يدللني الله في ملكوته وأنا أعلم هذا، دعوت الله ذات يوم أن يدللني وأعرف أنه استجاب لي، كان لسان حالي يقول له، إن هذا الكون هو ملكوت حبيبي وبديع صنعه، فكيف لا أتدلل فيه وأنا المخلوقة المحبوبة، وهو الرب الودود.
كيف يدللني الرب؟ سأحكي لكم، كنت عائدة من المستشفى، في طريقي للسيارة، كانت يمامة تسير في الأرض وادعة، وقفت أمامها في سكينة تشبه سكينتها، لم أشأ أن آتي بحركة قد تسبب لها الفزع، في سكوني شعرت بسكينتها، تلك السكينة التي أرسلها الله لي في هذه اللحظة بالتحديد هي من علامات تدليله لي.
قل لي هل تشعر بجمال شعاع الشمس حين يلامس وجهك في يوم دافئ، إذا كنت تشعر بالجمال فقد حضر الله في قلبك، وحضوره هو قمة التدليل، تذكرْ وأنت تشكو من سوء الأحوال، وسوء الطقس، ومن كثرة المشاغل، أن في هذه اللحظة ثمة شعاع شمس دافئ وجميل يقطع ملايين الأميال عبر المجرة، من أجلك أنت جاء خصيصاً لكي يمنح هذه الأرض الحياة بينما نحن لا نلتفت له، أو ربما ستمرق نسمة باردة ولطيفة وسنفوت لحظة الاستمتاع بها؛ لأننا مشغولون بسباق الحياة، يا عزيزي ليست الحياة هنا، ليست في هذا السباق نحو النجاح، المال، السلطة، الحياة في مكان آخر تماماً، هو ذات المكان الذي وقفت فيه اليمامة، الحياة هي تلك السكينة والإحساس بالجمال.
هل تعلم كم فوت قلبك الإحساس بالجمال المحيط بك في غمرة انشغاله بالطموحات والهواجس والأوهام والأحلام، هل تدرك أن الجمال المحيط بنا هو من علامات تدليل الرب لك، تأمل الألوان المحيطة بك، ذلك المزيج المبهر، خضرة النباتات وزرقة البحر، وسواد الأرض وخيوط الشمس الذهبية، الماء ينساب رقراقاً، تلك الزهور التي تتفتح كل صباح، كل هذا الجمال خلقه الله من أجلك أنت، الأرض هي جنتك التي تفسدها كل يوم، ثم تأمل أن ينقلك الله إلى غيرها من الجنان.
هل تنسمت العطور التي تنساب في ساعات المحبة، ورداً وياسمين، فلًّا ومسكاً، لا أذهب أبعد من هذا، فالكون مليء بالروائح الزكية، رائحة البحر، رائحة العشب، رائحة خبز خرج لتوه من لهيب النار، رائحة بيت حديث البناء، رائحة الخشب، رائحة طفل حديث الولادة، رائحة طعام طهته لك أمك بالمحبة، العطور هي روح المحبة وهي من أكثر أمارات تدليل الرب لعبده.
يدللنا الله في ملكوته؛ لأنه في الأصل كان الحب، ويخلق لنا كوناً لا متناهي الجمال، لكننا لا نلتفت له، نخلق في أذهاننا تصوراً للرب القاسي الذي يعاقب عباده بنار جهنم، دون أن نلتفت أنه قبل النار كان هناك الكثير من المحبة لكننا خجلنا أن نمد يدينا لها.
تقول لي ابنتي الصغيرة سارة، إن لا أحد يسبق أحداً، ولا أحد يقف في الصف الأول على الإطلاق، أتعلمين لمَ يا ماما؟ لأن الأرض كرة دائرية لا يوجد بها صف أول، انتبه للحكمة التي أدركتها ابنة الثماني سنوات ولا يدركها هؤلاء الذين يلهثون في سباق نحو الصف الأول، تقول لي: وتعرفين أيضاً، لا أحد يسبق أحداً، أتعلمين لماذا؟ لأن كل إنسان له مساره الخاص.
هل ورثت جينات الزهد من والديها، أم أنها امتلكت الحكمة، أدركتْ ابنتي أن كل هذا السباق اليومي نحو اللاشيء يستهلك البشر، كل يوم في رحلتك حتى تثبت للآخرين أنك الأفضل، وبالأساس لا يوجد من هو أفضل، كلنا زهور في ملكوت الرب كان يفترض بعيوننا أن تتطلع نحو السماء، تتغزل في زرقة السماء، أو تهتز جزلاً حين تداعبها نسمات الهواء.
يدللنا الله كل يوم، ونحن لا ندرك جمال نعمة محبته لنا؛ لأننا مشغولون في سباق اللاشيء، أو لأننا خائفون من الغد أو من الجحيم، أو من النار، نظن أننا نبجل الله ونجله ونقدسه حين نخلق مسافات بيننا وبينه، بينما وهو الغني عنا، أقرب إلينا من حبل الوريد، وفي هذا قمة الدلال والجمال الممنوح من رب لعبده.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.