بتمايل متردد كانت سيدة شابة تحاول قيادة دراجتها لأول مرة في أنحاء ساحة رملية بمدينة أمباجي، تلك البلدة الصغيرة في ولاية غوجرات، شمال غرب الهند. كانت الدراجة زرقاء اللون وقوية مع إطارات عريضة تساعد على تحمّل التضاريس الوعرة، وكان خلفها صندوقٌ يحمل بضاعة ثمينة، لا لم تكن البيتزا أو البريد، لقد كانت البضاعة هي "الإنترنت".
بحسب تقرير لصحيفة Financial Times الأميركية، السبت 19 مارس/آذار 2016؛ فإن جوجل ترسل الآلاف من هذه الدراجات إلى المناطق الريفية في الهند. وكل منها يحمل اثنين من الهواتف الذكية واثنين من الأجهزة اللوحية، مع وصلات البيانات المتنقلة بتمويل من عملاق البحث الأميركي. والنساء اللاتي يحصلن على الدراجات يتم تدريبهن على استخدام الإنترنت بأنفسهم، قبل أن يركبن الدراجات نحو المزيد من القرى لتدريب النساء الأخريات.
جامار نيراما بهامبرو، تعمل خياطة وتبلغ من العمر 22 عاماً، تأخذ رشفات من فنجان شاي مصنوع من الورق المقوى في استراحتها خلال يوم ونصف من التدريب، والذي يقام في بيت ضيافة بدائي دائماً ما يستضيف الوافدين لممارسة الشعائر الدينية. لقد أكملت للتوّ أول بحث تقوم به عبر جوجل، بينما تقضم ابنتها الرضيعة في ركن الغرفة الصندوق الذي كان يغلّف هاتف أندرويد. "بإمكاني البحث عن صيحات الموضة الجديدة، وكيفية قصّ الأقمشة وتصميم أشياء معينة لم أكن أعرفها"، هكذا قالت قبل أن تضيف أنها تكرر ما قالته لها المُدربة.
المستعمرون الرقميون
ولاية غوجارات هي بلدة غاندي، التي وُلِد وكَبُر فيها الزعيم السياسي، ومنها قاد مسيرة ضد ضريبة الملح التي فرضها المستعمرون البريطانيون عام 1930. أما اليوم، فإن شركات وادي السيليكون، بقيادة جوجل وفيسبوك، تصل وبصحبتها مفتاح المورد الحيوي للقرن 21. وبالقلق حيال بعض أساليبها وخطابتها، فإن النقاد الهنود يُطلقون على تلك الشركات الأميركية لقب "المُستعمرين الرقميين".
اللهجة المُتصاعدة للنقاش تعكس كم أن الأمر على المحك؛ فالهند بتعداد سكان يبلغ 1.2 مليار نسمة، ولديها القدرة على أن تكون أكبر سوق للإنترنت مفتوح في العالم (الصين أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان تقيد الوصول إلى الإنترنت علانية). 2014 كان آخر عام تتوافر بشأنه بيانات، والتي أفادت بأن أكثر من مليار شخص في الهند ليس لديهم خدمة إنترنت، وفقاً للاتحاد الدولي للاتصالات، وهي وكالة تابعة للأمم المتحدة.
يتحدث المُديرون التنفيذيون لدى كل من شركات جوجل وفيسبوك بحماس عن إيصال خدمات الإنترنت للناس في الهند باعتبارها وسيلة لتخفيف حدّة الفقر وتحسين التعليم وخلق فرص للعمل. وحتى الآن فإن دوافعهم مُركّبة. فلدى شركات الإنترنت القدرة على وضع شكل للحياة والحكومات والاقتصاديات بالطرق التي لا يستطيعها مروجو السلع الاستهلاكية الأكثر وضوحاً.
