هل إستعادت الجنسية الكندية قوتها؟

وبذلك يبقى الباب مفتوحاً على مصرعيه للتلاعب في مصائر الكنديين من قِبَل أي حزب أو حكومة تأتي من بعدهم، ولو كانوا فعلاً يريدون إستقرار الجنسية الكندية وحامليها، كان أولى بهم الإبقاء على أسباب نزع الجنسية كاملة شريطة إعادة سلطات نزع الجنسية إلى المحكمة الفدرالية بدلاً من إبقاءها في يد وزير الهجرة.

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/05 الساعة 06:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/05 الساعة 06:53 بتوقيت غرينتش

لا شك أنَّ جميع المهاجرين إلى كندا بشتى أعراقهم ودياناتهم وإنتمائتهم المختلفة يتفقون – ضمنياً – فيما بينهم على هدف واحد وهو البحث عن الإستقرار الذي فقدوه في البلدان التي هاجروا منها، وهذا أمر لا يمكن أن يتم من دون تحصيل مواطنة حقيقية وكاملة، فعندما ينعدم الشعور بالمواطنة يُصبح الإستقرار حلم لا يمكن تحقيقه تنعدم معه مسؤولية الفرد تجاه المكان الذي يحيا فيه، ويشعر وقتها بأنه في حِلٍّ من كل الإلتزامات الأخلاقية تجاه ذلك الوطن.

كما هو معلوم، أنه في مخالفة صارخة للدستور الكندي، قام حزب المحافظين إبَّان حكمه بتمرير قانون (C-24) الشهير بحجة تقوية الجنسية الكندية، وكنت قد تطرقت لتفاصيل ذلك القانون في مقال سابق بعنوان (أبرز تعديلات القانون الجديد للجنسية الكندية) يمكن الرجوع إليه لفهم أهم التغييرات التي أحدثها ذلك الحزب وقتها.

لكن ما لم أتطرق له في مقالي، سلطات نزع الجنسية الكندية والتي كانت لا تتم إلاَّ من خلال المحكمة الفدرالية، والأسباب التي يمكن بموجبها نزع الجنسية الكندية هي:
التمثيل الكاذب والنصب والإحتيال في تحصيل الجنسية.
الإدانة بالإرهاب، الخيانة، الخيانة العظمى، والتجسس لحساب دولة أخرى.
شغل منصب في جيش دولة على نزاع مع كندا، أو الإنتماء لجماعة مُسلَّحة تهدد أمن كندا.

كما أنَّ تلك التهم لم تكن محددة لفئة دون فئة، فقام حزب المحافظين بتحديد مَن يجب أن تُنزع منه جنسيته، وخص بذلك مزدوجي الجنسية فقط، لتصبح المواطنة في كندا منقسمة إلى فئتين:
١) مواطنة درجة أولى: وهم كنديون يتمتعون فقط بجنسية واحدة وهي الجنسية الكندية.
٢) مواطنة درجة ثانية: وهم كنديون يتمتعون بالجنسية الكندية إضافة إلى جنسية بلدانهم الأصلية.

في تقديري، أنَّ أسوأ التغييرات التي قام بها حزب المحافظين في قانون (C-24) هو نقل سلطات نزع الجنسية الكندية من المحكمة الفدرالية إلى مكتب وزير الهجرة، بحيث يستطيع الوزير سحب أي جنسية بجرة قلم وهو يحتسي كوباً من القهوة من دون أن يرف له جفن. وقد كان قبل ذلك لابد على الحكومة إن أرادت أن تنزع الجنسية عن مواطن مُتهم بإحدى التهم التي سبق ذكرها أعلاه، التوجه إلى المحكمة الفدرالية في محاكمة تأخذ سنوات متتالية يمكن للمتهم خلالها بتعيين محامي للدفاع عن نفسه ضد إتهامات الحكومة له، وفي النهاية تكون كلمة الفصل للقضاء، والقضاء في كندا نزيه بمعنى الكلمة.

ما أبعاد تلك السلطة المنحصرة في يد الوزير؟
أبعادها وخيمة جداً، فعلى سبيل المثال لو كان وزير الهجرة صهيونياً أو مُختَرقاً من الصهيونية، يمكن ببساطة لأولئك الذين يعملون في الظلام ضد قضايا العرب والمسلمين في كندا الوشاية على أي مواطن كندي من الدرجة الثانية لتُسحب منه جنسيته على الفور ومن دون محاكمة، بل كان لحزب المحافظين نوايا لدفع مزدوجي الجنسية – طوعاً – للتنازل عن جنسياتهم الأصلية ليصبحوا بذلك مواطنين من الدرجة الأولى فلا يخشون على جنسيتهم الكندية أن تُنزع منهم إذا ما تم توجيه تهمة الإرهاب لهم، والهدف من ذلك تقليل خيارات المهاجرين وإجبارهم على البقاء في كندا، فكلما قلت الخيارات أصبح الناس أضعف، والأهم هو إرعاب العامة وإسكات أي صوت يُخالفهم، لتتحول كندا من دولة حرة إلى دولة قمعية تمارس الإرهاب المُنظَّم ضد مواطنيها تحت مظلة القانون الفاسد والمخالف للدستور جملة وتفصيلاً.

