اعترفت شرطة مدينة ميشلين – التي تقع شمال بلجيكا – بعلمها بالمكان المحتمل الذي يختبئ فيه الناجي الوحيد من منفذي هجمات باريس التي وقعت في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وعلى الرغم من علمهم باحتمال اختباء هذا الشخص في العاصمة البلجيكية، فقد فشلت شرطة مدينة ميشلين في إيصال عنوان هذا الشخص إلى وحدة مكافحة الإرهاب في البلاد، ويأتي هذا في الوقت الذي يعاني فيه المسؤولون البلجيكيون لإيجاد التفسيرات المناسبة في ما يتعلق بتجاهلهم لبعض المعلومات الحساسة والحاسمة للغاية التي أدت لحدوث الهجمات المدمرة على بروكسل الثلاثاء الماضي.
وفي خضم توالي التفاصيل عن زلات وعثرات المسؤولين البلجيكيين التي نتجت عنها الهجمات الدامية التي حدثت هذا الأسبوع، وصل وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى المدينة؛ وذلك للتحدث مع الحكومة البلجيكية حول الكيفية التي يمكن أن يتم من خلالها تفكيك الشبكات الإرهابية الخاصة بتنظيم داعش، حسب تقرير نشرته صحيفة تايم الأميركية، الجمعة 25 مارس/آذار 2016.
وقد أدلى بعض المسؤولين الأميركيين بتصريحات عن وجود قتيلين أميركيين على الأقل بين الأشخاص الـ31 الذين قُتلوا فى الهجمات الانتحارية التي وقعت الثلاثاء الماضي والتي أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنها.
وقد صرح كيري خلال المؤتمر الصحفي المشترك بينه وبين رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشيل بأن الكل سيتكاتف من أجل تقديم المساعدة، مضيفاً: "نحن نجدد وعدنا بالتكاتف سوياً للقضاء على عدونا المشترك وذلك للحفاظ على سلامة شعوبنا".
وتأتي هذه التأكيدات وسط توالي التفاصيل عن المعلومات الاستخباراتية الخاطئة التي تم جمعها قبل شهور من حادثة الثلاثاء الماضي، ويأتي هذا في الوقت الذي أهمل فيه المسؤولون البلجيكيون بعض المعلومات الهامة عن الهجوم، حتى أنهم تغاضوا عن إطلاع جهاز الشرطة عليها على أقل تقدير.
وقال رئيس شرطة ميشلين – وهي بلدة صغيرة تقع على بُعد 13 ميلاً شمال بروكسل – إن قسم الشرطة الذي يرأسه تلقى بعض المعلومات في وقت مبكّر من شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي حول الأماكن المُحتملة التي قد يكون صلاح عبدالسلام لجأ إليها للاختباء – وهو الناجي الوحيد من منفذي هجمات باريس التي راح ضحيتها 130 شخصاً في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
العقل المدبر عاد إلى بلجيكا
تسلل صلاح عبدالسلام، البالغ من العمر 26 عاماً، عائداً إلى بلجيكا وذلك خلال الساعات القليلة التي أعقبت هجمات باريس، ومن ثم اختبأ في ضاحية مولينيك المجاورة لبروكسل متفادياً بذلك مداهمات الشرطة المتكررة حتى يوم الجمعة الماضي عندما استطاعت إحدى فرق التدخل السريع اعتقاله في العنوان نفسه الذي أعطاه أحد أقارب عبدالسلام لشرطة ميشلين في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
حاول إيف بورجاتس، رئيس شرطة ميشلين، وذلك بعد أن فجرت وسائل الإعلام البلجيكية الناطقة بالهولندية الأنباء حول إخفاء القسم للمعلومات التي كان يعرفها عن مكان اختباء عبدالسلام، إخبار بعض الصحفيين بأن الأمر لم يكن بالوضوح الكافي في ديسمبر/كانون الأول الماضي فيما يتعلق بالعنوان الذي يختبئ فيه عبدالسلام، وهو ما دفع قسم الشرطة لعدم تمرير العنوان لوحدة مكافحة الإرهاب الفيدرالية المنوط بها ملاحقته، مضيفاً: "لم تكن هناك نية متعمدة لإخفاء المعلومات، فقد تم ارتكاب هذا الخطأ بشكل عفوي بين قوات الشرطة".
وكانت هذه الأنباء بمثابة الصدمة لقدامى عملاء الاستخبارات المحنكين في بروكسل، وقد تحدث كلود مونيكي – الذي استمر فترة طويلة عميلاً لجهاز الاستخبارات الفرنسية الخارجي DGSE، وهو يدير حالياً إحدى شركات جمع المعلومات الخاصة في بروكسل – لمجلة "التايم" اليوم الجمعة حول هذه المسألة قائلاً: "يبدو أن المعلومات تم حجبها في مكانٍ ما ولم تتمكن وحدة مكافحة الإرهاب من الوصول إليها. إنه أمر يصعب تصديقه، ولكن هناك العديد من الأشياء التي من المحتمل أن تحدث والتي في الوقت ذاته يُصعب تصديقها".
سارعت وحدات الشرطة البلجيكية والفرنسية منذ الثلاثاء الماضي لتفكيك بقايا الشبكات الإرهابية – التي يُعتقد أنها كانت وراء هجمات نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في باريس، وهجمات بروكسل التي وقعت هذا الأسبوع – التي اتخذت من العاصمة البلجيكية مقراً لتصنيع القنابل والتخطيط للهجمات.
تفكيك الخلية
ومساء الخميس الماضي تمكنت الشرطة الفرنسية من إحباط مخطط إرهابي خلال مداهمتها لأرجنتوى، وهى إحدى ضواحي باريس، وذلك كما ورد على لسان وزير الداخلية برنارد كازانوف والذي قال أيضاً إن خطط الهجوم التي كان يُخطط لها الإرهاربيون قد وصلت لمراحل متقدمة، وكانوا على وشك الانتهاء منها، وقد ألقت الشرطة القبض على رضا كريكت، البالغ من العمر 34 عاماً والذي تمت إدانته غيابياً في العام الماضي بتهمة تجنيد مقاتلين لتنظيم داعش.
وقد تمكنت الشرطة البلجيكية من إلقاء القبض على 7 أشخاص في إحدى المداهمات الخاصة بمكافحة الإرهاب، وقد أجرت الشرطة أيضاً العديد من عمليات التفتيش في حي سكاربيك الذي يقع في بروكسل وهو الحي الذي استطاع منفذو عمليات الثلاثاء الماضي أن يخبئوا في إحدى شققه كميات كبيرة من المتفجرات بدائية الصنع، وقد تمكنت أيضاً الشرطة الألمانية خلال يوم الجمعة من إلقاء القبض على اثنين آخرين على علاقة بمنفذي العمليات.
وتُعد المعلومات التي تم الكشف عنها اليوم الجمعة – التي أفادت بمعرفة الشرطة البلجيكية بالمكان الذي اختبأ فيه صلاح عبدالسلام عديداً من الأشهر – هي الأحدث في سلسلة ممتدة من الإخفاقات التي ساهمت في عدم إيقاف العمليات الانتحارية التي وقعت في بروكسل هذا الأسبوع.
وعلى الرغم من أن الهجمات قد تم التخطيط لها قبل فترة طويلة من القبض على عبدالسلام يوم الجمعة الماضي، إلا أن بعض المسؤولين يعتقدون بأن إلقاء القبض على عبدالسلام هو العامل الذي ساهم في التعجيل بقيام هذه الهجمات. ورغم احتمال هذا الادعاء، فقد فشل المحققون في استخلاص بعض المعلومات والتفاصيل عن الهجوم الذي كان وشيكاً.
وقد صرحت بعض المصادر لموقع بولتيكو بأن المحققين قاموا باستجواب عبدالسلام مرة واحدة فقط لمدة ساعة واحدة وذلك يوم السبت الماضي. وعقب انتهاء الاستجواب، تحدث وزير الخارجية البلجيكي ديدييه ريندرز في مؤتمر صحفي عن أن عبدالسلام قال للمحقيين إنه على وشك القيام بشيء ما في بروكسل. ورغم ذلك، فإن هذا لم يستثر المحققين للضغط على عبدالسلام لاستخلاص المزيد من التفاصيل.
وقد أضاف مصدر مسؤول – رفض ذكر اسمه – لموقع "بولتيكو" متحدثاً عن وضع عبدالسلام قائلاً "إن علامات التعب كانت واضحة جداً عليه، ويبدو أنه تعرض لعمليات استجواب كثيرة"، بينما قال مصدر آخر إن المحققين لم يفكروا في احتمالات حدوث مثل ما حدث الثلاثاء الماضي.
خطأ ثالث
هناك خطأ ثالث مهم ظهر واضحاً الأربعاء الماضي، حينما أخبر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الصحفيين بأن بلاده قامت بتحذير السلطات البلجيكية الصيف الماضي من أن إبراهيم البكراوي هو جهادي بالأساس بعدما قامت الشرطة التركية بالقبض عليه وترحيله، وكان البكراوي (30 عاماً) أحد منفذي تفجيرات مطار زفنتيم في بروكسل الثلاثاء الماضي، في حين قام شقيقه خالد البكراوي (27 عاماً) بتفجير نفسه في إحدى محطات المترو.
وقال أردوغان بصرامة: "على الرغم من تحذيراتنا حول كون إبراهيم هو أحد الجهاديين الأجانب، لم تستطع السلطات البلجيكية التحقق من ارتباطه بجهات إرهابية". مع هذا الخطأ الكبير للسلطات البلجيكية، قام كلٌّ من وزير الداخلية ووزير العدل بالتقدم باستقالتيهما الخميس الماضي، إلا أن رئيس الوزراء رفض تلك الاستقالة وطلب بقاءهما في منصبيهما.
وقد أكد محللو الاستخبارات أنه على الرغم من هذه الأخطاء التي تبدو مأساوية بعد وقوع الحادث، إلا أنها مفهومة، بالنظر إلى العدد الهائل من الأشخاص المشكوك في انتمائهم لتنظيم داعش في أوروبا، حيث يقدر مسؤولون رسميون في الاتحاد الأوروبي تلك الأعداد بـ5000 أوروبي قاموا بالانضمام إلى التنظيمات المسلحة في سوريا والعراق منذ 2012، بالإضافة إلى عودة 50 إلى 100 شخص من هؤلاء إلى أوروبا في الصيف الماضي وسط سيل المهاجرين القادمين إلى أوروبا.
وقد تحدث يان سانت بيير، رئيس مجلس إدارة مجموعة استشارات الأمن الحديثة فى برلين، عبر الهاتف لمجلة "التايم"، اليوم الجمعة، عن مدى صعوبة الأمر فيما يتعلق بالتعامل مع الهجمات الإرهابية، مضيفاً "الأمر لا يتعلق فقط بالحصول على المعلومات، لكنه يتعلق بالأشياء التى ستفعلها بتلك المعلومات، وعلى ما يبدو، فإن هذا الأمر ينطوي على العديد من الثغرات".
هذه المادة مترجمة عن صحيفة Time الأميركية.