وفي كثير من الأحيان يعملون وفقاً لما يسميه الاقتصاديون أسواق "الفائز يأخذ كل شيء"، وهذا يعني أنه بمجرد تأسيسهم، فإن الشركات تنتفع من تأثير الشبكة، أي أنه حينما يستخدم المزيد من الناس التطبيق سينال المزيد من الجاذبية، ما يترك مجالاً ضيقاً للمنافسة المحلية.
مصير "الخدمات المجانية" لتطبيق فيسبوك، الذي تم حظره من قِبل المُنظمين بالهند في الشهر الماضي، يقدم لمحة عن المعارك الأوسع التي بإمكانها أن تقع في جميع أنحاء العالم النامية، صراع الشركات لكسب ولاء المليارات من المستخدمين المستقبليين للإنترنت.
هل الاتصال حق من حقوق الإنسان؟
في عام 2013 أطلق مارك زوكربيرغ، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك، تقريراً من 10 صفحات بعنوان: "هل الاتصال حق من حقوق الإنسان؟"، وكانت علامة الاستفهام بلاغية؛ حيث قال زوكربيرغ إنه "من خلال إتاحة الإنترنت للجميع فنحن لسنا فقط نحسّن حياة المليارات، ولكننا أيضاً نحسّن أنفسنا بالاستفادة من الأفكار والإنتاج الذي يساهمون به في العالم".
واليوم، فإن الصفحة المملوكة لمارك البالغ من العمر 31 عاماً تمتلئ بالصور من زيارتيه اللتين قام بهما إلى الهند في العامين الماضيين، حيث تعتزم شركته تحويل تلك الرؤية إلى حقيقة واقعية. فتجد مارك يزور تاج محل، ومارك يجيب عن الأسئلة في جلسة عامة مع الطلاب في نيودلهي، ومارك يستضيف قمة عالمية لمبادرته "Internet.org" لربط العالم. كما تجد من سبتمبر/أيلول الماضي، مارك يُرحب برئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي، في مقر شركة فيسبوك بوادي السيليكون.
وتُعد الهند أيضاً مبلغ طموح شركة جوجل لتقديم الإنترنت إلى "المليار التالي"، هذا المشروع الذي يُركز على الهند وإندونيسيا والبرازيل. راجان أناندان، رئيس فرع شركة جوجل في الهند وجنوب شرق آسيا، والبالغ من العمر 47 عاماً، يُشارك الطريقة الحماسية التي ينتهجها زوكربيرغ، فيقول: "كي نفي بوعدنا لمواطنينا، نحن بحاجة للتأكد من أنه بإمكانهم الاتصال بالإنترنت".
ولا تردد الشركات وجهة نظر الأمم المتحدة فحسب، التي تشمل خدمة الإنترنت الشاملة في جدول أعمال التنمية لعام 2030، ولكنها تردد أيضاً ما تقوله الحكومة الهندية، التي لديها استراتيجية طويلة المدى – على الرغم من تأخرها كثيراً – حيال تطوير "الهند الرقمية".
ولكن وادي السيليكون مصمم على التحرك بشكلٍ أسرع. فجوجل وفيسبوك يجلسان على تلال المال، كما أنهما في وضع آمن من حيث هيمنتهما على الأسواق الغربية، وهما مستمرتان في مجموعة متنوعة من الخطط المنفصلة.
وتهدف جوجل، بمساعدة منظمة Tata Trusts غير الحكومية، إلى استخدام دراجات الإنترنت للوصول إلى النساء في 100 ألف قرية بحلول نهاية العام الجاري (فالوصول إلى النساء أصعب في الأماكن الريفية)، وتأمل الشركة أيضاً بإطلاق تجربة تسمى تكنولوجيا "مشروع لون" هذا العام، عبر إرسال البالونات في سماء الهند لتبث الإنترنت إلى المناطق النائية، وصارت أيضاً على شراكة مع وزارة السكك الحديدية لتقديم خدمة "واي فاي" عالية السرعة في 100 محطة قطار هذا العام.
