درست الهندسة 3 سنوات مقتنعاً بـ3 كذبات!

أنا طالب هندسة صناعية سابقاً، اكتشفت خلال دراستي موهبة الصحافة وبقيت أتجرع عذاب بقائي في كلية الهندسة وتأخري بالاستجابة لنداءات صوتي العميق من الداخل لثلاث سنوات مقتنعاً بثلاث كذبات اعرضها عليكم على التوالي:

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/18 الساعة 02:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/04/30 الساعة 09:20 بتوقيت غرينتش

سألني أحد الأصدقاء: لماذا تعمل في الإعلام بمبلغ زهيد، هل يستحق كل هذا العناء؟ أجبته وقلت: لم يخطر في بالك سؤال لماذا تركت كلية الهندسة وتوجهت لكلية السينما والتلفزيون؟!

تستحق التأمل!

أنا طالب هندسة صناعية سابقاً، اكتشفت خلال دراستي موهبة الصحافة وبقيت أتجرع عذاب بقائي في كلية الهندسة وتأخري بالاستجابة لنداءات صوتي العميق من الداخل لثلاث سنوات مقتنعاً بثلاث كذبات أعرضها عليكم على التوالي:

الكذبة الأولى: المزج بين التخصص والهواية

في بداية كل سنة جديدة أحاول أن أكذب على نفسي وأصدق كذبة أقاربي وكذبة كل من يبرر فشله بأني أستطيع أن أدرس شيئاً وأعمل بشيء آخر بحجة المزج بين الهواية والتخصص.. لذلك أقول لكل من لديه حلم مختلف عن تخصصه الدراسي وما زال على مقاعد الدراسة: إياك أن تصدق هذه الكذبة يا عزيزي.. عليك أن تعلم أن التركيز على نقاط القوة سيعطيك نتيجة ثلاثة أضعاف التركيز على نقاط الضعف، وأنك ستقفز قفزة الألف ميل من أول خطوة وستبدأ بالألف الأخرى من الأميال في طريقك للوصول للعالمية!

الكذبة الثانية: المال الطائل

عندما نتحدث عن كذبة المزج بين التخصص والهواية فنحن غالباً نتحدث عن السبب الذي يدفع المجتمع للاعتقاد بصحتها، وأنا أقصد التخصصات التي بنظر مجتمعاتنا العربية تجني المال الطائل مثل الطب والهندسة، وهذه الاعتقادات هي أخطر سُم يقتل إبداعات شبابنا في الوطن العربي ولكل حر ينوي الإقلاع عن عبودية الاعتقادات الخرافية أقول: لا تصدق هذه الخرافات وكن على ثقة أن المال يجري وراء الإبداع.. وكم من رسام مبدع أو حتى مصور يجني أموالاً في الصورة الواحدة لا يستطيع طبيب جراح أن يجنيها في عمل سنة كاملة.. فكم مهندس "عادي" وكم مهندس مبدع.. وكم مبدع من كل ألف "عادي".. نعم يا صديقي كن أنت الاستثنائي واسبح عكس التيار، واعلم أن الأفكار الجديدة دائماً تحارب وثق أن التقليد لا يضيف شيئاً في عالم لا يتسع لتكرار النسخ من البشر!

الكذبة الثالثة: المسميات المفخمة

عندما ننتهي من كذبة المزج والمال، فإننا ننتقل لكذبة المسمى الوظيفي وأكاد أكذب لو قلت الوظيفي، ففي مجتمعاتنا العربية لا توجد مسميات وظيفية، إنها المسميات المفخمة التي يكذبون بها على أنفسهم، ولك يا صديقي أقول لا تصدق من يغريك بالاسم التقليدي ماذا ستستفيد عندما يقولون عنك مهندساً أو طبيباً وأنت لا تملك سوى سيارة عادية بالأقساط وبيت عادي بالإيجار وكل ما تملكه متواضع، المسميات هذه هي أيضاً من تقتل الإبداعات وتصرف نظر شبابنا عن التوجه للتخصصات الأخرى المملوءة بألوان الحياة الحمراء والصفراء والخضراء والجورية، ثق دوماً بأن لكل مبدع استثناءً، وتخيل معي.. فعند تواجد شخصية مهمة سواء إعلامية أو سياسية أو فنية في وسط أطباء ومهندسين في قاعة واحدة فيها حضور شعبي على من سيكون التركيز ومع من سيتصور الناس وعلى من سيتسابقون للحصول على توقيعه!

قبل سنين قريبة سألت أحد الأصدقاء من منتسبي تخصص هندسة العمارة، لماذا تركت العمارة واتجهت لتخصص علم الحاسوب، قال ببساطة شاهدت فيلماً عن هذا التخصص ورأيت كم هو هائل واقتنعت بأني لست رجل العمارة واكتشفت أني رجل الإلكترونيات، ومن وقتها وأنا أشاهد ذلك الصديق وهو مستمتع بحياته ويحقق النجاحات باستقلالية وتميز.

ومن قبله حسين طه في قناة الجزيرة والذي درس الهندسة لسنة ثم الطب لسنة ليستقر به المطاف بالصحافة، وهو من أعلام قناة الجزيرة الآن، ومن قبله العديد من المصورين والمخترعين والمبتكرين الذين تجرعوا مرارات دراستهم تخصصات غير هواياتهم، ولكنهم وصلوا وأدركوا أنفسهم لأنهم أحرار استثنائيون.

ولكل متردد في اتخاذ قرار مصيري يتعلق بالتخصص أنصح بمشاهدة فيلم idiot3 وهو فيلم هندي من إنتاج بوليوود، يحكي قصة ثلاثة أصدقاء في كلية الهندسة اتخذوا قراراتهم الداخلية في النهاية وتغلبوا على خوفهم وتوجه أحدهم لمواجهة والده برغبته في مهنة التصوير الفوتوغرافي لينتهي المطاف به إلى العالمية في التصوير، والآخر إلى العالمية في كتابة الروايات والأخير إلى العالمية في الاختراع!

نعم تغيرت، أقصد تحررت.. من منكم يستطيع الاستجابة لنداءات صوته الداخلي ولأحلامه التي تراوده.. من يستطيع تغيير الأحلام لحقيقة وتخصص الدراسة إلى لعبة.. من منكم يستطيع إيقاف ترهات المجتمع وأمراض المسميات والألقاب.. من منكم يستطيع أن يقول لا.. نعم لا.. أنا أريد أن أكون فقط ما أريد.

نعم أقولها بصوتٍ عال ودون خوف وبكل قوة استجبت لصوتي الداخلي بالتوجه لما أحب، أحلق بحرية فوق السحب، أمشي وأقفز، أغني وأعزف وأقيم حفلة داخلية لا يعلم بها أسرى الأحلام من الناس لدى زنازين الخوف من اتخاذ القرارات الشجاعة التي ستجعلهم أحراراً دون عبودية الثقافات المتخلفة التي تعيدنا آلاف السنين للوراء.. ولك يا عزيزي القارئ أن تتخيل كمًّا من الهموم المثقلة أزيحت عن كاهلي.. كم السعادة والطاقة التي أملكها الآن، وإن أردت أن تتخلص من ملل الوظيفة وضيق الصدر وعبودية الاعتقادات إلى استقلالية المواهب والتحليق في فضاء النجوم المضيئة.. اتخذ قرارك الشجاع.

تحميل المزيد