عمّق تكدّس النفايات في تونس بعد ثورة 2010 الوضع البيئي والصحي، ليصبح أكثر سوءاً، وسط تعالي أصوات تطالب بضرورة تسليط أقصى العقوبات على المخالفين وردعهم بسلطة القانون.
هذه المطالبات تمت بالفعل منذ أيام، حين صادق مجلس النواب على قانون متعلق بـ"مخالفة تراتيب حفظ الصحة والنظافة العامة" في كل محافظات البلاد، وتصل العقوبات فيه إلى نحو 1000 دينار (500 دولار أميركي) لكل من يخالف، وقد تم الاستغناء عن عقوبة السجن في آخر لحظة، ما أثار جدلاً في صفوف المهتمين والمتابعين بين مؤيد ومعارض.
التصويت على عنوان مشروع قانون عدد 2014/54 يتعلق بتنقيح واتمام القانون عدد 59 لسنة 2006 المؤرخ في 14 أوت 2006 المتعلق بمخ…
Posted by مجلس نوّاب الشّعب Assemblée des Représentants du Peuple on Tuesday, March 22, 2016
ويتضمن مشروع القانون فصولاً رادعة تعرض كل مَنْ يخالف تراتيب حفظ الصحة والنظافة في الطريق العام والإضرار بأملاك الغير، أبرزها الإلقاء العشوائي للفضلات المنزلية المتأتية من المؤسسات والمنشآت والمحلات وتلويث الأرصفة أو الطرقات أو الساحات العمومية جراء صرف المياه المستعملة، إلى عقوبة مالية تتراوح بين 300 دينار إلى 1000 دينار.
جدل حول آليات تنفيذ القرار
وبالرغم من استحسان البعض قانون رفع الفضلات واعتباره بداية لحل لمشكلة لطالما أرقت حياة التونسيين، إلا أنه أثار جدلاً كبيراً يتعلق بأسئلة تم طرحها حول كيفية تطبيق هذه القوانين على المواطن، وصعوبة مراقبة كل شخص يقوم بالمخالفة أو إلقاء الفضلات في الطريق العام.
تقول السيدة نجوى، وهي ربة بيت وأم لثلاثة أبناء، إن تطبيق هذا القانون على كل التونسيين أمر في غاية الصعوبة.
فيما شدد مصطفى، وهو عامل بأحد المصانع، على ضرورة الحزم في تطبيق هذا القانون وعدم التعامل بمحسوبية أو أن يتحول هذا القانون الردعي إلى أداة في يد السلطة البلدية لتصفية حساباتها مع بعض المواطنين.
مراقبون محلفون لرفع المخالفات
وفي ذات السياق أكد وزير الجماعات المحلية يوسف الشاهد في تصريح لـ"عربي بوست" أنه وقع تجنيد العشرات من المراقبين المحلفين بالتوازي مع عمل الشرطة البلدية، إذ سيقوم هؤلاء بتتبع المخالفين في الأماكن العامة وتسجيل المخالفات فضلاً عن كاميرات مراقبة.
كما اعتبر الشاهد أن تراجع المنظومة الردعية بعد الثورة وتساهل بعض الأجهزة الحكومية ساهم في انتشار الأوساخ لاسيما تلك المتعلقة بفضلات البناء.
من جانبها وصفت النائبة في مجلس الشعب عن حركة "النهضة"، يمينة الزغلامي، القانون بـ"المهم"، وأضافت أنه قد يسهم فعلياً في تغيير عقلية بعض المخالفين.
لكنها استدركت قائلة :"الردع لا يكفي، أعتقد هناك عدة إشكاليات لتحد من تطبيقه أهمها عدم جاهزية الجهاز التي ستوكل له مهمة تنفيذ ورفع المخالفات لاسيما الشرطة البلدية".
واعتبرت الزغلامي في ختام حديثها أن "مشكلة الفضلات تحتاج إلى تغير عقلية التونسي والوعي بضرورة المحافظة على البيئة، التي لابد من ترسيخها منذ الصغر".
تراجع حسّ "المواطنة" لدى التونسيين
وذهب الباحث في علم الاجتماع التربوي طارق بلحاج محمد إلى أن انتشار ظاهرة الفضلات في تونس يعود لغياب حسّ المواطنة وتراجعه بشكل ملحوظ.
وأضاف: "حين يغيب وازع المواطنة يأتي القانون الزجري ليعيد الأمور إلى نصابها".
وشدد على أن مسؤولية النظافة والحفاظ على جودة الحياة قبل الثورة كانت موكلة للدولة ولهياكلها باعتبارها جزءاً من التسويق لصورة تونس بالخارج وعنواناً للتحضر، "أما اليوم فنجد أن مَنْ يدير الشأن العام اهتم بمصالحه الشخصية والفئوية والحزبية أكثر من اهتمامه بالشأن العام"، على حد وصفه.
واستدل بلحاج على غياب حس المواطنة لدى التونسي بتكرار إضرابات أعوان النظافة وسط إنذار بحدوث كوارث بيئية وانتشار الأمراض والأوبئة عمّقها غياب أي مبادرات فردية للمواطنين باستثناء بعض الحالات.
واعتبر بلحاج أن تونس تعاني من وجود إرث ثقافي ونفسي واجتماعي مضاد لثقافة النظافة ويمجد قيم الأنانية والفردانية على حساب قيمة النظافة التي تعتبر في الأصل مؤشراً من مؤشرات تقدم الشعوب وتنميتها، وختم بقوله: "لو أردنا توصيف علاقة التونسي بالنظافة لقلنا إنها ملتبسة ومهتزة ورخوة وفضفاضة وحاملة لخميرة التوتر والتواكل وضعف الاهتمام".