المغرب والجزائر: تاريخ مشترك وحاضر ممزق

لا يسعني ختاماً إلا أن أناشد صوت العقل بالمغرب والجزائر، صوت عقل الشعوب فنحن الاستمرارية.. نحن الأمل.. كفى من لعبنا دور عسكر رقعة الشطرنج.. يدي كمغربي ستظل ممدودة للإخوة هناك.. كيفما كانوا سواء عقلاء أو مدجنون.. فنحن نتشارك في العقل والتدجين.. وفي الانتماء أيضاً.. سلام ابن عمّي.

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/18 الساعة 04:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/18 الساعة 04:45 بتوقيت غرينتش

من المؤكد أن العداء بين بلدين لا يأتي صدفة أو بدون مسببات مدروسة، خصوصاً حين نتحدث عن دول عاشت الاستعمار. ولعل التوترات المتتالية والمستمرة بين الجارتين المغرب والجزائر خير مثال في هذا الباب.

لنعدْ قليلاً إلى الوراء وبالضبط إلى 1844، وحرب إيسلي التي دارت في شهر أغسطس/آب من نفس السنة، وهي المعركة التي واجه فيها المغاربة عسكر الفرنسيس تضامنا مع المجاهد الجزائري ورفقائه الأمير عبدالقادر، ومُني فيها المغاربة بهزيمة نتج عنها إرغامهم على توقيع معاهدتين، معاهدة طنجة في 10 سبتمبر/أيلول 1844 ومعاهدة للامغنية مارس/آذار 1845، وكذلك تخليهم عن مؤازرة الأمير عبدالقادر، والذي سيُلقى عليه القبض فيما بعد من طرف فرنسا.

بل وزادت فرنسا على ذلك بما يمكن وصفه بداية النزاع المغربي الجزائري عبر اقتطاع أراضٍ مغربية وضمّها للجزائر، وترك أخرى غير تابعة لأي طرف لكي تضمن مستقبلاً مشكل حدود وترسيمها بين البلدين، وهو الأمر الذي قاد مباشرة لحرب الرمال التي اندلعت في أكتوبر/تشرين الأول 1963 بين الجارتين الشقيقين، والتي كان من بين أسبابها أيضاً اقتراح فرنسي -مرة أخرى- على المغرب بإعادة الأراضي التي سُلبت منه سابقاً مقابل تخليه عن دعم ثورة تحرير الجزائر، اقتراح قوبل بالرفض من الملك المغربي الراحل محمد الخامس، الذي فضل التفاوض المباشر مع قادة الثورة الجزائرية.

وقد تعهد فرحات عباس، رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة آنذاك كتابيًّا بأن "الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية تعترف من جهتها بأن مشكلة الأراضي التي أقرت فرنسا حدودها بصفة جائرة، سيتوصل إلى حل في شأنها عن طريق المفاوضات بين حكومة المملكة المغربية وحكومة الجزائر، عندما تحصل الجزائر على استقلالها". لكن بعد صعود "أحمد بن بلة" لرئاسة الجزائر لم يلتزم بما تعهد به "فرحات عباس"، فبدأت الأمور تسوء بين البلدين، أمر قاد إلى حرب أُزهقت فيها أرواح الأشقاء وسالت دماء رفقاء محاربة الاستعمار والتحرير وكانت بداية مسلسل توترات مستمرة.

ووجبت الإشارة إلى أمر أظنّه مهمًّا وساهم في تشكيل ثقافة العداء وهو الاختطاف الجوي الذي قامت به فرنسا لزعماء الثورة الجزائرية بعد مغادرتهم اجتماعاً بين المغرب وتونس لمؤازرة الجزائر. وكذلك استعمال فرنسا لبعض الجزائريين الذين هربوا من بطش الاستعمار إلى المغرب، استعملتهم فرنسا لزعزعة الأمور وكانوا يلقبون بـ"دوزيام فرنسيس".
وبالمقابل أطلق جزائريو المغرب على المغاربة "شعب سيدي" كتلميح لطقوس السلطان والرعية وتقبيل الأيادي.

كل ما سبق ذكره، كان لمحة تاريخية صغيرة جدًّا عن أصل المشكل وسببه، وكيف أن الاستعمار الفرنسي هو من خلق العداء. وفرنسا إلى يومنا هذا ما زالت حريصة على عدم تصفية الأجواء بين البلدين الشقيقين، لأنها تعلم يقيناً أن أي تقارب أو اتحاد سيضر بمصالحها وسينتج قوة إقليمية يحسب لها ألف حساب.
ولكن ما دور النظامين هنا وهناك؟

النظامين الجزائري دعم ويدعم البوليساريو وتقطيع المغرب عبر المطالبة الدائمة والمستمرة بتقرير مصير الصحراويين، رغم علمها اليقين بأن الأمر مفتعل وأن التاريخ شاهد على مغربية الصحراء، وجعل من المغرب شماعة يعلق فيها الاستبداد والديكتاتورية، التي يعيش على إيقاعها الشعب الجزائري جراء حكم الجنرالات والمؤسسة العسكرية الحاكم الفعلي هناك.