معظم مشاريع شركة فيسبوك رفيعة المستوى كانت "مجانية"، فتطبيق المحمول الذي كان جزءاً من مبادرة الشبكات الاجتماعية Internet.org يستخدمه فيسبوك لتقديم حرية الوصول إلى موقع فيسبوك ومجموعة أساسية من مواقع أخرى مثل ويكيبيديا، بي بي سي نيوز، أكيو ويذر ومواقع شبكات الاتصالات الشريكة.
منذ إطلاق مبادرة الإنترنت في زامبيا في عام 2014، تم تقديم خدمة الإنترنت المجاني إلى 38 دولة من بينها الهند (بالشراكة مع شركة ريلاينس للاتصالات)، وكينيا (مع شركة بهارتي ايرتل)، وإندونيسيا (بالتعاون مع إندوسات). كما تعمل الشركة أيضاً مع شركات الاتصالات لإمداد المزيد من القرى بخدمة "واي فاي"، وبيع ساعات الإنترنت من خلال أصحاب المشاريع في تلك المناطق، كما لديها مشروع جوي، يشمل صناعة طائرات دون طيار تعمل بالطاقة الشمسية لربط المناطق النائية بالإنترنت.
"هناك حاجة لتوفير الاتصال لملايين من الهنود، وهو ببساطة ما لم يحدث طيلة 10 سنوات ماضية عبر القطاع العام"، هكذا يقول آرون موهان سوكومار، رئيس مبادرة الإنترنت لدى مؤسسة Observer Research Foundation، وهي مؤسسة بحثية مقرّها دلهي، ليتابع "إنه لأمرٍ لا مفر منه، فالشركات التي ستوفر هذا النوع من الخدمات ستكون كبرى شركات زمننا، وهما جوجل وفيسبوك".
استثمار وليس عملاً خيرياً
وفي الوقت الذي يتحدث فيه المديرون التنفيذيون بوادي السيليكون عن خدمة الإنترنت الشامل بلهجة إنجيلية خيرية، لكن ما تفعلانه في الحقيقة يعكس منطقاً تجارياً قوياً للاستثمار في مجال الاتصالات بالهند وغيرها من الأسواق النامية. والأهم من ذلك، أنهما توفران فرصة لكسب مئات الملايين من مستخدمي الهواتف الذكية الجديدة نسبياً في الهند.
وتعاني فيسبوك في عالم تسيطر فيه شركة جوجل على الوصول إلى المستهلكين عبر نظام التشغيل المملوك لجوجل الذي يهيمن على السوق، تماماً مثلما تناضل شركة جوجل لجمع البيانات من مستخدميها، إن قضوا كل أوقاتهم يستخدمون تطبيق "واتساب" المملوك لشركة فيسبوك.
وعلى الرغم من أن سوق الإعلان الرقمي في الهند يُعد صغيراً في الوقت الحاضر، حيث وصل إلى 940 مليون دولار فحسب العام الماضي، وفقاً لشركة أبحاث eMarketer، فإن فيسبوك بالفعل يتحدث بحماس عن اعتماد الشركات متعددة الجنسيات مثل كوكا كولا ونستله على إعلانات فيسبوك التي تستهدف الهنود في المناطق الريفية.
كيران جونالاجاد، وضع بعض الزبدة في قهوته السوداء، بحسب موضة أخصائيي الحمية في وادي السيليكون. كيران البالغ من العمر 37 عاماً مُهندس برمجيات "بالهواية"، وهو المنظم لمؤتمر تقني أقامه نشطاء بمجال التجارة والإنترنت، في طابق علوي من مقهى في مدينة بنغالور، عاصمة التكنولوجيا الهندية جنوبي البلاد. كان يرتدي قميصاً أزرق بأكمام قصيرة مع سماعات تخرج من ياقة قميصه البيضاء، مُرتدياً أسورة من طراز Fitbit على معصم يده، وساعة ذكية على المعصم الآخر، بينما يشرح كيف انتهى إلى أن فيسبوك يستحق أن يُطلَق عليه لقب "المُستعمر الرقمي".
