في السطور التالية نناقش العديد من الأدوات والأساليب التي عادةً ما توصي بها أدبيات إرساء الديمقراطية في ضوء تجربة الانتقال المصرية الفاشلة. وفي الواقع، فقد أثبت الانتقال "الميثاقي"، وصياغة الدستور الجديد، والمشاركة الشعبية من خلال الانتخابات، وسواها من الإجراءات، أن كلاً منها سيف ذو حدين في الحالة المصرية.
فقد سببت صياغة الدستور استقطاباً اجتماعياً حاداً بدلاً من أن تغدو عقداً اجتماعياً جديداً، وتعرض وضع الوثيقة من أجل انتقال سلس للانتهاك؛ بغية فرض أجندات غير ديمقراطية، وفاقمت الانتخابات، التي يفترض أن تكون وسيلة لاكتساب الشرعية وضمان المشاركة الشعبية، الخصومات السياسية ونجم عنها إحباط شعبي.
إن الدرس المستفاد من الانتقال المصري الفاشل، هو أنه من المهم أن نعرف حدود ومواطن ضعف الأدوات الديمقراطية الموصى بها على نطاق واسع، وأن نعطي الأولوية للحفاظ على وحدة (أو على الأقل تعاضد) مؤيدي المعسكر الديمقراطي والتزامهم بالمبادئ الديمقراطية والحفاظ على الدعم الشعبي للديمقراطية كنظام حكم منصف وفعال قادرٍ على الحفاظ على النظام وتعزيز العدالة الاجتماعية.
في 11 شباط/فبراير 2011، مثلت استقالة الرئيس المستبد حسني مبارك بعد 18 يوماً من الاحتجاجات العارمة فرصة تاريخية لتحقيق التحول الديمقراطي في مصر. وكان هذا الحدث مؤثراً جداً، حيث اندلعت في الأسبوع نفسه انتفاضاتٌ في ليبيا والبحرين واليمن والمغرب. وغدت منطقة الشرق الأوسط، التي كانت تبدو لفترة طويلة بمنأى عن الديمقراطية، على تخوم حقبة جديدة. ومع ذلك، وبعد ثلاثين شهراً فقط، ورغم الآمال والتطلعات الكبيرة، وضع الانقلاب العسكري في 3 تموز/يوليو 2013 حداً للعملية الانتقالية.
في حالة مصر، يمكن تقسيم الفترة الانتقالية إلى مرحلتين رئيسيتين: أدار المرحلة الأولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة من شباط/فبراير 2011 إلى حزيران/يونيو 2012، في حين كانت المرحلة الثانية في ظل حكم الإخوان المسلمين من حزيران/يونيو 2012 إلى حزيران/يونيو 2013. ووفقاً لباحثين كثر، فإن فشل الانتقال الديمقراطي في مصر "لم يكن حتميًّا". وكُتب عدد كبير من الأبحاث التي حاولت تفسير سبب "انقلاب ثورة مصر على أعقابها". ويعدد عماد الدين شاهين، على سبيل المثال، الكثير من العوامل، مثل الخلاف حول كيفية إضفاء الطابع المؤسسي على الثورة ونوع النظام السياسي الذي ينبغي أن تتبناه مصر، والبيئة الإقليمية المعادية، والجهات الدولية الفاعلة غير الداعمة، والأوضاع الاقتصادية المتدهورة.
في الواقع، لا تتبحر هذه الورقة في هذه المسألة، بيد أنها ستحاول مناقشة ما الدروس التي يمكن استخلاصها من هذا الانتقال المصري الفاشل، وما الذي يمكن أن تضيفه هذه التجربة المهمة إلى أدبيات الديمقراطية. والنقاش الرئيسي هنا هو أن العديد من الإجراءات التي تشير إليها أدبيات "علم الانتقال" على أنها أدوات مفيدة لترسيخ الديمقراطية، يمكن أن يساء استخدامها عن غير قصد أو تُنتهك عمداً لخدمة الدور المضاد بالضبط. فقد أثبت الانتقال "الميثاقي"، وصياغة الدستور الجديد، والمشاركة الشعبية من خلال الانتخابات، وسواها من الإجراءات، أن كلاً منها هو سيف ذو حدين في الحالة المصرية.