وفي المقابل النظام المغربي، وبعد أخطاء كانت في الماضي، من بينها تخليه عن الصحراويين، وترك فرصة تكوين جيش تحرير الساقية الحمراء وواد الذهب أو ما يعرف اختصارا بـ"البوليساريو"، أثناء الحكم الإسباني للأقاليم الجنوبية، من مجموعة من الوطنيين من أجل تحرير المناطق الجنوبية. بل وزاد على ذلك تعامله غير الموفق مع المشكلة، حيث إنه ينهج الطريقة نفسها في كل مرة وينتظر نتائج مغايرة، معتمداً على سياسة الريع السياسي والاقتصادي للأعيان في الصحراء من رُخَص نقل وصيد وعدة امتيازات لا مجال هنا لحصرها.

وبالعودة للتوتر الآني الجديد، وبعيداً عن العاطفة فتصريح "بان كي مون" الذي وصف فيه الصحراء بالبلد المحتلّ مما أشعل غضب الرباط، وأدى إلى خروج آلاف المغاربة للشارع من أجل التظاهر ضد تصريحات "بان كي مون" الأمين العام للأمم المتحدة، في مسيرة ضخمة تخللتها إساءات لشخص "بان كي مون"، وهو الأمر الذي عبر عنه هذا الأخير عبر ناطقه الرسمي وكذلك في بيان رسمي نشر على موقع الأمم المتحدة.

وكمغاربة نعلم أن تصريف الأمور السياسية المتأزمة بالمغرب والاحتقان الذي يتزايد يوماً بعد يوم (خصوصاً بعد تبخر حلم الإصلاح الذي وعد به المغاربة بعد حراك 20 فبراير/شباط 2011)، يلزمه متنفس يجمع الشتات، ويخلق ذريعة للحكومة، ولا وتر أكثر طرباً وحساسية من وتر ملف الوحدة الترابية والتي يظن البعض أن الملف سيحل بـ"عاش الملك" والهتاف بمغربية الصحراء والأناشيد الوطنية من نوع "صوت الحسن ينادي".

وفي الجارة الشقيقة الجزائر أيضاً، هناك أزمات اجتماعية خانقة على كثرة الموارد الطبيعية والاقتصادية التي تزخر بها البلاد، إلا أنها تعاني مثلنا تماماً من غياب للعدالة الاجتماعية، وتوسع هوة الفوارق الطبقية، وكما هو الحال بالمغرب يتم تشغيل أسطوانة الجار المغربي الذي يريد بنا شرًّا من أجل تصدير الأزمات الداخلية والاحتقان الاجتماعي، الأسطوانة التي تم الاشتغال عليها لعقود حتى تضمن فعاليتها في كل مرة.

لكن أين نحن كشعوب من كل هذا؟ هنا وهناك تدجين إعلامي لا يختلف حوله عاقلان، أنتج مواطنين من السهل توجيههم وتجييشهم، رغم أن كل ما سبق يوضح بما لا يدع مجالاً للشك، أن الحكومات بالرباط والجزائر العاصمة، هما الرابح الأكبر من التوترات والاحتقان، حتى يضمنا الالتفاف حولهما وتمرير ما أُريد له أن يمرر.

وفي تقديري الشخصي، مشكل الصحراء هو مشكل لن يحل إلا بحوار مباشر وصريح بين كل الأطراف سواء البوليساريو وحاضنتها الجزائر أو المغرب، المغرب الذي يجب أن يفتح حواراً وطنيًّا شاملاً قبل ذلك، تشارك فيه كل قوى الوطن على اختلاف وجهات النظر حول الموضوع، لأن هذا الاستحواذ المركزي على موضوع الصحراء طيلة عقود أنتج فشلاً ومهازلَ ربما آخرها مصافحة باردة كالثلج بين وزير الخارجية المغربي و"بان كي مون"، أظهرت الحضيض الذي وصلته دبلوماسية الرباط.

ولا يسعني ختاماً إلا أن أناشد صوت العقل بالمغرب والجزائر، صوت عقل الشعوب فنحن الاستمرارية.. نحن الأمل.. كفى من لعبنا دور عسكر رقعة الشطرنج.. يدي كمغربي ستظل ممدودة للإخوة هناك.. كيفما كانوا سواء عقلاء أو مدجنون.. فنحن نتشارك في العقل والتدجين.. وفي الانتماء أيضاً.. سلام ابن عمّي.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد