#الذكاء_العاطفي .. مناسبات “بلا طَعمة”!

علاج عواطفنا يكون بوعينا لذواتنا وفهم مشاعرنا وضبطها تجاه الآخرين، والتحفيز والتعاطف معهم وبناء بيئة خصبة قائمة على التفاهم والإفصاح بالوقت المناسب، علاجها يكون بالاحتواء منذ الطفولة والاستماع بقلب ذكي لا بأذن صماء تصد قبل أن ترد..

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/27 الساعة 05:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/27 الساعة 05:16 بتوقيت غرينتش

في ظاهرة مجتمعية ملفتة تتقافز حيناً وتخفتُ حيناً آخر بين الشباب على شبكات التواصل الاجتماعي، نجد فيها شيئاً من التسلية وشيئاً من المشاعر الفياضة بل كومة من العواطف المترامية على أرصفة بعض المناسبات "events"، وفي أزقة تلك العوالم الوهمية، ونشارك بها وكأنها تلك النافذة التي ستغير حياتنا أو أنها ستحقق طموحاتنا..

ظاهرة عاطفية نفسية :
يقول د.وليد فتيحي: (تشير الدراسات العلمية إلى أن مجموعات التفاعلات والمشاعر التي يعيشها الطفل في سنواته الأولى تؤسس وتؤصل لديه مجموعة دروس عاطفية، تبقى لديه مدى الحياة كمرجعية راسخة للتعامل مع محيطه والبشر من حوله وهو ما يتم تخزينه بجزء من الدماغ يسمى
"Amygdale"، لذلك عندما تستثار هذا العواطف يكون أول تصرف يقوم به الشخص هو انعكاس لهذه العواطف الدفينة التي تذهل الشخص نفسه بعد حدوثها وهذا ما يسمى بعلم النفس بـ"اختطاف العقل").

إذاً لا تحدث الأشياء مصادفة، بل هناك ما يستحث الأشياء لتحدث وتصبح ظاهرةً للعيان تعكس جانباً مهماً يجسد لنا حقيقة الأمر وما هو عليه، فلو تأملنا قليلاً في بعض تلك المناسبات على سبيل المثال لا الحصر، مثل: ( كلمة لزوجتك المستقبلية، احكِ عن أول حب في حياتك.. إلخ)، وتفحصنا بعض ما يكتب -دون قصد لإساءةٍ أو سوء نية- لوجدنا أن معظم تلك المشاركات تعكس عجزاً وفراغاً عاطفيًّا مهولاً في إدراك ما يحدث، ذلك الفراغ الذي هو بمعنى الخلو من الشيء والانتهاء منه (فَإذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ)؛ والعاطفة التي هي عبارة عن تلك الكتلة من المشاعر والاهتمام والاحتواء التي تنمو مع الشخص منذ الصغر..

عواطفنا هذه نابعة من خمسةِ أبنية أساسية -كما لخصها دانيال كولمان- هي كما يلي:
1. الوعي الذاتي Self-awareness : وهو القدرة على التصرف والقدرة على فهم الشخص لمشاعره وعواطفه هو، وكذلك الدوافع وتأثيرها على الآخرين من حوله.
2. ضبط الذات Self-control : وهو القدرة على ضبط وتوجيه الانفعالات والمشاعر القوية تجاه الآخرين.
3. الحافز Motivation : وهو حب العمل وحفز النفس بغض النظر عن الأجور والترقيات والمركز الشخصي.
4. التعاطف Empathy : وهو القدرة على تفهم مشاعر وعواطف الأخرين، وكذلك المهارة في التعامل مع الآخرين فيما يخص ردود أفعالهم العاطفية.
5. المهارة الاجتماعية Social skill : وهي الكفاءة في إدارة العلاقات وبنائها والقدرة على إيجاد أرضية مشتركة وبناء التفاهمات.