إحدى الطرق البسيطة لتصوير ديناميكيّات مرحلة التحول الديمقراطي هو نموذج الانتقال. ووفقاً لتوماس كاروثرز، يفترض هذا النموذج أن "أي بلد يبتعد عن الحكم الديكتاتوري يمكن اعتباره بلداً يمر بمرحلة انتقالية نحو الديمقراطية". وتشمل هذه العملية منطقياً ثلاث مراحل متتالية:
أ. البدايات، وتمثل فترة الهياج الديمقراطي التي تظهر فيها تصدعات في النظام الدكتاتوري الحاكم.
ب. الاختراق، الذي يعني انهيار النظام وظهور نظام ديمقراطي جديد.
ج. التوطيد، ويمثل عملية تدريجية بطيئة يتم فيها تحويل المعايير الديمقراطية إلى مادة ديمقراطية من خلال إصلاح مؤسسات الدولة، وتعزيز المجتمع المدني، والتكيف المجتمعي مع القواعد الديمقراطية الجديدة للعبة.
وكثيراً ما يُنتقد نموذج الانتقال لكونه تبسيطياً جداً. فهو، أولاً، يتبنى رؤية خطية للتحول، رغم حقيقة أنه ليس من غير المألوف أن ينجم عن عملية التحول الديمقراطي نظام سلطوي ديمقراطي هجين بدلاً من الديمقراطية الموطدة. وثانياً، يصور نموذجُ الانتقالِ إرساءَ الديمقراطيةِ كعملية تفضي إلى مرحلة نهائية ثابتة هي "الديمقراطية الموطَّدة"، لكن من الأفضل أن يتم تصوير عملية التحول الديمقراطي، لا بوصفها انتقالاً من حالة إلى أخرى، ولكن كعملية ديناميكية مستمرة تهدف إلى السيادة الشعبية الحقيقية.
وعلى الرغم من ذلك، لا يزال نموذج الانتقال مفيداً في الأبحاث السياسية. فلطالما كان موضوع كيفية قيادة الانتقال الناجح وبلوغ الديمقراطية الموطدة مهماً للبحوث الأكاديمية منذ تسعينيات القرن المنصرم. فعلى سبيل المثال، خلص جان غروجيل من دراسته للموجة الثالثة من الديمقراطية (التي بدأت في منتصف سبعينيات القرن العشرين) إلى أن فرص نجاح العملية الانتقالية تكون أكبر عندما "تكون الرأسمالية هي النمط الوطني المهيمن على الإنتاج، ومنظمات المجتمع المدني ناشطة ومسيسة، وعندما تحل النزاعات الطبقية والاجتماعية الأخرى من خلال منح حق التصويت السياسي، وإدماج الفئات الاجتماعية الجديدة بدلاً من إقصائها، وعندما تكون الدولة مستقلة نسبياً، ولا يتم التحكم بها من قبل نخبة صغيرة، ولديها ما يكفي من الموارد لإعادة توزيعها وفرض سيادة القانون، وعندما يكون النظام الدولي يعزز عملية إرساء الديمقراطية ويشجعها".
وبالإضافة إلى هذه الشروط، تقترح أدبيات إرساء الديمقراطية العديد من الإستراتيجيات والإجراءات التي تؤدي إلى انتقال ناجح. فعلى سبيل المثال، قدم منتدى دولي نظمه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) في القاهرة في حزيران/يونيو 2011، "وصفة" لإرساء الديمقراطية استناداً إلى التجارب الدولية. ووفقاً للتقرير الختامي لهذا المنتدى، يجب أن تتضمن "التدابير المتخذة خلال التحول الديمقراطي" صياغة دستور جديد (أو على الأقل تعديل الدستور الموجود) ليصبح عقداً اجتماعياً جديداً، وإجراء انتخابات نزيهة تسمح بتمثيل شتى الأحزاب السياسية وتعزيز المشاركة الشعبية، واحتواء القوى المعارضة للانتقال الديمقراطي و/أو إصلاحها (على سبيل المثال، في الجيش، والشرطة، ومجتمع رجال الأعمال)، والحفاظ على النمو الاقتصادي، والتعامل مع الفساد، إلخ.
عقب الثورات، يسعى الناس في كثير من الأحيان لجمع القيم والمثل العليا لهذه الثورات في وثيقة (شرعة حقوق، إعلان، دستور، إلخ). وفي البيان الختامي، أكد منتدى القاهرة الدولي في توصياته أن "الانتقال إلى الديمقراطية يتطلب عقداً اجتماعياً جديداً، يكون الدستور وثيقة نظامه التأسيسي"، وأن عملية كتابة الدستور يجب أن تشمل كافة المجموعات السياسية والفئات الاقتصادية، والولاءات الدينية والانتماءات العرقية، بحيث يصبح الدستور معبراً عن الجميع وملكاً للجميع دون استثناء.
