حظيت الدراسة التي أجراها الدكتور "روبرت هاستي" والفريق البحثي المرافق حول مدى دقة المعلومات الصحية التي توفرها موسوعة الإنترنت الشهيرة "ويكيبيديا"، باهتمام إعلامي واسع.
فقد خلصت هذه الدراسة إلى أن 90% من المقالات التي تمت مراجعتها لأغراض هذه الدراسة تحتوي على معلومات مغلوطة، ومن الممكن أن تؤثر على التشخيص والعلاج.
ولم تكن هذه الدراسة هي الأولى من نوعها التي أشارت إلى افتقار الموقع الشهير إلى الدقة، فقد سبقتها دراستان نُشرتا في العامين 2009 و2010، خلصتا إلى نفس النتيجة، وأظهرتا أن ما نسبته 70% من الأطباء الجدد -صغار السن- وما بين 50-70% من الأطباء الممارسين يستخدمون موقع ويكيبيديا كمصدر للمعلومات لتقديم معلومات صحية.
الصادم في هذه الخلاصة ليس حقيقةَ أن المحتوى الصحي والطبي الموجود على الشبكة العالمية، والويكيبيديا على وجه الخصوص يحوي الكثير مما يستدعي الإصلاح أوالإلغاء، ولكن في النسبة المرتفعة من الأخطاء التي حددتها الدراسة، والتي اقتصرت على موقع ذائع الصيت يقصده الناس كثيراً للحصول على المعلومة، ومن بين هؤلاء الكثير من العاملين في المجال الصحي.
أما في الإطار الأكبر، فالإنترنت فضاء مفتوح لمن شاء، فهناك رؤى لباحثين وأطباء، ومرضى وعشّابين وتجار دواء ومشعوذين وغيرهم، فالمجال مفتوح للجميع أفراداً ومؤسساتٍ، وهذه حقيقة لسنا بصدد إدانتها أو الترحيب بها، فذلك مجال آخر تتداخل فيه عوامل كثيرة جدًّا، ولكن ما يمكن أن نقوله هنا إنه في حال كانت هناك توجهات عالمية لضبط الإنترنت، فإن أي مبادرة لن تتمتع بأية مصداقية، ما لم تبدأ بصحة الإنسان أولاً.
ويبقى متاحاً لنا في كل الأحوال إمكانية التوعية بضرورة التحقق من أية معلومات تتعلق بصحتنا أو صحة من نحب، ونوصي هنا بمعرفة المصادر العلمية الرصينة في المجال المطلوب، والرجوع إليها، ومناقشة كل ذلك مع الطبيب.
أتاحت ثورات التواصل الاجتماعي للمرضى وأهليهم، وكذلك المهتمون من القطاع الطبي، أن يتواصلوا ويتبادلوا المعلومات والخبرات والنصائح من خلال المنتديات والبريد الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي، وهو لا شك مفيد جدًّا، خصوصاً للأمراض المزمنة، ويجب الحث عليه وتشجيعه، ولكن يجب أن يتنبه الجميع إلى ضرورة التحقق من كل ما يصل إليه من معلومات ونصائح وإرشادات قبل القيام بأي إجراء، فهنا أيضاً مكان لبث كل ما هو غث وسمين، وميدان لتجارة الطب والأدوية والأعشاب.
ربما تدفع هذه الدراسة القائمين على الموسوعة لمراجعة إجراءات اعتماد المادة العلمية ومراجعتها، ولكن ذلك لن يكون مؤثراً كثيراً في توصيف المحتوى الصحي على الشبكة من حيث الدقة والمصداقية والحداثة، ويبقى التعويل على وعي متلقي المعلومة لتحديد كيفية التعامل معها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.