في الشارع قبل منتصف الليل
كثيراً ما تضيق صدورنا وتصغر الدنيا في أعيننا، وقد تحس بإحباط شديد لأنك لم تستطع شراء تلك البذلة الراقية التي لمحتها في السوق.. تلك البذلة التي تظنها مفتاح السعادة والفرج.
قد تحزن لأنك تعبت من تلك الحياة الروتينية.. دوام.. دراسة.. مراجعة ثم نوم.
إنه روتين بالنسبة لك وحلم بالنسبة لآخر.. الأمر نسبي لا غير.
غيرك لا يرى ما تراه أنت، إنه يرى ذاك المنزل الدافئ، تلك البذلة الجميلة التي ترتديها، ذاك الفولار الأنيق الذي تضعينه، ذاك الشيء الجميل الذي يعمل بالكهرباء والمسمى "لاب توب".. الذي تملكه، ذاك الهاتف الحديث الذي اشتريته، تلك الأسرة التي تهتم بك كطير صغير تحت جناح أمه فتحزن لحزنه وتفرح لفرحه، تلك الأم التي لا يهمها شيء سواك، ذاك الأب الذي عاد البارحة كله فرح لأنه اشترى لك "لاب توب" جديد، وتلك الجدة التي تدعي لك فجر كل يوم..
كل هذا لن تراه أنت، لن ترى سوى ما تريده..
جولة في الشارع قبل منتصف الليل ستريك أشياء عدة!
تأمل ذاك الرجل الذي يمر عليه الحول بشمسه الحارقة وبرده القارس.. بشتائه وعواصفه، ذاك الرجل المتواضع اللبس.. شاهده كيف يحزم بضاعته التي لم يبع منها سوى القليل ليعود إلى صغاره فارغ اليدين شاحب الوجه فينام لاستقبال يوم شاق جديد.
تأملي تلك الشابة في ربيعها العشرين، وقد غزت التجاعيد ملامح وجهها الجميل.. وهي تجر عربة الخبز تلك، شاكرة ربها على بضع دراهم قد تمكنت من جنيها اليوم، فتستطيع بذالك شراء الدواء لأمها المريضة.
أردت معرفة الألم فأخدتني رجلي بعد منتصف الليل.. إلى المستشفي.. فأتأمل أنين المرضى في ذاك الوقت المتأخر من الليل، الذين ترتفع أصواتهم طالبة الشفاء من المولى وقد غطت الدموع وجناتهم المترهلة.
وأتأمل في الجهة الأخرى.. امرأة في مقتبل العمر تمسك مسبحة، فتسبّح تارة، وتنهمر بكاء من شدة الوجع تارة..
أما في غرفة بعيدة.. هناك صغار يشاهدون تلك التي يقال عنها الحب والحنان والجمال وكل الأشياء الجميلة.. وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة فتترك ذاك الجسد الجميل الذي لم يعد قادراً على التحمل أكثر لترجع إلى خالقها.
أما أنا فقد غرقت في دموعي، ولا أستطيع قول شيء سوى.. الله أكبر كبيراً والحمد لله.. بكرة وأصيلاً…
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.