ولكن من ناحية أخرى، تكون صياغة دستور جديد في بعض الأحيان فرصة لطرح الأسئلة الأساسية وتسوية المظالم التاريخية، مثل قضايا الهوية والتمييز العنصري. ومع ذلك، إذا فشلت المجموعات المتفاوضة في التوصل إلى اتفاق على هذه القضايا الأساسية، ستتفاقم الاستقطابات السياسية والمجتمعية، مهددةً العملية الديمقراطية برمتها. هذا هو بالضبط ما حدث في حالة مصر..
في البداية، كان ثمة استقطاب كبير بشأن الوقت المناسب لكتابة الدستور خلال استفتاء آذار/مارس 2011، مع احتدام النقاش فيما إذا كان ينبغي أن يكون قبل الانتخابات البرلمانية أو بعدها. ودمرت معركة "الدستور أولاً – الانتخابات أولاً" بين الإسلاميين وغير الإسلاميين عملية صياغة الدستور برمتها في وقت لاحق.
ووفقاً لنتائج استفتاء آذار/مارس، التي رجحت خيار الإسلاميين "الانتخابات أولاً"، بدأت عملية صياغة الدستور بانتخاب مجلسي الشعب والشورى. وفي وقت لاحق، اختار الأعضاء المنتخبون مائة مصري شكلوا لجنة صياغة الدستور. ودفع اختيار هذه اللجنة، ذات الأغلبية الإسلامية الواضحة، غير الإسلاميين لمقاطعة عملية صياغة الدستور واللجوء إلى المحاكم لإيقافها تماماً..
وجرت محاولة أخرى لكتابة الدستور الجديد بعد انتخاب الرئيس محمد مرسي، مرشح جماعة الإخوان المسلمين. وواجهت الجولة الثانية نفس التحديات وكان على لجنة صياغة الدستور الجديدة مواصلة عملها في ظل ظروف مضطربة جداً مع مقاطعة واسعة من الجماعات غير الإسلامية، وتزايد المخاوف إزاء مؤشرات ظاهرية للاستبداد للرئيس مرسي، لا سيما بعد الإعلان الدستوري في تشرين الثاني/نوفمبر 2012. وفي نهاية المطاف، تمت صياغة دستور جديد والمصادقة عليه في الاستفتاء العام الذي جرى في كانون الأول/ديسمبر 2012، رغم ضعف إقبال الناخبين نسبياً، والنتائج السلبية في القاهرة وبعض المدن الرئيسة الأخرى..
وفي ظل هذه الظروف المحمومة، بدا أن كل الجماعات السياسية نسيت الهدف المنشود من صياغة دستور جديد. وفي الواقع، فإنها تحولت إلى أداة للاستقطاب والتشنج الاجتماعي بدلاً من العقد الاجتماعي. ومن المفارقات، أنه بعد انقلاب تموز/يوليو 2013، صاغ مناوئو الإسلاميين، الذين اتهموهم بالتفرد وبأنهم قوة غير ديمقراطية، دستوراً جديداً في ظل ظروف أكثر تفرداً على نحو ملحوظ، وأكثر استبداداً إلى حد كبير.
لتفادي مثل هذا المسار الكارثي خلال كتابة دستور جديد، تنصحنا أدبيات إرساء الديمقراطية باستخدام مفاوضات النخبة والانتقال الميثاقي لاحتواء الخلافات بين الفئات المتناحرة ومنع النزاعات المجتمعية. ويعرف غيلرمو أو دونيل وفيليب شميتر، في كتابهم الشهير "الانتقال من الحكم الاستبدادي"، مواثيق تعزيز الديمقراطية على أنها "اتفاق صريح، ولكنه ليس دائماً مبرراً أو مفسراً علناً، بين مجموعة مختارة من الجهات الفاعلة التي تسعى إلى تحديد القواعد التي تحكم ممارسة السلطة على أساس ضمانات متبادلة للمصالح الحيوية للأطراف المشاركة فيه". وأكدوا أن الانتقالات الميثاقية هي من شؤون النخبة ويجب أن يتم خلالها تحييد دور المتطرفين والجماهير في عملية التفاوض هذه.
ويهدف وضع الوثيقة إلى تقييد أجندة خيار السياسات وضمان التوزيع النسبي للمنافع، وذلك للحد من الشكوك بشأن نوايا القوى الفاعلة النهائية وتقليص مخاوف المعتدلين التي ستساورهم من الطرف المنتصر، أي الأغلبية المتطرفة التي ستنفذ تغييرات جذرية. ورغم الإشادة بوضع الوثيقة كأداة لخلق انتقالات أكثر استقراراً، وُجِّهت انتقادات له لأنه قد يؤدي أيضاً إلى إضفاء الطابع المؤسسي على الإقصاء السياسي.
وفي الفترة من آذار/مارس إلى تشرين الثاني/نوفمبر 2011، فشلت أربع محاولات على الأقل لوضع وثيقة "مبادئ فوق دستورية" بين النخب السياسية في مصر. فبعد نجاح الإسلاميين الملحوظ في استفتاء عام 2011، شعرت الجماعات السياسية غير الإسلامية والأقباط بالتهديد. وسعوا لإقناع المجلس العسكري، الذي يدير الفترة الانتقالية، بالإشراف على مفاوضات النخبة حول مجموعة من المبادئ فوق الدستورية. لكن قوبلت مبادرات مرشح الرئاسة الدكتور محمد البرادعي، ونائب رئيس الوزراء الدكتور يحيى الجمل، ونائب رئيس الوزراء الدكتور علي السلمي، والإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب برفض كبير، لا سيما من قبل الإسلاميين، الأمر الذي فاقم الانقسامات السياسية.
وأعاقت عقبتان رئيستان التوصل إلى اتفاق وثيقة انتقالية بين الفرقاء السياسيين في مصر؛ أولاهما أن الإسلاميين أساؤوا فهم وثائق "المبادئ فوق الدستورية"، حيث نظروا إليها كوسيلة لتجاوز النصر الانتخابي في استفتاء آذار/مارس 2011 ووضع قيود على اللجنة الدستورية القادمة (التي من المرجح أن يهيمنوا عليها). وتعززت مخاوف الإسلاميين من الطريقة التي حاول فيها المجلس العسكري استغلال مفهوم الوثيقة فوق الدستورية لحماية مصالح الجيش كمؤسسة. فعلى سبيل المثال، منحت وثيقة السلمي المجلس العسكري "مجموعة متنوعة من الامتيازات العسكرية التي لا توجد في أي نظام ديمقراطي". ففي القسم الأول، بعنوان "المبادئ الأساسية"، أشارت الوثيقة إلى أن "الميزانية العسكرية يجب أن لا تخضع للرقابة المدنية". وعلاوة على ذلك، لحظت مقاطع أخرى دوراً للمجلس العسكري في إدارة الحكم المحلي. وذكرت الوثيقة أن العسكريين مدعوون "للدفاع عن الشرعية الدستورية"، واقترحت "مجلس دفاع وطني" مبهم التعريف لدراسة "كل المسائل المتعلقة بأمن البلاد وسلامتها".
تقليدياً، تصف أدبيات إرساء الديمقراطية "لعبة الأربع لاعبين" بين المتشددين والمعتدلين في كلا طرفي النظام القديم والمعارضة، مقترحة التفاوض بين المعتدلين وتحييد المتشددين. وفي حالة مصر، وطوال الفترة الانتقالية بأكملها، عمقت "شبهات صفقات منفصلة واتفاقيات سرية" مع الجنرالات من حالة انعدام الثقة بين فصائل المعارضة المتنافسة، مانعةً أي إمكانية لوضع وثيقة ومتيحة للعسكر التلاعب بهذه الأداة خدمة لمصالح مؤسستهم.
الانتخابات أداةً للاستنزاف السياسي بدلاً من المشاركة
يؤمن علماء التحول الديمقراطي عموماً بالأهمية الحاسمة للانتخابات من أجل إرساء الديمقراطية الناجحة، ليس من أجل إضفاء الشرعية على حقبة ما بعد الأنظمة الديكتاتورية فحسب، ولكن أيضاً لتوسيع المشاركة السياسية وتعميقها، وزيادة مساءلة الدولة لمواطنيها. ولذلك، فإن دعاة الديمقراطية يميلون إلى عقد آمال كبيرة للغاية على ما ستفعله إقامة انتخابات منتظمة ونزيهة لإرساء الديمقراطية.
