مدينة كوباني بشمال سوريا تحولت لأيقونة المقاومة الكردية لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" ولكنها ليست فقط مدينة القتال والدمار بل هي مثل أي مدينة أخرى يريد أبناؤها الحياة.
المكفوفون من أبناء المدينة تحدّوا الظروف الصعبة وقرروا أن ينالوا نصيبهم من العلم والتكنولوجيا لتحقيق مستقبل أفضل.
فقد افتتحت "جمعية تيريج" لذوي الاحتياجات الخاصة في المدينة، بداية شهر شباط / فبراير 2016، معهداً يعتبر الأول من نوعه في المنطقة، بهدف تنمية قدرات المكفوفين، وتعليمهم للاعتماد على أنفسهم في سوق العمل مستقبلاً من خلال تعليمهم اللغة الكردية والتعامل مع الحاسوب.
وتم افتتاح المعهد بالتعاون مع هيئة العمل في كوباني (التابعة للإدارة الذاتية الديمقراطية الكردية)، ومنظمة كوباني للإغاثة والمساعدات الإنسانية.
نشأة الفكرة
الهدف من المعهد، حسب رئيس جمعية "تيريح" نهاد شيخاني هو تنمية مواهب المكفوفين، خاصة في غياب الاهتمام بهم على مستوى التعليم والتأهيل بالمنطقة، "لذا نحاول أن تكون كافة مشاريعنا متميزة ومهتمة بذوي الاحتياجات الخاصة"، على حدّ تعبيره.
شيخاني الذي يعاني أيضاً من إعاقة حركية يقول لـ"هافنتغتون بوست عربي"، إن افتتاح المعهد، جاء بعد إجراء مسح سكاني في المدينة وريفها لإحصاء المكفوفين: "وقد استطعنا إحصاء نحو 270 ضريراً، المعهد يستقبل 15 منهم تتراوح أعمارهم بين 15 حتى 30 سنة".
آلية التعليم
المدة التعليمية في المعهد تم تحديدها بخمسة أشهر كما يقول أحد المدرسين "سليمان محمود" وهو ضرير قدم من دمشق لتدريس الطلاب الأكِفَاء، وحاصل على إجازة في الحقوق وأيضاً إجازة في العلوم السياسية من جامعة دمشق، "يتم الآن تدريس اللغة الكردية والتعلم على استخدام الحاسوب، عبر طريقة (برايل – Braille sense) وهو برنامج نقطي يستطيع الكفيف تعلم كل شيء عبره باستثناء الرسم، فيما يتم تلقين الدروس الآن بطريقة شفهية (صوتية)، لعدم وجود أجهزة ومعدات ومستلزمات للتدريس في المعهد".
"سليمان محمود" يرى أن الطلاب بحاجة إلى طابعة خاصة بالمكفوفين ولوحات خاصة وآلات كاتبة، الأمر الذي سيزيد من إمكانية تنمية مواهب الطلاب وتعليمهم. لكن عدم توافرها يعود بحسب مدير معهد تيريج لقلة الإمكانيات المادية لدى الجمعية.
مستقبل الطلاب
ويرى رئيس جمعية تيريج "نهاد شيخاني"، أن هدفهم بعد أن يتم تخريج الطلاب أن يكون لديهم قدرة الاعتماد على أنفسهم، والبحث عن فرص عمل، "لدينا أيضاً هدف الاستفادة من المواهب، ومحاولة تأهيلها للقدرة على تدريس غيرهم من الأكفاء في المعهد مستقبلاً".
من جانبه يقول المدرس سليمان إن الهدف المستقبلي، هو العمل على جعل المعهد مدرسة، يتم فيها تدريس المناهج بحسب تراتبية الصفوف الدراسية، بدءاً من المراحل العمرية المبكرة.
ويعود تدريس اللغة الكردية والحاسوب بحسب "محمود" إلى أن الطلاب بغالبيتهم أميون، لا يتحدثون إلا اللغة الكردية في حياتهم الاعتيادية. "إذ لا يوجد في المعهد سوى طالبين اثنين متعلمين، البقية أميون لم يتحدثوا سوى بالكردية، لذا يجب صقل اللغة الكردية لديهم مع تعليمهم الحاسوب".
ويضيف "لدينا تطلّع في حال تأمين الدعم الكافي وتحويل المعهد إلى مدرسة نموذجية، إلى ضمّ لغات أخرى لبرنامج التعليم كالعربية والإنكليزية".
في المعهد يتم تدريس الطلاب ثلاثة أيام في الأسبوع، الدوام في اليوم الواحد ثلاث ساعات. ساعتان لتعليم الحاسوب، وساعة لتعليم اللغة الكردية.
تقول مديرة المعهد "ميديا كرعو"، إن المخطط القادم "هو البدء بقبول الأطفال المكفوفين في الصف الأول من أجل تدريسهم".
وتشيد "كرعو" باستيعاب الطلاب للدراسة، برغم الظروف الصعبة التي تعيشها المدينة وريفها.
العمل في الإعداد للمدرسة بدأ أول العام الجاري، وتشرف جمعية تيريج التي يبلغ عدد أعضائها 30 بين ذكور وإناث، على المركز.
ويقول "شيخاني" إن الجمعية لديها مشروع روضة للأطفال المعاقين من عمر 5 حتى 8 سنوات، وأيضاً مشروعٌ لتعليم الصم والبكم لكنهما يحتاجان لدعم مادي".
صعوبات وتحديات واحتياجات العمل
تعيد مديرة المعهد "ميديا كرعو" في حديثها لـ"هافنتغتون بوست عربي"، أهم الصعوبات التي تواجه مشروع المعهد، إلى انعدام الدعم المادي، "فلا نستطيع تأمين الآلات والمستلزمات اللازمة للطلاب، فقط ساهمت بعض الجمعيات المحلية في منحنا بناءً للمعهد ومواد أولية، لكننا نحتاج لآلات وأجهزة دراسية، متوافرة إما في دمشق أو خارج البلاد، عدا عن ثمنها المكلف، لذا نحتاج لدعم من قبل جمعيات أو منظمات دولية للقدرة على الاستمرار وتطوير المشروع".
وأضافت "كرعو" إنهم يحاولون عن طريق التعاون مع جمعية تيريج، في البحث عن جهات داعمة للتواصل معها.
صعوبة جلب الطلاب من الريف إلى المدينة، أيضاً أحد العوائق كما تقول "كرعو"، "ليس لدينا القدرة على تأمين المواصلات لكل الطلبة، البعض منهم يصلون للمدينة بصعوبة لعدم وجود سيارة خاصة بالمعهد".
حماس الطلاب تؤكده مديرة المدرسة التي ترى أن الطلاب لديهم قدرة استيعاب جيدة برغم أن غالبيتهم أميون.
يذكر أن جمعية تيريج التي تأسست منذ ثلاثة أعوام كانت تهتم بالجانب الإغاثي، لكن بعد الحرب التي شهدتها كوباني وريفها، حولت الجمعية اهتمامها إلى الاحتياجات الخاصة، وخاصةً للمتأثرين من الحرب في المدينة وريفها.