مع حلول الذكرى الخامسة للثورة السورية شهد الأسبوعان الأخيران عودةً للحراك المدني كأحد أهم خطوط الثورة السورية، حيث شهدت العديد من مدن وبلدات سوريا الواقعة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام مظاهرات وُصف بعضها بالحاشدة، رُفعت فيها أعلام الثورة وشعاراتها الأولى المتمثلة في المطالبة بإطلاق الحريات وإسقاط النظام، في رسالة أراد منها السوريون التأكيد على أن وقف القصف من قبل النظام كفيل بعودة العمل المدني إلى الشارع.
وعلى الطرف الموازي تشهد العاصمة السورية دمشق ومربعها الأمني، وبشكل غير منقطع منذ سنوات، حراكاً مدنياً ونشاطاً مستمراً يهدف لإخبار العالم بأن الثورة مازالت هناك أيضاً.
"عربي بوست" التقت عدداً من الناشطين في مدينة دمشق وتعرفت على تجربتهم.
* استخدمت "عربي بوست" أسماء مستعارة للحفاظ على سلامة الناشطين.
الأهمية في الاستمرار
شهد الحراك الثوري تغيراً كبيراً في آلية العمل ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، الأمر الذي تشير إليه روز (24 عاماً) لـ"عربي بوست".
وتقول إن "الانتشار المكثف لحواجز التفتيش وعناصر الشبيحة، أو لما بات يُعرف بـ(قوات الدفاع الوطني) دفعنا إلى تغيير التكتيك العام دون الانتقاص من الروح الثورية أو من مطالبنا المتمثلة في رحيل النظام".
انعدام قدرة المدنيين على تنظيم المظاهرات نتيجة القمع العنيف وحالات الاعتقال الطويل دفعَا روز وأصدقاءها إلى خلق وسائل جديدة عبّروا من خلالها عن أن الثورة في دمشق مازالت مستمرة، فهم مَنْ صبغوا البحيرات باللون الأحمر؛ كناية عن الدم المسفوك في "المجازر" التي قام بها النظام.
وهم مَنْ وزعوا كمامات بيضاء في ذكرى "مجزرة" الكيماوي، وأرسلوا وروداً بيضاء إلى عدد كبير من منازل العاصمة – توضح روز – "ضمّت رسائل بسيطة نذكّر فيها السوريين بأن ثورتنا بيضاء أيضاً، هدفها تحسين حياة الناس لا تخريبها كما روَّج النظام، أسبوعياً ننفذ نشاطاً معادياً للسلطة مهما كان بسيطاً، الأهمية تكمن لدينا في استمرار الحراك".
بالتأكيد ظروف العمل صعبة جداً – تتابع روز – لكن "الإيمان بالثورة يدفعنا دائماً لابتكار وسائل جديدة لإيصال أصواتنا، نحن نعلم أن ما نقوم به غير كافٍ، ولكننا نراه صوتاً يخترق ضجيج الحرب والقتل والتدمير".
مازلنا هنا
عندما تعمل ضد النظام في منطقة "عسكرية" كدمشق، تشعر بأن كل شيء يراقبك، "أحياناً أخاف من قطط الشوارع"، تقول مي (22 عاماً) لـ"عربي بوست"، وتضيف: "لكن في اللحظة التي أعلّق فيها ملصقاً أو أوزّع منشوراً أشعر بأني قمت بعمل بطولي يعيد لي شعوري بالفخر، عندما كنت أشارك في المظاهرات وبالأخص عندما أمرّ قرب عبارات (كالأسد أو نحرق البلد)، أشعر بأني أقول لهم: نحن مازلنا هنا، وبالتأكيد خيارنا هو البلد".
"عملياً الهدف من إبقاء الحراك مستمراً ضمن العاصمة موجّه – وبشكل أساسي – للرأي العام"، تتابع مي، "نحن نثبت وبشكل شبه يومي أن دمشق ليست خاضعة تماماً للنظام، وأن الثورة هنا لم تمت، رسالتنا مصرّة دائماً على أن ليس كل مَنْ في دمشق يؤيد الديكتاتور، فمازال هناك ثوار رغم القمع، رسالتنا أيضاً موجّهة للصامتين، لهؤلاء الذين فقدوا إيمانهم بالتغيير، نحن نعمل لنثبت أن بإمكان أي شخص التعبير عن رأيه ولو بوسائل بسيطة".
الثورة في دمشق مختلفة
أما أبوغاندي (26 عاماً)، والمقيم في العاصمة السورية دمشق، فيقول لـ"عربي بوست": "للعمل في مربع النظام الأمني طعم آخر، العمل الثوري عمل تفاعلي بطبيعته، والمهم هو إيصال الرسالة مهما اختلفت الطرق، فبث أغنية للقاشوش أو تسجيل إحدى مظاهرات الساروت عبر (سبيكر) مخفي في أحد الشوارع مثلاً، والاستمتاع بحالة الهلع والفوضى بين صفوف الشبيحة تكون كافية أحياناً كي تظهر للناس مدى هشاشة هذا النظام، ولتؤكد كم الرعب الذي يجتاح أفراده عندما تذكر كلمة بسيطة كـ(حريّة)".
كنا من أوائل المتظاهرين في دمشق – يتابع أبوغاندي – وشاءت الظروف أن تبقى شخصياتنا سرية، شاركنا بالمظاهرات والنشاطات السلمية، وتفرقنا بعد أن قمع النظام وبشدّة كل نشاطاتنا، غياب الحراك المدني في سوريا بعد اللجوء إلى خيار التسليح دفعنا نحن ثوار العاصمة لإعادة تجميع أنفسنا والعمل كفريق يهدف لإعادة الحراك الثوري إلى قلب العمق الأمني للنظام، نحن فريق كبير، نتشارك في تخطيط وتنفيذ حملاتنا، كل حملة نفذناها أخذت وقتاً وتخطيطاً كبيرين، خاصة أننا مدركين تماماً مدى خطورة الاعتقال في هذه الظروف بالذات.
الرجل البخاخ
"الصورة معكوسة في دمشق حالياً"، يقول ثائر (24 عاماً) لـ"هافينعتون بوست عربي"، ويوضح: "في بدايات الثورة كنا نرسم على الجدران عبارات مناهضة للنظام وكان الأمن يطمسها تماماً في اليوم التالي، اليوم وبعد مضيّ 5 سنوات انقلبت الآية تماماً، عناصر الأمن والشبيحة ملأوا الجدران بكتابات تمجد الديكتاتور، وأصبحت مهمتنا تكمن في إضافة بعض الحروف والنقاط لنغيّر معنى عباراتهم جذرياً وندفعهم إلى محوها، عندما تحول (سوريا الأسد) إلى (سوريا الأثد)، على سبيل المثال، فإنك ستستيقظ في اليوم التالي لتجد أن مَنْ قام بخطّ العبارة طمس الأسد وأبقى سوريا، ثورتنا بدأت بتمجيد سوريا وبالكتابة على الجدران، وستستمر بها ولو اختلف الأسلوب، فالرسالة واحدة".