وكل واحد من هذه الأبنية السابقة يساعد على تطوير المهارات المحددة التي تشكل معاً ما يسمى بـ"الذكاء العاطفي" (Emotional Intelligence) ، وهو من المصطلحات الحديثة والذي عرفه دانيال كولمان أيضاً بأنَّه: (قدرة الشخص على معرفة عواطفه معرفةً تامَّة، وقدرته أيضاً على معرفة عواطف الآخرين، بحيث يستطيع هذا الشخص التعامل مع نفسه أولاً ومع الآخرين عن طريق التنقل بين عواطفه هذه والتعبير عن انفعالاته، بما يتناسب مع الموقف والحالة التي يتواجد فيها وتُفرض عليه).

هذا النوع من الذكاء ينمو ويتطور بالتعلم والتمرن على المهارات والقدرات الذي يتشكل معها، وانعدام وجوده في وقت مبكر أو عدم تنميته وضبطه يعني أن نقع في شِباك أمثال تلك الظواهر والانجراف مع التيار وتقبل الأمر دون الالتفات إلى أبعاده النفسية والعاطفية على النفس قبل الغير.

الأسباب والعلاج:
لعل من أهم الأسباب التي تركت فراغاً وفجوةً عاطفية في قلوب الشباب والفتيات هو اختلال حاصل في البيت والأسرة، حيث ممارسة بعض أساليب التربية والتنشئة المحتكمة للعادات والتقاليد والأعراف بعيداً عن المنطق واللازم وفق العلم وما تحتاجه الإنسانية، فعندما يبكي الفتى مثلاً يواجه بحزم صوتاً يزجره "أنْ لاتبكِ فأنت رجل"!

فبالله عليكم منذ متى كانت الرجولة والبكاء ضدين، فسيد الخلق عليه الصلاة والسلام بكى على فراق فلذة كبده: "إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع"؛ نعم هناك فرق بين البكاء والصخب والعويل وبين الدموع والحزن، ولكن إذا فُقد الميزان والضابط، اختل التوازن والناتج..

ولعل أيضاً اِتّباع سياسة المنع والحزم المفرط في التربية دون مبررات ودون توعية يخلق من الناشئ باحثاً عن الممنوع، فكل ممنوع أصبح مرغوباً لديه، وكذلك افتقاد الأبناء لمشاعر صادقة دافئة من الأب والأم بل من الأخ لأخته ومن الأخت لأخيها تحت غطاء مهترئٍ يدعى "العَيْب"!

فأي عيب حين يحتضن الأب ابنته ويُقبّلها، وأين العيب في رسالة ود وملاطفة وحتى كلمة حب من الأخ لأخته بين الحين والآخر، فلماذا تعيش بعض بيوتنا العربية حالة من الجفاء وسياسة اضطهادٍ للفتاة من قِبل أخيها وبرعاية عليا من الأب في علاقة أشبه ما تكون بين السيد والأَمَة ثم نتعجب من واقعٍ مؤسف..

في خلجات وأعماق أبنائنا وبناتنا أسرارٌ كثيرة، تتزاحم في قلوبهم قبل عقولهم، أسرار عاطفية تطرق الباب كل لحظة لتخرج بخجلٍ، فتعود مسرعة لمسكنها بعد أن تواجَه بالصراخ أو التعزير عند مجرد البدء بنطق أحرفها، ولكن المؤسف أنها ستخرج حتماً.. فإما لكم أو لغيركم!

ومن ناحية أخرى باتت وسائل الإعلام المختلفة ومؤثرات البيئة الاجتماعية -بما تملكه من قوة في المحتوى وجاذبية في العرض- لها دور بارز في تكوين الشباب، لذا يجب أن تخضع كلها لرقابة مجتمعية وذاتية واعية حتى تسهم في تكوين فكرعلمي للشباب لا هداراً لطاقاتهم واستغلالاً لعواطفهم.

علاج عواطفنا يكون بوعينا لذواتنا وفهم مشاعرنا وضبطها تجاه الآخرين، والتحفيز والتعاطف معهم وبناء بيئة خصبة قائمة على التفاهم والإفصاح بالوقت المناسب، علاجها يكون بالاحتواء منذ الطفولة والاستماع بقلب ذكي لا بأذن صماء تصد قبل أن ترد..

فالعاطفة إما أن تُؤخذ من الداخل أو أن يُبحث عنها في الخارج، والخارج لا حدود له أما الداخل فأنت مالكه.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد