المساجد بريئة من تجنيد الإرهابيين في بلجيكا.. والمراهقة هي السبب!

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/22 الساعة 18:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/22 الساعة 18:00 بتوقيت غرينتش

رغم أن بلجيكا لا تبدو للوهلة الأولى موقعاً مرجحاً يخرج منه المتطرفون الذين يهاجمون أوروبا، فثمة عديد من الأسباب التي تجعلهم يتركزون في الدولة الصغيرة.

فالأسباب التي تؤدي إلى التشدد في عموم الأمر معروفة على مستوى العالم، حيث تقع تلك الأسباب بين ضفتين إحداهما للمجتمعات المتطورة، والأخرى للمجتمعات النامية؛ لذا فإن العواقب تتشابه في نهاية المطاف حتى وإن اختلفت حدة الأسباب بحسب تقرير لصحيفة "الغارديان" البريطانية الثلاثاء 22 مارس/ آذار 2016.

وتتراوح تلك الأسباب بين وجود الأقلية المسلمة ذات العدد الكبير التي لا تندمج بسهولة مع المجتمع البلجيكي، وكذلك مستويات البطالة المرتفعة بين أوساط الشباب، والسماح بحيازة الأسلحة، وأيضاً شبكة الاتصالات والمواصلات شديدة التطور التي تربط جميع أنحاء البلاد، فضلاً عن السلطات التي تشعر دائماً بالرضا عما تمتلكه من موارد قليلة، أضف إلى ذلك حالة عدم الاستقرار السياسي في الداخل.

أزمة قديمة

وشهدت بلجيكا مثل كثير من البلدان الأخرى حالة جلية من الانتشار الشديد للفكر العنيف عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبين الأفراد، والتي إن لم تكن حرّضت على العنف بشكل مباشر، فقد أدت إلى تعزيز نظرة البُغض وعدم التسامح، فضلاً عن كونها نظرة شديدة التحفظ.

وتضرب الأزمة الحالية بجذورها في عمق التاريخ. فبلجيكا عانت من موجة الإرهاب التي ضربت معظم أوروبا في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، التي ارتبطت بحالة الاضطراب التي شهدها الشرق الأوسط آنذاك.

يقول ريك كولسايت، الخبير في مجال الإرهاب بجامعة غنت: "ثمة تاريخ طويل من الارتباط بين بلجيكا وفرنسا في ما يتعلق بحوادث الإرهاب".

البداية كانت مع الجزائر

في عام 1990 تأثرت بلجيكا من حمم العمليات المسلحة التي وقعت شمال فرنسا وكانت مرتبطة بالحرب الأهلية الدائرة في الجزائر. فعلى أقل تقدير انتقل أحد المشايخ إلى بروكسل بعد أن تم ترحيله من فرنسا.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي قال جون ليمان، الناشط الكبير بمجال مناهضة العنصرية، إن السكان المحليين عندما عبّروا عن مخاوفهم من وصول هذا الشيخ، أخبرتهم السلطات بأنه داعية "لا تأثير له".

ويعمل ليمان بمنطقة "مولينبيك" في بروكسل، وهي المنطقة التي كانت تأوي عديداً من منفذي هجمات باريس، وهي أيضاً المنطقة التي ألقي القبض فيها على صلاح عبدالسلام، المشتبه الأول في هجمات باريس، خلال الأسبوع الماضي.

أول انتحارية أوروبية

وفي النصف الأول من العقد الماضي، حينما كانت أجهزة الأمن الأوروبية تكافح من أجل فهم أبعاد التهديد الجديد الذي يواجهونه، وأيضاً التفجيرات التي ضربت مدريد، كانت بلجيكا يحيطها تجاهل كبير رغم وجود أدلة متزايدة على تمركز شبكات المتطرفين بالبلاد.

وحتى إن كان عدد البلجيكيين الذين سافروا إلى العراق من أجل المشاركة في القتال الدائر هناك يبدو صغيراً، فلا يزال ذلك العدد كبير نسبياً، حيث إن إحدى المتطوعات بالحرب كانت امرأة من مدينة "شارلورا" تحولت إلى الإسلام، وقد قُتلت تلك المرأة خلال تفجيرها قافلة أميركية بالعراق، لتصير أول امرأة أوروبية تنفذ عملية انتحارية.

كما سافر آخرون إلى أفغانستان. ففي عام 2008 تفككت شبكة كانت ترسل المسلمين البلجيكيين إلى معسكرات القاعدة.

وكان كثير منهم محبطاً لما خبروه بميدان القتال، بيد أن هذا لم يوقف تدفق ذلك السيل. وتدّعي النيابة أن عديداً منهم عاد إلى البلاد بنية تنفيذ هجمات في أوطانهم.

وما يظهر للعيان أن الجماعات الأصولية غير العنيفة ازدهرت في المدن البلجيكية. وأحد تلك الجماعات على وجه التحديد لفتت نظر السلطات ما دعا إلى تنفيذ محاكمة عاجلة لها.

وزادت الحرب في سوريا من وطأة المشكلة ببلجيكا ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى، وتبين التقديرات أن بلجيكا تعد البلد الذي صدّر عدداً من المقاتلين إلى سوريا يفوق أي دولة أخرى بأوروبا.(وفقاً لعدد السكان).

ويقول الخبراء إن عدد المقاتلين الذين سافروا إلى سوريا من بلجيكا يبلغ حوالي 450 مقاتلاً من أصل نصف مليون مسلم يعيشون في البلد الذي يبلغ تعداد سكانه 11 مليون نسمة.

ويعدّ الباحث بيتر فان أوستاين، صاحب أعلى رقم توصلت إليه تلك الأبحاث، حيث يقول إن عددهم وصل إلى 562 مقاتلاً. ومعظم هؤلاء انضم إلى تنظيم الدولة الإسلامية، بينما فضّل بعضهم الانضمام إلى جبهة النصرة، ذراع تنظيم القاعدة في سوريا.

وقد قُتل أكثر من 80 من هؤلاء، وكثير منهم قُتل في المعارك الأخيرة في سوريا.

مناطق مسلمة محظورة على الشرطة

ويخرج كثير من المشاكل من منطقة "مولينبيك التي تأوي حوالي 90 ألف نسمة بالعاصمة التي تحتوي بعض مناطقها على نسبة مسلمين تتجاوز 80%.

ويزعم بعض المعلقين أن "مولينبيك" تعد منطقة محظورة ظاهرياً، "ولا تمتلك الشرطة سطوة عليها". لكن المقابلات التي تجرى في المنطقة تُظهر مجتمعاً متعدداً يكافح من أجل مواجهة عديد من المشاكل الكبيرة.

يقول الناشط ليمان الذي يعمل بالمنطقة إن الأشخاص الذين يجندون المقاتلين غالباً ما يخبرون المراهقين بأن آباءهم لا يعلمون شيئاً عن "الإسلام الحقيقي".

ويضيف ليمان: "هم يصبغون عملية التحول التي تطرأ خلال فترة المراهقة (حيث يميل المراهق إلى التمرد) بصبغة إسلامية".

المساجد بريئة

وأشارت الدراسات التي أجرتها "أوكسفورد" أيضاً إلى دور الروابط الاجتماعية، حيث لعب الأصدقاء والأقران دوراً رئيسياً في تجنيد ثلاثة أرباع المقاتلين الأجانب في تنظيم الدولة.

فتسببت الروابط العائلية في تجنيد 5 من كل 20 شخصاً، بينما أسهمت المساجد في تجنيد شخصاً واحداً من كل 20 شخصاً.

وقال منتصر الدعمة، الباحث في "مولينبيك" الذي يقوم بتقديم المشورة القانونية للمقاتلين السابقين والحاليين، إنه على معرفة شخصية بأحد الرجلين اللذين قاتلا في سوريا وقُتلا في مواجهة مع الشرطة البلجيكية في بلدة "فيرفيرس" في يناير/كانون الثاني الماضي.

