يقدر عمر الأرض بحوالي أربعة ملايين وخمسمائة وأربعين سنة، حيث تعاقبت فيها الحياة ما مقداره مليار سنة؛ دهر لو سمعه غير أرضي لظن أجناس معمرية متعددة بملايين الأنواع، لكنها اختُزلت فقط في نبات، حيوان، إنسان، فإن كان للنبات والحيوان تلك الوظيفة الفطرية المسيرة صوب نمط واحد ثابت، فالإنسان وحده هو ذلك الخليفة في الأرض المخير في مسارات حياته كيفما شاء، إن هو تنبه لها سمت، وإن غفل عنها انحطت ورتبت.
وقد استطاع هذا الأخير منذ نشأته على هذه البسيطة الانتقال بنفسه من مرحلة البهيمية المحضة المشابهة للسيرورة الحيوانية، إلى تلك المقامات الفكرية والعاطفية والروحية في أسمى تجلياتها المجتمعية.. مثالية أخرجت منه تلك الإنجازات التي يزخر بها عالمنا الحالي من حضارات وفلسفة وعلوم وتكنولوجيا.. إنجازات تمخضت عن رقي إنساني عميق.
إلا أن ما لم يكن في الحسبان، هو ذلك التأثير الشديد السلبية الذي خلفته هذه الإنجازات بمجتمعنا بعد انتقالها عبر أطوار الحياة من الإنسانية إلى المادية الإنسانية.. تأثير كاد ينهي ما بقي من إنسانية البشر تماما، إن لم يكن قد فعل.
صرنا نعيش في زمن تراكمت فيه الصنائع وعظمت في أعيننا، حتى اضمحلت صورة صانعها في أذهاننا.. زمن أصبحت فيه الصنعة أثمن من صانعها حتى، حتى بات فكر الإنسان يخدم دماره أكثر، فكر غايته الفكر فقط، ليس من أجل الإنسان، فأصبح ذلك العش الإنساني الذي رفرفت منه أعلام الفكر والرقي، المتضرر الأساسي مما صنعت يداه.. تدمرت الأسرة!
إننا نعيش وسط مجتمعات مشوهة العاطفة شئنا أم أبينا، اختلط علينا فيها ما هو فكري بما هو عاطفي وإنساني.. صراخ يعلو يوماً بعد يوم بين جنسين اثنين فقط.. ذكر وأنثى.
ذاك يجاهد حفاظاً على ما ترسخ في ذهنه من ترسبات مجتمعه حول هيبته وقداسته وأحقيته في الريادة حتى وإن لم يحرك لأجلها أنملاً..
وتلك تهجو ذلك التملك، ذاك التسلط الذي ينهمر عليها من كل فج، فانتقلت إكراها إلى موقع المتصدية المدافعة عن وجودها، بل وأحياناً المنكرة حتى لضرورة وجود ذاك الكائن الرجولي في حياتها..
إن من أقصى عبارات التحضر والاستقواء في مجتمعاتنا بمفهومنا الحالي المعوز الفكر هي "أستطيع العيش وحيدا، ولا أحتاج شخصاً في حياتي البتة!".
نعم كلنا نتفق فيما يخص منحاه المفضي أن انتظار أقدار المولى عز وجل، ذلك الشخص في حياتك لا ينقص من قيمة أحد شيئاً، فغاية الارتباط ليست في الارتباط ذاته!
لكن عوض انتظار تلك المثالية التي نرجو أن تأتي من حيث لا ندري؛ هل تساءل أحدنا يوماً: "هل أنا مثالي (ة) لمن أنا مقبل (ة) إليه في القدر؟ لمَ لا أجعل من نفسي تلك المثالية للآخر التي أنشدها لنفسي.. مثالية تكفي لأن أحتويه (ها) بكل نواقصه (ها) حتى؟".
قد تبدو ممكنة في نظر البعض، وقد تستعصي على قلوب الكثيرين، فشئنا أم أبينا فقد تربعت "الأنانية" في قلوبنا، أغشت الجوارح كلها حتى استعصى تزحزح "أنانا" شبراً عن موضعه.. فلو فكر كل منا فقط في بناء ذاته من جديد وتزكيتها خدمة لنفسه ولذلك الآخر بالمثل، لما انزاحت الروابط عن دروبها إلى هذا المنزلق.. لو تنازل -أو بالأحرى تسامى- كل طرف عن فكرة استفادة شخصه من العلاقة إلى غاية دوره فيها، لصار الكل يتلذذ حلاوة إسعاد الآخر، فيصافيه الحب كذلك من حيث لا يدري.
فالأمر فقط مسألة اختلاف تركيبة جنسين، ذكر عقلي البنية أكثر، يحسبها منطقاً ويعبرها خططاً ونتائج
وأنثى وليدة العاطفة والحس، تفقه لغة القلوب أكثر، تسع حب العالم كله.
رهافة حس هي، تتطلب أمان عاطفة ملاذه رجل فقط..
وشح قلب يستنجد حنانًا لا مشرب له سوى أنثى محتضنة..
كل يغمر آخر بما ينضح به، كل يفر إلى الآخر، يستقوي للآخر ليستقوي به بعد ذلك..
فبالله عليكم امنحوا الحب فقط واعملوا من أجله.. فإنجازتنا وأعمالنا الحياتية نجاح، بل فشل..
كل الفشل إن صرنا.. نواقص القلوب مشتتين!!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.