ويجادل ناثان براون بعدم جدوى هذه الفرضية. فهو يقول، أولاً، إن الانتخابات عمقت الشروخ المتزايدة في الجسد السياسي المصري وفاقمتها. فقد دعي المصريون للإدلاء بأصواتهم في ما مجموعه خمسة انتخابات أو استفتاءات وطنية، بعضها من جولات متعددة، ولكن كل اقتراع أدى إلى خلافات جرى إعادة تأطيرها وتضخيمها بدلاً من إدارتها أو حلها.
وثانياً, لم تحقق الانتخابات النتائج الموثوقة التي تقيد أولئك الذين أمسكوا بزمام السلطة الحقيقية. فالجنرالات، الذين منحوا مطلق الحرية لقيادة عملية الانتقال، لم يسعوا لحراسة مصالح مؤسستهم وحسب، ولكن أيضاً حصنوا أجزاء مهمة من دولة مصر الاستبدادية من الإصلاح. فالمؤسسات الأمنية، والأجهزة القضائية، والمؤسسات الدينية، على سبيل المثال، تمكنت من أن تفلت من الإصلاح وأن تكون قادرة على مقاومة المؤسسات المنتخبة حديثاً (رئاسة الجمهورية ومجلس الشعب).
أثبتت الانتخابات أنها هدامة جداً لعملية إرساء الديمقراطية في حالة مصر، رغم أنها، نظرياً، أداة رئيسية لنجاح العملية الانتقالية. فلم تعمل على التوصل إلى تسوية سلمية للنزاعات بين الأفرقاء السياسيين ولا على إضفاء الشرعية على المسؤولين المنتخبين لممارسة صلاحياتهم ممارسة حقيقية. أما الشعب، الذي لطالما تاق سابقاً للانتخابات الديمقراطية، فقد شعر بالسأم والإنهاك من هذه الممارسات المتكررة على نحو مفرط جداً، والتي امتازت بالاستقطاب الحاد، وفي نفس الوقت كان أثرها تافها عملياً.
خلاصة
ناقشنا عدداً من الأدوات التي عادةً ما توصي بها أدبيات إرساء الديمقراطية في الحالة الخاصة بالثورة المصرية. إن وضع وثيقة من أجل انتقال سلس، وصياغة الدستور لتعزيز قيم الثورة وإطلاق مرحلة سياسية جديدة، والانتخابات كوسيلة لاكتساب الشرعية وضمان المشاركة الشعبية، كلها أمور مورست على نطاق واسع في مصر.
ومع ذلك، فقد أثبتت هذه الأدوات أنها عرضة للتلاعب المتعمد أو سوء الاستخدام الغير متعمد. ففي مصر، سببت صياغة الدستور استقطاباً اجتماعياً حاداً بدلاً من أن تغدو عقداً اجتماعياً جديداً، وتعرض وضع الوثيقة للتلاعب بغية فرض أجندات غير ديمقراطية، وفاقمت الانتخاباتُ الخصوماتِ السياسية ونجم عنها إحباط شعبي. وحتى التعبئة الجماهيرية، التي كانت الأداة الرئيسة لممارسة الضغوط على الحكام المستبدين من أجل إرساء الديمقراطية، انتهكت أو أسيء استخدامها في وقت لاحق من قبل مختلف الجهات السياسية الفاعلة لتحفيز عدم الاستقرار السياسي، الأمر الذي مهد الطريق للعودة إلى الديكتاتورية. ومع ذلك، لا تهدف هذه الورقة إلى التجاهل التام لهذه الأدوات الموصى بها في أدبيات إرساء الديمقراطية، أو إثبات عدم جدواها، بل هي مجرد تبيين لمواطن الضعف والقيود، والدعوة لاستخدامها بحذر. إن الدرس المستفاد من الانتقال المصري الفاشل هو أنه من المهم أن نعرف حدود ومواطن ضعف الأدوات الديمقراطية الموصى بها على نطاق واسع، وأن نعطي الأولوية للحفاظ على وحدة (أو على الأقل تعاضد) مؤيدي المعسكر الديمقراطي والتزامهم بالمبادئ الديمقراطية والحفاظ على الدعم الشعبي للديمقراطية كنظام حكم منصف وفعال قادرٍ على الحفاظ على النظام وتعزيز العدالة الاجتماعية.
هذه التدوينة مترجمة عن اللغة الإنجليزية ونشرت على "منتدى الشرق" ، للاطلاع على التدوينة الأصلية اضغط هنا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.