"الاستعمار من منظور اقتصادي هو استخراج الموارد الخام وبيعها للمستهلك دون خلق طبقة رأسمالية وسيطة"، هكذا يقول مُضيفاً: "هذا هو بالضبط ما يجري؛ إنهم يريدون البيانات الخام من المستهلكين، ويستخلصون منها المعلومات الشخصية، ويريدون بيع خدماتهم؛ ولكنهم لا يرغبون في الوسطاء".
والطبقة الرأسمالية التي يشعر جونالاجادا بخسارتها في خطة فيسبوك، بحسب وجهة نظره، قد أُنشئت في بنغالور، تلك المدينة التي تتطور من كونها موقعاً مفضلاً للشركات الغربية، إلى مركز صاخب للشركات الناشئة المحلية. وكان جونالاجادا واحداً من 4 أعضاء أساسيين بمجموعة Save the Internet التي تتكون من نحو 100 ناشط ممن حاربوا وانتصروا في معركة خاضوها ضد فيسبوك في فبراير/شباط الماضي.
فقال الناشطون إن شركات الاتصالات لا ينبغي أن تكون قادرة على توفير بعض المواقع أو التطبيقات مجاناً في الوقت الذي تتقاضى فيه ثمن كافة استخدامات الإنترنت الأخرى؛ لأنهم عبر ذلك يخلقون نظاماً مزدوجاً لمستويات الوصول إلى الإنترنت. ضغطت المجموعة من أجل "حيادية الشبكة"، وهو مبدأ واسع يقول إن استخدام الإنترنت يجب أن يلقى المعاملة نفسها بالمساواة، وقد تم اعتماده كقانون في عدد من الدول من الولايات المتحدة إلى هولندا.
لم يقصد الفيسبوك أبداً أن يُحارب "حيادية الشبكة". وفي الواقع، وبالولايات المتحدة، ضغطت الشركة من أجل تحقيق "حيادية الشبكة"، وعلى الصعيد العالمي ربما ستخسر المال إن تم المساس بذلك المبدأ، فهذا سيسمح مثلاً بفرض شركات الاتصالات رسوم إضافية على تطبيق "واتساب"، لضيقهم من خسارة عائدات استخدام خدمة الرسائل النصية القصيرة بالهواتف SMS.
الخدمة المجانية سبيل لجذب الناس
وبحسب كريس دانيلز، نائب رئيس شركة فيسبوك البالغ من العمر 40 عاماً، الذي يشرف على مبادرة Internet.org، فقد رأت الشركة سياسة الخدمة المجانية سبيلاً لجذب الناس إلى الإنترنت.
وقال دانيلز: "ما كنا نريد القيام به هو بناء منتجات من شأنها التغلب على تحدي الوعي"، وتابع في حديث له أجراه في مقر مكتب فيسبوك بمدينة مينلو بارك: "الأمر الذي نريد القيام به هو أن نمنح الناس فرصة المحاولة والاكتشاف لما هو على الإنترنت من أجلهم، ثم سيصبحون من مُستخدمي الإنترنت".
تم إطلاق الخدمات المجانية بسلاسة في معظم البلدان، ولكن في الهند سرعان ما أصبحت مثيرة للجدل، حيث بدأ نشطاء ومؤسسو شركات ناشئة في مساءلة الشركة عن دوافع فيسبوك لتقديم مثل هذه الخدمة المفتوحة من الإنترنت، وردت الشركة بقوة بشراء إعلانات الصحف الكبيرة للرد على مزاعم النشطاء، واستخدام ملصقات في أرجاء المدن الكبرى، ومطالبة مستخدمي فيسبوك بإظهار دعمهم للمنظمين.
