تباين المشهد هذه المرة. فالعرب الذين خرجوا بشكلٍ واسع على الشبكات الاجتماعية في نوفمبر الماضي لإدانة "هجمات باريس" والتعاطف مع الفرنسيين وضحايا الإرهاب، هم أنفسهم الذين آثروا هذه المرة "عدم التعليق" على هجمات بروكسل أو في أحسن الأحوال الاكتفاء بإبداء التعاطف مع الإشارة إلى "الغرب" الذي "يكيل الإرهاب بمكيالين".
فمع أن منفذي هجمات المدينتين هم أنفسهم، إلا أن العرب لم يغيروا صور بروفايلاتهم إلى العلم البلجيكي كما فعلوا مع فرنسا، ولم ينشروا هاشتاغ #أنا_بروكسل كما فعلوا مع #أنا_باريس، ولم يتبادلوا صور الضحايا وعليها أعلام بلدانهم كما فعلوا مع صور ضحايا مسرح "باتاكلان".
#هجمات_بروكسل#باريس#فرنسا
الإرهاب وقتل الأبرياء جريمة في كل المدن..
بروكسل وباريس وأنقرة وإسطنبول والرياض ودمشق وغزة.— سلمان العودة (@salman_alodah) March 23, 2016
ما كان يهمهم أكثر هذه المرة هو الرد على هاشتاغ #StopIslam الذي تصدر قائمة تويتر العالمية بعد ساعات قليلة من تفجيرات مطار بروكسل ومحطة مترو الأنفاق، حتى أن الهاشتاج تحول من معاداة الإسلام إلى معاداة معاداة الإسلام كما أوضحت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.
Mi solidaridas con los bélgicos. Hay que acabar con este fanatismo #StopIslam
— Iker-Sara-Martín (@CasillasEterno) March 22, 2016
الإرهاب لا يكال بمكيالين
عدم الحماس هذا له ما يبرره بحسب المعلقين العرب، فـ"الإرهاب إرهاب" أينما كان وأيّاً كان الفاعل.
#هجمات_بروكسل#باريس#فرنسا
الإرهاب وقتل الأبرياء جريمة في كل المدن..
بروكسل وباريس وأنقرة وإسطنبول والرياض ودمشق وغزة.— سلمان العودة (@salman_alodah) March 23, 2016
د. تركي الحمد
هذا التساؤل الوجيه طرحته أيضا صحيفة الإندبندنت
تفضلhttps://t.co/4QziD010Qb@TurkiHAlhamad1 @GamalSultan1 @Alqudaimi— حمد الماجد (@Hmd_Almajed) March 23, 2016
حتى أن صحيفة "الإندبندنت" البريطانية نشرت مقالاً للكاتبة سهام أحمد بعنوان "أين التعاطف مع أنقرة". وقالت أحمد إن أوروبا استجابت لهجمات بروكسل بطريقتها المعتادة وقت المآسي" بهاشتاغات التضامن ورسوم الكاريكاتير على تويتر.. ورفع العلم البلجيكي على المباني الأوروبية المهمة، وتساءلت "أين كانت هذه الكاريكاتيرات التضامنية مع أولئك الذين ماتوا في تركيا بهجمات إرهابية كذلك؟ لماذا لم يرفع شارع داوننغ العلم التركي بعد الهجمات؟".
وشهدت تركيا الأسبوع الماضي مقتل 3 أشخاص وإصابة 36 في إسطنبول، وفي شباط/ فبراير الماضي قتل 28 شخصاً وأصيب 60، وفي كانون الثاني/ يناير خلف هجومان انتحاريان 18 قتيلاً وإصابة 53، بينما قتل في عام 2015 وحده 141 شخصاً وأصيب 910 آخرون، بهجمات إرهابية.
وقالت أحمد إنه "يبدو أن هناك حدوداً لتضامننا، وهي حدود تبدو بشكل خريطة غرب أوروبا، حيث تبقى تركيا خارجها وبعيدة عن اهتمامنا، وليست قريبة بما ينبغي لنمنحها تعاطفنا"، وأضافت أن تركيا بالنسبة لأوروبا "غريبة، ومكان لقضاء العطلات، لكنه ليس مكاناً للفهم أو التعاطف".
