لهذه الأسباب تعاطف العرب مع ضحايا هجمات باريس أكثر من بروكسل

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/23 الساعة 09:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/23 الساعة 09:39 بتوقيت غرينتش

تباين المشهد هذه المرة. فالعرب الذين خرجوا بشكلٍ واسع على الشبكات الاجتماعية في نوفمبر الماضي لإدانة "هجمات باريس" والتعاطف مع الفرنسيين وضحايا الإرهاب، هم أنفسهم الذين آثروا هذه المرة "عدم التعليق" على هجمات بروكسل أو في أحسن الأحوال الاكتفاء بإبداء التعاطف مع الإشارة إلى "الغرب" الذي "يكيل الإرهاب بمكيالين".

فمع أن منفذي هجمات المدينتين هم أنفسهم، إلا أن العرب لم يغيروا صور بروفايلاتهم إلى العلم البلجيكي كما فعلوا مع فرنسا، ولم ينشروا هاشتاغ #أنا_بروكسل كما فعلوا مع #أنا_باريس، ولم يتبادلوا صور الضحايا وعليها أعلام بلدانهم كما فعلوا مع صور ضحايا مسرح "باتاكلان".

ما كان يهمهم أكثر هذه المرة هو الرد على هاشتاغ #StopIslam الذي تصدر قائمة تويتر العالمية بعد ساعات قليلة من تفجيرات مطار بروكسل ومحطة مترو الأنفاق، حتى أن الهاشتاج تحول من معاداة الإسلام إلى معاداة معاداة الإسلام كما أوضحت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.

الإرهاب لا يكال بمكيالين

عدم الحماس هذا له ما يبرره بحسب المعلقين العرب، فـ"الإرهاب إرهاب" أينما كان وأيّاً كان الفاعل.

حتى أن صحيفة "الإندبندنت" البريطانية نشرت مقالاً للكاتبة سهام أحمد بعنوان "أين التعاطف مع أنقرة". وقالت أحمد إن أوروبا استجابت لهجمات بروكسل بطريقتها المعتادة وقت المآسي" بهاشتاغات التضامن ورسوم الكاريكاتير على تويتر.. ورفع العلم البلجيكي على المباني الأوروبية المهمة، وتساءلت "أين كانت هذه الكاريكاتيرات التضامنية مع أولئك الذين ماتوا في تركيا بهجمات إرهابية كذلك؟ لماذا لم يرفع شارع داوننغ العلم التركي بعد الهجمات؟".

وشهدت تركيا الأسبوع الماضي مقتل 3 أشخاص وإصابة 36 في إسطنبول، وفي شباط/ فبراير الماضي قتل 28 شخصاً وأصيب 60، وفي كانون الثاني/ يناير خلف هجومان انتحاريان 18 قتيلاً وإصابة 53، بينما قتل في عام 2015 وحده 141 شخصاً وأصيب 910 آخرون، بهجمات إرهابية.

وقالت أحمد إنه "يبدو أن هناك حدوداً لتضامننا، وهي حدود تبدو بشكل خريطة غرب أوروبا، حيث تبقى تركيا خارجها وبعيدة عن اهتمامنا، وليست قريبة بما ينبغي لنمنحها تعاطفنا"، وأضافت أن تركيا بالنسبة لأوروبا "غريبة، ومكان لقضاء العطلات، لكنه ليس مكاناً للفهم أو التعاطف".

السكوت عن مآسي المنطقة

إلا أن عدم التضامن مع تركيا لم يكن السؤال الوحيد الذي طرحه العرب عبر الشبكات الاجتماعية، فالكاتب والمحلل السياسي الأردني ياسر الزعاترة اعتبر في تغريدة نشرها إثر التفجيرات أن ما حدث من تفجيرات هو نتيجة صمت الغرب عن مآسي المنطقة.

وذهبت آراء أخرى إلى اتهام المجتمع الدولي بـ"النفاق"؛ نظراً للتعاطف والاهتمام البالغ الذي أسداه لضحايا تفجيرات بروكسل، ومن قبلها باريس، فيما لم يعر المجازر في سوريا، والعراق، وغيرها، القدر ذاته من الاهتمام.

جمال خاشقجي الصحفي والإعلامي السعودي اعتبر أيضاً أن ما حدث هو نتيجة لتجاهل ما يحصل من استبداد في المنطقة، وأنه لايجوز أن ينجو الرئيس السوري بشار الأسد وداعش بعد هذه التفجيرات.

سوريا هي السبب

أستاذ العلوم السياسية الكويتي الدكتور عبدالله الشايجي اعتبر أن "الجميع يدفع ثمن التقاعس والتردد في حسم الأزمة في سورية"، وقال لـ"عربي بوست" إن "هذا التقاعس سمح لداعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية أن تتحول لوحش يفترس الجميع".

