلى بذل جهود على مستوى الاتحاد الأوروبي لتضييق الخناق على مهربي السلاح.