يتساءل نفيد وأصدقاؤه إلى متى سيظل الجنود الإيرانيون في سوريا. ارتفاع حصيلة ضحاياهم وجرحاهم في تلك الحرب التي لا تهدأ رحاها أمرٌ لا يبشّرهم بالخير مطلقاً. ورغم أنهم سمعوا بهدنة سارية، إلا أنهم يخشون ألا تستمر.
هم 4 من الطلبة وهذا كان ما يشغل بالهم لأنهم عمّا قريب سيكونون مطالبين بأداء الخدمة العسكرية، وما من أحد منهم متشوّق للظى الغربة وسعير الحرب، خاصة أنهم باتوا يتطلعون إلى عهد من الإصلاح والرخاء في أعقاب النجاحات التي حققها الليبراليون وحلفاؤهم في الانتخابات الأخيرة، وفق تقرير نشرته صحيفة الإندبندنت البريطانية، الجمعة 11 مارس/آذار 2016.
وقف الأربعة خارج حرم جامعة طهران يتحدثون إلى مراسل الصحيفة البريطانية بحذر دون توجيه اللوم علناً أو بشكل سافر إلى حكومة بلادهم على تورطها في الحرب، بل كانت تلك غلطة الأميركان وسياساتهم الخرقاء، على حد قولهم.
تجنب المصير المجهول في سوريا
لكن لعل نفيد وأقرانه ممن هم دون سن الثلاثين –الذين يشكلون 60% من السكان- يفلحون في تجنب مصير مجهول في سوريا؛ فحكومة الرئيس الإيراني، حسن روحاني، تعززت مواقفها كثيراً بعد نتائج الانتخابات، فعزمت دون ضجة على إرجاع قرابة 2500 جندي من الحرس الثوري إلى البلاد، تاركين وراءهم 700 من المستشارين العسكريين في سوريا.
ظل الموقف الرسمي الإيراني حتى وقت قريب مصراً على أن وجوده العسكري في سوريا لا يعدو حفنة "مستشارين ومتطوعين" يعاونون قوات الأسد؛ لكن نعوات "الشهداء" في ساحة المعركة تتالت تباعاً، كما ظهرت لقطات جنائزية أثناء مواراة هؤلاء الثرى، فضلاً عن خطاب تأبيني ألقاه المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي في رثاء جنرال لواء قضى في الحرب.
الآن هناك تحضير في الكواليس يتم على قدم وساق للإعلان للشعب الإيراني أن تضحياته في محاربة "الإرهاب" قد أثمرت وأن الوقت قد حان كي يعود رجالنا إلى طهران.
والواقع أن تقليص عدد رجال الحرس الثوري في سوريا كان قد بدأ بالفعل حتى من قبل الانتخابات؛ فقبل أسبوعين قال وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، أمام الكونغرس الأميركي "إن الحرس الثوري الإيراني سحب قواته من سوريا وتقلص بالفعل وجودهم فيها."
الاقتصاد المزري
هنالك عدة أسباب وراء ذلك؛ فالمهمة العاجلة التي تواجهها الحكومة حالياً هي حال الاقتصاد المزرية. الاتفاق النووي مع القوى العالمية أدى إلى رفع العقوبات الدولية عن إيران، ما يجعل الفرصة سانحة جداً لتصحيح مسار الاقتصاد وإنقاذه، ولا رغبة لأحد بإنفاق خيرات العائدات الثمينة على حرب مكلفة باهظة في سوريا.
إضافة إلى ذلك فإن المسؤولين الإيرانيين يرون أن تدخل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في سوريا والمكاسب التي حققتها قواته كلها قللت من دواعي الحاجة إلى حشد عسكري إيراني هناك.
حميد رضا دهقاني، رئيس قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية، أكد على أنه حتى لو كان 60% من أراضي سوريا واقعة في أيدي المعارضة، إلا أن تعداد السكان المنضوي تحت إدارتهم لا يتعدى 40%، وهو الرقم الذي انخفض بشكل كبير في الأشهر الأخيرة.
وقال دهقاني إن قوات المعارضة في تراجع مستمر، "لا يمكننا القول أن الأوضاع تغيرت بشكل تام، لكن الحرب على الإرهاب غدت أكثر جدية، والحكومة السورية اغتمنت الفرصة واستغلتها بشكل جيد."
الحرس الثوري الإيراني
هنالك رأيٌ قائل أنه ليست هناك حكومة إيرانية يمكنها أن تتحكم بالحرس الثوري; فالحرس مؤسسةٌ قائمة على معاداة الغرب والقوى السنية، خاصة السعودية؛ لذا يقول أنصار هذا الرأي أن الحرس الثوري يريد البقاء في حالة مواجهة دائمة مع العدو.
ولكن قمة هرمهم القيادي صدرت عنها أخيراً مواقف لا تدعم هذه الرواية. فالحرس الثوري دعم الرئيس روحاني بشأن الاتفاق النووي، كما ساهم في ضمان الإفراج وبسرعة عن 10 من أفراد البحرية الأميركية كان قد تم القبض عليهم في المياه الإقليمية الإيرانية؛ كما انصاع الحرس الثوري لبدء الانسحاب من سوريا، وحرص أبرز قادتهم، اللواء قاسم سليماني، على تأييد رئيس البرلمان علي لاريجاني، المقرب من الإصلاحيين، في الانتخابات.
لعل في تجارب الصواريخ هذا الأسبوع، التي رافقتها تصريحات عدائية من قادة الحرس الثوري، تحدٍ سافر للغرب يضرب بالاتفاق النووي عرض الحائط؛ فواشنطن قالت إنها تحقق فيما إذا كانت هذه الاختبارات تمثل خرقاً للاتفاق، حيث صرح نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، أن بلاده "ستتخذ موقفاً" في حال تم خرق الاتفاق.
من جهتها أكدت الأمم المتحدة أن الاختبارات لم تخرق القرار الذي صدر الصيف الماضي. لذا لعل إطلاق الصواريخ كان على الأغلب بغرض طمأنة متشددي البلاد الذين يعانون من هزيمتهم في الانتخابات البرلمانية التي جرت أخيراً.
الفرصة سانحة لإيران
كذلك فإن طهران حريصة على طمأنة حلفائها في سوريا بأن فرقة عسكرية إيرانية ستبقى هناك لمساعدة قوات النظام. لكن ترى أي دولة سورية ستبقى في نهاية المطاف لتتلقى المساعدة؟
إن احتمال تقسيم البلاد إلى مناطق علوية وسنية ليس حتماً أمراً ضاراً بمصلحة إيران طالما احتفظت بسطوتها في لبنان وحليفها حزب الله.
كما أن إنشاء دويلة سنية يسيطر عليها الإخوان المسلمون (التنظيم المؤثر في صفوف المعارضة السورية) لا يلزم أن يكون مشكلة كبيرة بالنسبة لإيران أيضاً. فطهران كانت قد دعمت بقوة حكومة محمد مرسي في مصر، وأدانت الإطاحة بها.
هناك أيضاً قرار السعودية الأخير بمعاقبة لبنان على وجود حزب الله في البلاد، فعلقت مليارات الدولارات من المساعدات ومنعت السياح السعوديين من السفر إلى هناك، حيث رأت طهران في هذا القرار هدية غير متوقعة، لذا ستستغل الفرصة وستسعى لملء الفراغ وبسط نفوذها.
أما نفيد وأصدقاؤه فقالوا إن أحد منافع تحرر إيران وانفتاحها دولياً سيكون في الفرصة للسفر والتجوال حول العالم؛ فلبنان الذي حُرِم العائدات السياحية السعودية سيكون مضيفاً ممتناً جداً في المستقبل لهؤلاء المسافرين الشباب
هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة The Independent البريطانية.