وجاءت اللحظة الأكثر إحراجاً لفيسبوك بعد حظر نظام الاتصالات في الهند لما يُطلق عليه اسم "التسعير التفاضلي" الذي يتم إجراؤه من قبل شركات الانترنت، في فبراير/شباط، ما يترتب عليه عرقلة مخطط الخدمات المجانية لفيسبوك. وقالت الشركة إنها أصيبت بخيبة أمل إثر القرار ولكنها ستتابع مشاريع الاتصال الأخرى في الهند.
وحينها أثار مارك آندرسن، المستثمر وعضو مجلس إدارة فيسبوك، غضب الكثيرين من خلال تغريدة على موقع تويتر قال فيها: "إن مكافحة الاستعمار ألحقت الكوارث الاقتصادية بالشعب الهندي على مدى عقود. لماذا تتوقف الآن؟"، وسرعان ما أدان زوكربيرغ هذا التعليق ووصفه بأنه "مزعج للغاية".
اعتذر آندرسن، ولكن جونالاجادا يقول إن تعليقاته أقنعت العديد بأن فيسبوك يستحِق أن يُطلق عليه لقب المُستعمر. فقال: "ما فعله آندرسن وما فعله الجميع أقنع الناس بأن المصالح التجارية لهذه الشركات ليست هي المصلحة الوطنية للهند".
إيصال الإنترنت للجماهير ليس سهلاً، فالوصلات تحتاج إلى الحفر، والمواقع تحتاج إلى الترجمة، وحتى القرود تحتاج إلى ترويض. (جونالاجادا كان قد عمل على مشروع بالتعاون بين القطاع العام والخاص لإنشاء مراكز للإنترنت في القرى الهندية عام 2007، وهناك تعلّم أن القرود تحب ضرب أطباق الاستقبال (الدش) على أسطح المباني).
300 مليون فقط يستخدمون الإنترنت
من بين سكان الهند البالغ عددهم 1.2 مليار نسمة، يوجد أكثر من 300 مليون (يتركزون بشكل رئيسي في المناطق المدنية، والعليا أو الوسطى) يستخدمون الإنترنت، وفقاً لمنظمة Internet and Mobile Association. وتزدهر صناعة التكنولوجيا في بنغالور بفضل مجموعة من رجال الأعمال، في حين أن الكثير من الهنود قد خاضوا حياتهم المهنية الناجحة في شركات تكنولوجية في الولايات المتحدة (بما في ذلك الرئيس التنفيذي لشركة جوجل ساندر بيتشي، وساتيا نادالا رئيس شركة مايكروسوفت، فكلاهما ولد في الهند، وسافر إلى الولايات المتحدة للدراسات العليا).
وفي جميع أنحاء البلاد يتزايد انتشار الإنترنت بنسبة 2% إلى 3% منذ عام 2010، وفقاً لبيانات الاتحاد الدولي للاتصالات. وهذا الارتفاع مدفوع بالنمو الاقتصادي القوي في الهند وانخفاض أسعار الهواتف الذكية، فقد تجاوزت الهند الولايات المتحدة عام 2015 لتصبح ثاني أكبر سوق للهواتف الذكية، وفقاً لأبحاث مركز Counterpoint.
وبحسب تقرير صادر عن شركة Deloitte، بتفويض من فيسبوك؛ فإن انتشار الإنترنت في الهند امتد إلى مستويات لم تُشْهَد في الدول المتقدمة، وبإمكانها مضاعفة معدلات النمو في البلاد، بإضافة 500 دولار للفرد الواحد كنصيب من الناتج الإجمالي المحلي سنوياً، وحتى الآن فالبرامج الموجودة لمد التكنولوجيا إلى جميع أنحاء البلاد التي تُنظمها الحكومة الهندية، وشركات الاتصالات، ومنظمات المُجتمع المدني تتحرك جميعاً بخطى متباطئة.
وهذا التقدم البطيء يعد أحد الأسباب التي دفعت العديد من النشطاء إلى التراجع عن الرفض التام لجهود وادي السيليكون لنشر الإنترنت.
وتشارك مدرسة تمولها الحكومة في مدينة ناند ناجري، في نيودلهي، ببرنامج "المعادل الرقمي" الذي تم العمل به لمدة 14 عاماً من قبل مؤسسة الهند الأميركية، وهي منظمة غير حكومية. وهناك في أحد الفصول المظلمة من فناء مفتوح، يجلس الفتيان والفتيات في زيّ موحّد باللون الكستنائي على سجادة في غرفة معروفة باسم "المعمل" الرقمي، الذي يحتوي على جهاز كمبيوتر واحد وجهاز عرض واحد، وفي الطابق العلوي، كانت هناك وعود منذ فترة طويلة، تم الإيفاء بها مؤخراً بتوفير غرفة للكمبيوتر تمولها الحكومة وتشمل 11 جهازاً يعملون بالنسخة القديمة من نظام تشغيل Windows، ويقول المشرف على معمل الكمبيوتر إن الفيروسات منعتهم من تحميل جميع البرامج التي يحتاجون إليها.
وبتشجيع من المعلمين، فإن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و14 عاماً، متحمسون بإخلاص للتعليم الرقمي ويعتبرونه أكثر جاذبية من الكتب المدرسية. ولكن من الواضح أن البعض منهم قد تعلم المزيد عن التكنولوجيا خارج الفصول الدراسية، من ألعاب الإنترنت وباستخدام فيسبوك على الهواتف النقالة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة. ويقول معظمهم إنهم يستخدمون فيسبوك للدردشة، ومشاركة الصور وجدولة الأحداث الأسرية، ولكن فتى واحداً صغيراً للغاية، ويبلغ من العمر 13 عاماً، قال إنه يستخدمه لتبادل أفكاره. "عن ماذا؟"، كان ذلك السؤال الذي أجاب عليه: "عن الله" بين ضحكات من زملائه.
نقود وتكنولوجيا شركات وادي السيليكون تتحرك بسرعة وبإمكانها التعجيل من الاعتماد على الإنترنت. فتتحدث جوجل وفيسبوك عن مئات الآلاف من المجتمعات عندما يناقشون مشاريع الاتصال للعامين المقبلين فحسب.
فبإمكان شركات التكنولوجيا أن تستثمر في مشاريع واسعة النطاق كما بإمكانها توظيف المواهب لتصميم الأقمار الصناعية والطائرات دون طيار والبالونات التي يمكن نشرها في جميع أنحاء العالم، وبالنسبة لفيسبوك وجوجل، فإن قدر المال المخصص لذلك قليل نسبياً.
"حكومة الهند تقرر ما تفعله، ونحن نتبع الإرشادات"، هكذا يقول سيث، الذي عمل لدى شركة Alcatel-Lucent في الهند قبل أن ينضم إلى فيسبوك. وتابع: "أما فيما يتعلق بالسؤال حول ما إذا كنت أرى هذا الحكم عائقاً كبيراً في المستقبل القريب، فإن الإجابة هي: لا، لا".
فيسبوك لن يتراجع عن مهمته في الهند. أعلن سيث الذي أضاف إنه لا يهتم ما إذا كان الناس الذين يساعدهم على الاتصال بالإنترنت يستخدمون فيسبوك أم لا؛ ولكنه يعتقد أنهم على الأرجح سيفعلون ذلك في النهاية. وقد عاد لتوّه من أسبوع قضاه فيما سمّاه "المناطق النائية" من المناطق الريفية في الهند. وسيث منشغل بإطلاق خدمة Express Wifi، حيث ينضم بها فيسبوك إلى مزودي خدمات الإنترنت المحليين، لتزويد ساحات المناطق الريفية بخدمة "واي فاي"، ما يساعد القرويين على شراء أوقات بسيطة من الوصول للخدمة.
