العديد من المرضى يحتاجون بعض الوقت حتى يتقبلوا تشخيصهم
كذلك مشاعرنا.. تحتاج لبعض الوقت حتى تتقبل ما يحدث لها.. فمعظمنا لا يصدق ما يحدث في البداية ونحتاج لبعض الوقت.. حتى نستسلم للحقيقة
يمارس علينا الأطباء الكذب كثيرا من الوقت
فيعطوننا إجابات مبهمة عن الأسئلة الصعبة.. ولا يتحدثون معنا عن آلام ما بعد الجراحة
فيقولون مثلاً: ستشعر ببعض الآلام
وإذا لم تمت يقولون: تمت الجراحة بشكل جيد
و لكن قد تأخذ وقتاً حتى تتعافى.. تماماً
و لكن أسوأ مما يفعله الأطباء معنا، الكذب، الذي نمارسه على مشاعرنا
فأحياناً.. نعطي مشاعرنا إجابات مبهمة
ونخفي عنها آلام الفراق.. الشوق.. الكره
وإذا لم تقتلنا هذه المشاعر.. نقول لها إن الأمر تم بشكل جيد
ولهذه نستغرق وقتاً حتى ندرك أن الحقيقة كانت ماثلة أمامنا منذ البداية
في الجراحة.. يُشَقُّ جسدك وتُستأصل منه أجزاء.. ثم يتم إعادة ما تبقى ويتم وصله معاً
من الجيد أن الله لا يمنحنا مع المشاعر "مشرط" لأنه لو حدث
فكلما شعرنا بالألم
سنقطع .. ثم نقطع .. ثم نقطع
والمشكلة أن ما نزيله بالمشرط.. لا يمكن أن نستعيده أبداً
أحيانا يكون إنقاذ روح الإنسان.. بقطع أحد أطرافه
وذلك في حياتنا أيضاً.. لكي تنقذ مشاعرك.. يحتم عليك أن تقوم ببتر بعضها
سواء كانت هذه المشاعر إيجابية أو سلبية
لكي تستمر في العيش سليماً بعدها
الجسم البشري مزود بنظام تكيف عالي الضغط
إذ يقيس القوة التي يندفع فيها الدم عبر الشرايين
من المهم أن يبقى الضغط منتظماً
لأن انخفاضه أو اضطرابه.. يؤدي إلى الوهن والفشل
وحين يزداد تبدأ المشاكل
كذلك مشاعرنا.. لها قدرات تحمل عالية من الضغط
والضغط الذي نفرضه عليها.. أصعبها تحملاً
ونحن دائماً نضغط على أنفسنا لنكون أفضل مما نحن عليه
نضغط على أنفسنا لنكون أفضل مما نعتقد
ولكن هذه الأمور
تتراكم وتتراكم وتتراكم
وكل نظام ضغط يحتاج لصمام أمان
إذ لا بد من وجود سبيل لتخفيف الضغط والتوتر قبل أن يكون أقوى مما نتحمل
لا بد من وجود طريقة للتنفيس؛ لأنه حين لا يجد الضغط متنفساً له.. فسيخلق مخرجاً
سوف ينفجر
يعتبر الدماغ أكثر أعضاء الجسد غموضاً فهو يتألم.. يتغير.. يتكيف
يفسر لنا ما نراه.. أو ما نسمعه
لكن مهما تعمقت أبحاثنا لا أحد يستطيع أن يحدد عمل الخلايا الرمادية الدقيقة في أدمغتنا.. عندما يتضرر الدماغ البشري.. يصبح أكثر غموضاً لا أحد يعلم ما قدره
كذلك مشاعرنا تتألم وتتغير وتتكيف
تجعلنا نشعر بالحب.. بالكره.. بالشوق
ولكن مهما تعمقت أبحاثنا.. لا نستطيع أن نفسر.. كيف يحدث هذا؟
وعندما نتألم.. تصبح أكثر غموضاً
ولا أحد حولنا يمكنه أن يفسر ما نفعله
فكل نفس نستنشقه وكل سائل تخرجه.. يتم تسجيله وتحليله بدقة
فيحتفى به.. أو يناح عليه
بعد الجراحة.. في الأيام التي تليها تبدأ مرحلة التعافي
الشفاء التام هو الهدف الأساسي لكل جراحة.. بأن تخرج بحال أفضل مما كنت عليه سابقاً
يتعافى بعض المرضى بسرعة.. وبعضهم يتعافي تدريجيًّا
في جراحة المشاعر.. عندما تمرض مشاعرنا
لا تكون الساعات الأربع وعشرون التالية هي الحرجة
تكون التي تلي تلك الأربع وعشرين ساعة.. هي الأكثر حرجاً
فوقتها.. يصبح اليوم.. يومين
والأسابيع.. أشهراً
بعضنا يتعافى تدريجيًّا.. وبعضنا يمكن أن يتعافى بسرعة
وقد تمر أشهر أو ربما سنوات.. قبل أن تدرك أنك لم تعد تشعر بالألم
لذا فالتحدي الحقيقي.. أن تكون صبوراً
لأنك إذا تمكنت من تجاوز الأسابيع والأشهر الأولى وآمنت بإمكانية الشفاء
فعندها يمكنك أن تستعيد مشاعرك ولكنه.. يبقى مجرد احتمال
أجسادنا معرضة للخطر طوال الوقت.. سواء أدركت وجودها أو لا
يحمي جسدك نفسه باستمرار
ففي كل مرة تغمض فيها عينيك.. تزيل آلاف المكيروبات الضارة
وتعطس حين تستنشق الكثير من الغبار
ويعرق جسمك حين يتعرض لجسم غريب
يرصد الجسم هذه الأجسام.. ويطلق عليها خلاياه البيضاء.. فتهاجمها
وكذلك مشاعرنا.. معرضة للخطر طوال الوقت
ولدى المشاعر جهاز مناعة يرصد كل الأخطار التي يمكن أن يتعرض لها
فيجعلنا نبكي.. لكي يخرج أي مشاعر سلبية
أو يجعلنا نصرخ.. لكي ننفس أي ضغوط حولنا
أو نأكل.. لنشغل عن التفكير في أمر معين
لأنه عندما نعتقد أننا فهمنا كل شيء
يلقي علينا الكون ضربة ملتوية
فنجد السعادة حيث لا نتوقعها
ونجد طريقنا للعودة.. للأشياء الأكثر أهمية في حياتنا
الكون لديه طريقة ما.. يحرص فيها على أن ينتهي بنا المطاف إلى حيث ننتمي
أخيراً..
بعد الإصابة يصبح جسدك أكثر حساسية
لذا تجد نفسك فجأة محاطاً بأشخاص.. أطباء.. ممرضات
الجراحة رياضة جماعية.. ينافس فيها الجميع للوصول إلى خط النهاية بنجاح ليعيدوا وصل أجزاء جسمك ببعضها من جديد
وعندما تنتهي الجراحة
يبدأ الشفاء الحقيقي.. المسمى تعافياً
والتعافي ليست رياضة جماعية.. بل هو مسيرة طويلة وفردية
لأنها تستغرق وقتاً طويلاً وترهقك.. مع وحدة لا تقاوم
مدة تعافيك.. تتحدد بمدى إصابتك
ولا يتكلل الأمر دائما بالنجاح.. مهما بذلنا من جهد في سبيله
فبعض الجراح لا تشفى تماما..
قد تضطر للتكيف مع أسلوب حياة جديدة
و قد تتغير الأمور عشوائيا.. فلا تعود لما كنت عليه
قد لا تتعرف على نفسك
وكأنك لا تذكر أي شيء إطلاقا
وكأنك شخص مختلف تماماً
تحيا حياة جديدة
وهذه هي جراحة مشاعرنا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.