السكوت عن مآسي المنطقة
إلا أن عدم التضامن مع تركيا لم يكن السؤال الوحيد الذي طرحه العرب عبر الشبكات الاجتماعية، فالكاتب والمحلل السياسي الأردني ياسر الزعاترة اعتبر في تغريدة نشرها إثر التفجيرات أن ما حدث من تفجيرات هو نتيجة صمت الغرب عن مآسي المنطقة.
لا تبرير لاستهداف المدنيين في مطار، لكن الغرب يدفع ثمن سكوته على مآسي هذه المنطقة. التنقيب في الكتب والأفكار عبث لا يفضي لنتيجة. افهموا.
— ياسر الزعاترة (@YZaatreh) March 22, 2016
وذهبت آراء أخرى إلى اتهام المجتمع الدولي بـ"النفاق"؛ نظراً للتعاطف والاهتمام البالغ الذي أسداه لضحايا تفجيرات بروكسل، ومن قبلها باريس، فيما لم يعر المجازر في سوريا، والعراق، وغيرها، القدر ذاته من الاهتمام.
أيها المسلم أنت لم تبايع البغدادي خليفة للمسلمين فلستَ ملزما بالاعتذارعن #تفجيرات_بروكسل. الشعوب التي تنتخب قادتها أولى بالاعتذار عن جرائمهم
— محمد مختار الشنقيطي (@mshinqiti) March 23, 2016
جمال خاشقجي الصحفي والإعلامي السعودي اعتبر أيضاً أن ما حدث هو نتيجة لتجاهل ما يحصل من استبداد في المنطقة، وأنه لايجوز أن ينجو الرئيس السوري بشار الأسد وداعش بعد هذه التفجيرات.
قلت: تجاهل الاستبداد والظلم والقتل باكثر من بلد عربي وإغلاق منافذ التغيير والتعبير هو سبب الغضب الاحمق ببروكسل اليوم.
قال: انت تبرر لداعش.— جمال خاشقجي (@JKhashoggi) March 22, 2016
الحرب تعجل بالتاريخ ، وكذلك الارهاب ، لقد نجا بشار وداعش بعد تفجيرات باريس ولا يجوز ان ينجيا ثانية بعد تفجيرات #بروكسل اليوم .
— جمال خاشقجي (@JKhashoggi) March 22, 2016
سوريا هي السبب
أستاذ العلوم السياسية الكويتي الدكتور عبدالله الشايجي اعتبر أن "الجميع يدفع ثمن التقاعس والتردد في حسم الأزمة في سورية"، وقال لـ"عربي بوست" إن "هذا التقاعس سمح لداعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية أن تتحول لوحش يفترس الجميع".
الشايجي اعتبر أن هذا التقاعس حوّل الشرق الأوسط لكرة ملتهبة وأغرق أوروبا باللاجئين وجعل دولها تكتوي بنيران الإرهاب.
وهي ذات الفكرة التي ذهب إليها الداعية السعودي سلمان العودة في حديثه مع وكالة "الأناضول" التركية، وقال إن "من أبرز أسباب الإرهاب الذي يطال مناطق في العالمين العربي والإسلامي، فشل الخيارات السياسية، وغياب الأفق السياسي للشعوب، مع غياب ثقافة الحقوق، والمعرفة الدينية المنقوصة".
دور إيران
العودة قال أيضاً إن السياسات الإيرانية لها دور في تنامي ظاهرة "الإرهاب" في المنطقة، وأضاف إن "إيران ارتكبت جرماً شديداً من الصعب جداً تغطيته ونسيانه، من خلال جرائمها في سوريا بالتعاون مع النظام السوري وحزب الله اللبناني"، معتبر أن هؤلاء "كانوا السبب في إيجاد شرخ كبير مع أهل السنة".