وكان حريصاً بشكل واضح على دحض الاتهامات بأن فيسبوك لا يفهم الهند، فأشار سيث في الملصقات الاعلانية لخدمة Express Wifi، قائلاً: "إنك ترى أن المحتوى بالصيغة المحلية، فهم هنود". يستخدم فيسبوك اللهجة العامية، والإشارات تَرِدُ باللغة المحلية، وبعض أجزاء الشبكة أُنشئت باستخدام الأجهزة المصممة في الهند.
وفي الليلة السابقة لذلك؛ كان زوكربيرغ يرجّح في منشور عبر الموقع من أن الشركة كانت تحاول تعلم الدروس من إخفاق الخدمة المجانية.
فكتب زوكربيرغ: "بينما ينمو نشاطنا في الهند، اكتشفت تقديراً عميقاً للحاجة إلى فهم تاريخ الهند وثقافته، يُلهمني هذا الكم من التقدم الذي أحرزته الهند في بناء أمة قوية، وأكبر ديمقراطية بالعالم، وأتطلع إلى تعزيز ارتباطي بالبلد".
وفي الهند تحتاج شركات التكنولوجيا أيضاً إلى الاعتراف بأن بعض التحديات المانعة للاتصال الشبكي على نطاق واسع سوف تستغرق وقتاً طويلاً لحلها. فطالما أن إمدادات الكهرباء في بعض المناطق ليست مُكتملة، ولا يُعتمد عليها، فإن ذلك سيعيق توصيل الإنترنت بدوره، وبالمثل، فإن القرويين في المناطق الريفية الذين لم يتعلموا القراءة والكتابة لن يكونوا قادرين على الاستفادة الكاملة من شبكة الإنترنت، حتى وإن كانت متوافرة. فجوجل، على سبيل المثال، قد كافحت في بعض المناطق لإيجاد ما يكفي من النساء المتعلمات لمنحهن دراجاتها الزرقاء.
شاراد شارما، كان نائب رئيس Yahoo، ويدير الآن منظمة iSPIRT لتجارة البرمجيات ومقرها بنجالور، ويقول إن كان فيسبوك وجوجل مستعدين لاستثمار أموالهما لما أطلقتا فكرة الخدمات المجانية، وإن كانتا تحاولان حقاً فهم المشكلات الهندية دون فرض إرادتيهما، فستكونان مقبولتين حينها، وتابع: "أي شخص يأت لحل المشاكل الهندية مُرحَب به بأذرع مفتوحة".
في محطة للسكك الحديدية في مومباي الوسطى، بدأت جوجل للتو توفير اتصال واي فاي عالي السرعة، فهي الأولى بين 100 محطة ستتلقى خدمة واي فاي من خلال شراكة جوجل مع شركة RailTel، وهذا المشروع قد ذكر في الميزانية الهندية كمثال على الشراكة بين القطاعين العام والخاص. استغرق الإعداد للمشروع 3 أعوام، وهو يوفر نوعاً من خدمة الإنترنت التي يسعى إليها الهنود.
في 17:30، وبينما تستعد المحطة لساعة الذروة التي تفوح منها رائحة العرق، ويصل الناس لاستقلال القطارات التي تقطع المسافات الطويلة إلى دلهي، كانت ثمة عائلة واحدة لا تنتظر القطار في المحطة؛ بل جاءت من أجل خدمة الواي فاي. يتزاحم حول الهاتف الذكي أم وأطفالها الثلاثة ليشاهدوا فيلماً من بوليوود يتم بثّه على محطة واي فاي، بينما الأب يقوم بعض المهام في مكان قريب. ينكشف التسلسل الدرامي والرقصات تُدهش والفيديو يستمر في بثّه دون انقطاع ولو لثانية.
هذه المادة مترجمة عن صحيفة "فايننشال تايمز" الأميركية.