بلجيكا الأولى في غرب أوروبا

وقال الدعمة: "لقد اعتاد أن يأتي أحياناً للمقهى الذي أرتاده، الجميع يعرفون بعضهم هنا، ويتبادلون الحديث ومقاطع الفيديو والخطط، هكذا تجري الأمور هنا"، كما تحدث عن دور المساجد المثير للجدل قائلاً: "أعرف عديداً من رجال الدين الذين سافروا إلى سوريا العام الماضي، يمكنك أن تتخيل ما الذي حَدّثوا به مستمعيهم".

ويعتقد الدعمة بوجود نوعين من الجهاديين: المثاليين السذج الذين مثّلوا الموجة الأولى التي سافرت لسوريا، أما النوع الثاني فهم المتطرفون المستعدون لارتكاب العنف في بلادهم ذاتها والذين قد يحملون تاريخاً من التورُّط في جرائم أخرى.

بينما يعتقد عبدالإله، الباحث الاجتماعي في مولينبك، أن المساجد لم يكن لها أثر فعّال في هذه المشكلة، سواء كانت المساجد مسجلة أم لا.

وفي ذات السياق قالت إحدى الأمهات التي قُتِل ابنها في سوريا العام الماضي بعد انضمامه إلى تنظيم الدولة، إنه لم يرتدِ المساجد أبداً بل انضم لبعض الأشخاص "في الشارع".

أضف إلى ذلك أن الفقر لا يوفر تفسيراً كافياً، إذ إن منفذي هجمات باريس كانوا في حالة مادية جيدة، بالإضافة إلى أن ثمة الكثير من النشاط خارج مولينبيك حتى لو نشأ منفذو هجمات باريس هناك.

أما عبدالحميد أباعود، أحد مدبري هجمات باريس، فقد أفلت من حملة الاعتقالات التي طالت شبكة البلجيكيين العائدين من سوريا الذين كانوا يستعدون للتخطيط لسلسلة من الهجمات.

وكانت السلطات البلجيكية قد أغلقت طرق المدينة ومدارسها لمدة أسبوع إثر هذه الهجمات، كما أُلغيت الأحداث الرياضية وانتشرت مدرعات الجيش في الشوارع.

غير أن هذا لم يكن كافياً لبث الطمأنينة في نفوس البلجيكيين الذين ساورتهم الشكوك بشأن حكومتهم وبياناتها المتناقضة عن وضع البلاد الأمني، وهي الحكومة المترددة التي طالما واجهت صعوبات في التوفيق بين قسمي شعبها المتحدثين بالفرنسية والفلمنكية. كما بدت الأجهزة الأمنية البلجيكية في حالة من البلبلة والارتباك، على الرغم من كفاءة أفرادها.

فمع اضطلاع مئات العملاء بمهمة مراقبة الآلاف من المتطرفين المحتملين، فقد قال مسؤول أمني رفيع المستوى في إحدى رسائله الإلكترونية: "نحن مرهقون للغاية".

أما حزمة مكافحة الإرهاب التي أُعلن عنها الشهر الماضي، التي تبلغ 200 مليون يورو، فقد تم إقرارها بعد فوات الأوان.

صلاح عبدالسلام مرة أخرى

مرة أخرى، ربما يكون الشخص الذي أفلت من الهجمات السابقة هو سبب هذه الوفيات، حيث يظهر اسم صلاح عبدالسلام مجدداً، وهو المواطن الفرنسي الذي نشأ في مولينبيك، وهو الناجي الوحيد من مدبري هجمات باريس. كان صلاح عبدالسلام قد فرّ إلى بلجيكا مرة أخرى وألقي القبض عليه الجمعة الماضي.

وأعلن بعض المسؤولين المحليين إدراكهم لما يمكن أن يقوم به المتعاطفون مع صلاح نتيجة اعتقاله، ليكون عليهم عبر الأيام والسنوات القادمة تقديم إجابة لهذا السؤال: كيف فشلوا في إحباط الهجوم الذي كانوا على دراية بوقوعه؟

علامات:
تحميل المزيد