الكاتب الأردني إحسان الفقيه ذهب في الاتجاه ذاته وتساءل "لماذا لا يوجد إرهاب في الداخل الإيراني"
لماذا لا يوجد إرهاب في الداخل الإيراني؟
كل بلاد العالم اكتوت بجحيم الإرهاب حتى #بلجيكا
لماذا ولا تفجير في طهران
أقنعونا ولو بتفجير واحد نوعي— احسان الفقيه (@EHSANFAKEEH) March 22, 2016
عمل استخباراتي إيراني
الخبير السياسي والأمني السعودي سلمان الأنصاري يرى أن عقلاء العرب كلهم يتعاطفون مع جميع المتأثرين بهذه الهجمات الإرهابية على حد وصفه فـ"الإرهاب لادين له ولا ملة".
ورغم أن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) والعناصر الإيرانية يخوضان مواجهات واسعة في سوريا، إلا أن الأنصاري قال لـ"عربي بوست" أن "لدي يقيناً لا يخالطه شك بوجود عمل استخباراتي وراء هذه الهجمات ومن الأرجح أنها ميليشيات إيرانية من خلال استخدام خلايا داعش النائمة والنشطة".
وبرر الأنصاري اتهامه لإيران بالنتيجة التي وصل إليها القضاء الأميركي في نيويورك قبل عدة أيام حينما تم إثبات ضلوع إيران في تسهيل خطوط دعم لوجستي لأفراد من القاعدة لاختراق الدول الغربية.
هل التغطية التلفزيونية تصنع الفرق؟
لكن الخبير الأمني الكويتي العقيد فهد الشليمي ذهب في اتجاه آخر، وقال إن التعاطف العربي لم يختلف بين ما حدث من تفجيرات في باريس وبروكسل، ولكن قد يبدو التعاطف أكبر في تفجيرات باريس بسبب النقل الحي لها مما حرك تعاطف الناس.
وتوقع أن اللقطات التلفزيونية المصورة لتفجيرات بروكسل ستزيد التعاطف خلال الفترات المقبلة.
وقال إنه من الواضح أن الهجمات تمت بمساعدة داخلية في بلجيكا ما يعني أن ثمة اختراقاً أمنياً أو ضعفاً أمنياً في تأمين المطارات ومحطات المترو.
العرب متضامنون
ومن جانبه رأى د. عبدالخالق عبدالله أستاذ العلوم السياسية في الإمارات التي تعتبر نفسها في معركة مع جماعة "الإخوان المسلمين"، أن تفجيراً بهذا الحجم يعني أن أوروبا عليها أن تكون أكثر حزماً تجاه الأصوات الداعية للعنف والموجودة في قلب أوروبا.
فعلى هذه الدول بحسب عبد الله أن تعي أن في شوارعها ومدنها خلايا إرهابية وأن تكون أكثر حذراً، لافتاً إلى أن العرب جميعاً أدانوا هذه التفجيرات الإرهابية في بروكسل "ولا يوجد عربيٌّ واحد يتعاطف مع هذه التفجيرات" بل يتعاطف العرب مع بلجيكا وأوروبا كلها ضد الإرهاب.
المسلمون في خطر
أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت الدكتور إبراهيم الهدبان أشار لـ"عربي بوست" أن "الخطر القائم الآن يتمثل في العدائية التي قد تنجم تجاه الجاليات المسلمة في أوروبا" .
وشدد على أن أي جهاز استخباري مهما بلغ من قوة فلا يمكنه منع حدوث عمليات انتحارية بشكل كامل لأن حمل حزام ناسف من الممكن أن يقوم به أي شخص.
باريس من وجهة نظر الهدبان لها وضع خاص رغم أن حجم الضربات الموجهة لبروكسل تعد أكبر وشملت محطتي مترو ومطاراً إلا أن الجالية المسلمة في فرنسا أكبر كما أن الدور الفرنسي في محاربة الإرهاب أكثر وضوحاً وتأثيرها في ملفات الشرق الأوسط أكثر فعالية.