الشايجي اعتبر أن هذا التقاعس حوّل الشرق الأوسط لكرة ملتهبة وأغرق أوروبا باللاجئين وجعل دولها تكتوي بنيران الإرهاب.

وهي ذات الفكرة التي ذهب إليها الداعية السعودي سلمان العودة في حديثه مع وكالة "الأناضول" التركية، وقال إن "من أبرز أسباب الإرهاب الذي يطال مناطق في العالمين العربي والإسلامي، فشل الخيارات السياسية، وغياب الأفق السياسي للشعوب، مع غياب ثقافة الحقوق، والمعرفة الدينية المنقوصة".

دور إيران

العودة قال أيضاً إن السياسات الإيرانية لها دور في تنامي ظاهرة "الإرهاب" في المنطقة، وأضاف إن "إيران ارتكبت جرماً شديداً من الصعب جداً تغطيته ونسيانه، من خلال جرائمها في سوريا بالتعاون مع النظام السوري وحزب الله اللبناني"، معتبر أن هؤلاء "كانوا السبب في إيجاد شرخ كبير مع أهل السنة".

الكاتب الأردني إحسان الفقيه ذهب في الاتجاه ذاته وتساءل "لماذا لا يوجد إرهاب في الداخل الإيراني"

عمل استخباراتي إيراني

الخبير السياسي والأمني السعودي سلمان الأنصاري يرى أن عقلاء العرب كلهم يتعاطفون مع جميع المتأثرين بهذه الهجمات الإرهابية على حد وصفه فـ"الإرهاب لادين له ولا ملة".

ورغم أن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) والعناصر الإيرانية يخوضان مواجهات واسعة في سوريا، إلا أن الأنصاري قال لـ"عربي بوست" أن "لدي يقيناً لا يخالطه شك بوجود عمل استخباراتي وراء هذه الهجمات ومن الأرجح أنها ميليشيات إيرانية من خلال استخدام خلايا داعش النائمة والنشطة".

وبرر الأنصاري اتهامه لإيران بالنتيجة التي وصل إليها القضاء الأميركي في نيويورك قبل عدة أيام حينما تم إثبات ضلوع إيران في تسهيل خطوط دعم لوجستي لأفراد من القاعدة لاختراق الدول الغربية.

هل التغطية التلفزيونية تصنع الفرق؟

لكن الخبير الأمني الكويتي العقيد فهد الشليمي ذهب في اتجاه آخر، وقال إن التعاطف العربي لم يختلف بين ما حدث من تفجيرات في باريس وبروكسل، ولكن قد يبدو التعاطف أكبر في تفجيرات باريس بسبب النقل الحي لها مما حرك تعاطف الناس.

وتوقع أن اللقطات التلفزيونية المصورة لتفجيرات بروكسل ستزيد التعاطف خلال الفترات المقبلة.

وقال إنه من الواضح أن الهجمات تمت بمساعدة داخلية في بلجيكا ما يعني أن ثمة اختراقاً أمنياً أو ضعفاً أمنياً في تأمين المطارات ومحطات المترو.

العرب متضامنون

ومن جانبه رأى د. عبدالخالق عبدالله أستاذ العلوم السياسية في الإمارات التي تعتبر نفسها في معركة مع جماعة "الإخوان المسلمين"، أن تفجيراً بهذا الحجم يعني أن أوروبا عليها أن تكون أكثر حزماً تجاه الأصوات الداعية للعنف والموجودة في قلب أوروبا.

فعلى هذه الدول بحسب عبد الله أن تعي أن في شوارعها ومدنها خلايا إرهابية وأن تكون أكثر حذراً، لافتاً إلى أن العرب جميعاً أدانوا هذه التفجيرات الإرهابية في بروكسل "ولا يوجد عربيٌّ واحد يتعاطف مع هذه التفجيرات" بل يتعاطف العرب مع بلجيكا وأوروبا كلها ضد الإرهاب.

المسلمون في خطر

أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت الدكتور إبراهيم الهدبان أشار لـ"عربي بوست" أن "الخطر القائم الآن يتمثل في العدائية التي قد تنجم تجاه الجاليات المسلمة في أوروبا" .

وشدد على أن أي جهاز استخباري مهما بلغ من قوة فلا يمكنه منع حدوث عمليات انتحارية بشكل كامل لأن حمل حزام ناسف من الممكن أن يقوم به أي شخص.

باريس من وجهة نظر الهدبان لها وضع خاص رغم أن حجم الضربات الموجهة لبروكسل تعد أكبر وشملت محطتي مترو ومطاراً إلا أن الجالية المسلمة في فرنسا أكبر كما أن الدور الفرنسي في محاربة الإرهاب أكثر وضوحاً وتأثيرها في ملفات الشرق الأوسط أكثر فعالية.

تحميل المزيد