أذكر يوماً كنت في محل بيع جوَّالات وكان البائع كندي المولد من أصول صينية، أي أنه في نظر القانون الكندي هو كندي الأصل لأنه مولود في كندا، كما أنه لا يحمل أي جنسية أخرى بجانب الجنسية الكندية، فهو حسب القانون مواطن من الدرجة الأولى وليس لديه ما يخشاه على مواطنته. الشاهد أنه سألني إن كنت عربي؟ فأجبته بنعم، قال لي أنه طالب في الجامعة ويدرس العلوم السياسية، ثم قال: (أنا وجماعتي نقف إلى جانبكم)، قلته له: (ماذا تعني بجماعتك؟ وبماذا تقفون إلى جانبنا؟)، فاقترب إليَّ كي لا يسمعه أحد وقال بصوت منخفض: (أقصد بجماعتي الكنديين من أصول صينية، فأغلبنا يساريون، ونحن نقف بجانب العرب والمسلمين في القضية الفلسطينية ضد الصهاينة)، فضحكت وسألته: (لماذا أخفضت صوتك؟)، فقال: (حتى أجتنب المشاكل، فعندما تتحدث عن هؤلاء … لا ينبغي أن ترفع صوتك!).

اليوم جاء الحزب الليبرالي إلى الحكم مع حزمة وعود بإصلاح العطب الذي ألحقه المحافظون بالجنسية الكندية، ففي شهر فبراير الماضي من هذا العام، تقدم الحزب الحاكم إلى مجلس العموم الكندي بقانون (C-6) الجديد ليتم الإستماع إليه من قِبَل النواب والتصويت عليه والذي يقضي بتعديل قانون الجنسية الكندية، وأهم تلك التعديلات:
إزالة أسباب نزع الجنسية الكندية التي تتعلق بالأمن القومي، وبذلك لن يتم نزع الجنسية مِمَن توَّجه لهم تهمة الإرهاب حتى لو كانوا من مزدوجي الجنسية.
إزالة شرط أن يكون مُقدِّم الطلب ينوي المكوث في كندا بعد الحصول على الجنسية، وبذلك سيتمكن الكنديون الجدد من التمتع بحرية التنقل أينما يريدون ووقتما يريدون من أول لحظة يحصلون فيها على الجنسية.
تقليل عدد الأيام الإلزامية داخل كندا قبل التقدم بطلب الحصول على الجنسية من أربع سنوات (١٤٦٠) يوماً إلى ٣ سنوات (١٠٩٥) يوماً.
إلغاء السن المحدد لإتقان لغة من اللغات الرسمية في كندا (الإنجليزية والفرنسية) كشرط للتقدم لطلب الحصول على الجنسية الكندية من (١٤ – ٦٤) عاماً وإعادتها إلى (١٨ – ٥٤) عاماً.

لكن هناك مفاجأة لم أكن أتوقعها من الليبراليين، والمفاجأة هي أنهم لم يلغوا قانون (C-24)، بل عدَّلوا عليه بما يناسبهم، ففيما يخص أسباب نزع الجنسية الكندية من مزدوجي الجنسية، قاموا بإلغاء الأسباب المتعلقة بتهديد الأمن القومي التي تم ذكرها أعلاه، وأبقوا على نزعها من الذين احتالوا على الدولة في نيلها، والأهم أنهم أبقوا على سلطات نزع الجنسية بين يدي وزير الهجرة ولم يُعيدوها إلى سلطة المحكمة الفدرالية !!

وبذلك يبقى الباب مفتوحاً على مصرعيه للتلاعب في مصائر الكنديين من قِبَل أي حزب أو حكومة تأتي من بعدهم، ولو كانوا فعلاً يريدون إستقرار الجنسية الكندية وحامليها، كان أولى بهم الإبقاء على أسباب نزع الجنسية كاملة شريطة إعادة سلطات نزع الجنسية إلى المحكمة الفدرالية بدلاً من إبقاءها في يد وزير الهجرة.

أتمنى أن أكون مخطئاً في تقديري.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد