كاتباً كنتَ أو موسيقيًّا.. موظفاً أو ذا مهنة حرة.. متعلماً أو ذَا ثقافة أبجدية محدودة.. لا يهم.. يكفي أن تكون إنساناً، لتغير العالم.. لا تستهن بقدراتك، فقد خُلقت لتكون ناجحاً.. لتحقق ذاتك.. لتكون الأفضل.
أدعوك للانفصال لحظات عن جسدك.. الذي ما دمت حبيس زواياه.. فلن تتمكن يوماً من الانتصار أمام تعقيداته.. وتعطشه الدائم إلى تمثيل دور الضحية، التي يسعى الجميع إلى تدميرها.. حسب اعتقاده.
فلو عدت زمناً في تاريخ سنواتك، لاكتشفت أن كل معاناتك وألمك، كانت بسبب إشفاقك على نفسك من مصطلح المادة الفانية، وَيَا ليتنا نتحسر على ما يؤذي أرواحنا.
لو تمكنت من تركيز إحساسك على كينونتك.. واستطعت الفصل بين مكوناتك.. ثم وجهت كل تركيزك على عقلك.. لتمكنت حتماً من الإفلات من سجن الجسد البائد، وتمتعت بكونك فكراً لا أكثر.. فكراً لا يعرف معنى الألم.. وُجد فقط ليفكر، ويجد الحلول، ففقط الفكر المستعبد من رغبات الجسد، يُفني العمر في بؤس عميق لا قرارة له.
تمتع بحرية الانعتاق.. اجعل عقلك يغلب في معركة الإدراك.. فقط حينها ستدرك حقيقتك، وسمو قيمتك في هذا الكون.. فقط حينها ستعرف أنك سِرٌّ إلهيٌّ كامل.. وستفهم معنى أن تكون خليفة الله على أرضه.
ما إن تسبح بعيداً.. وتصبح في مواجهة صارمة بينك وبين نفسك.. في صراع فكري جسدي.. بين مكون روحي يسمو باستمرار، وآخر مادي لا يلبث أن يبقى ثابتاً على الأرض مهما اعتنيت به ومهما دللته.. حينها فقط ستجد أن الأجساد بقيت متفرقة على البسيطة راسخة كجبال من رمل، والأرواح من حولك متلاحمة متعاونة، قوية بدعمها بعضها بعضاً.. حينها فقط ستفهم كم أن خضوعنا للمادة في أبهى صورها الواهية، المزخرفة ببضع ألوان زائفة.. هو السبب في إخفاقاتنا، وافتقادنا لحب الذات قبل حب الغير، ولأي تقدير لأنفسنا، وطاقاتنا الكامنة بصمت، في عمق بركان خامد.
من ذلك العلو فقط، ستعلم كم أن وجودك مهما كنت ترى نفسك ناقصاً، ومهما كنت تستصغر من شأنك، هو مهم ومؤثر.
الكاتب قد يغير تفكير أمة بأكملها، أو يكفيه إثارة الجدل كدليل على أن قلمه كان مقروءا.. والرسام قد يوضح للعالم ببضع خطوط وألوان، ما خفي عن إدراكاتهم البسيطة.. والعالِم قد يغير التاريخ، ويصنع المستقبل بفكره واكتشافاته.. كما الطبيبُ والمهندسُ والمحامي، بل حتى من لم ينهل من بحر الدراسة ما يعلقه على جدار مكتبه، تكفيه ابتسامة طيبة من قلب سليم ليحيل الصخر بين يديه زهوراً.
إنها قدرتك كإنسان.. بل إنه معنى أن تكون إنساناً إيجابيًّا، وسط عالم من السلبيات، والإحباطات التي تشلُّ دوافع الحب والإبداع في دواخلنا.. إنها روح التحدي في أحلى صوره.
ليتنا نستطيع النظر إلى البشرية، بنظرية دورة الحياة.. فكونك سلبيًّا، يعكس سلبيتك على محيطك ومنه إلى كل المجتمع ثم تعود إليك خاسئة لا تدمر في النهاية سواك.. أما إن اخترت أن تخوض تجربة الحياة من جديد بإيجابية، فبمنطق الإفادة والاستفادة، ستكون أول مرآة تعكس إشعاعات روحك السامية بكل فخر.. لتصنع في النهاية مجتمعاً إيجابيًّا ناجحاً، يقوم على أسس الخير، بمنطق العقل، والدين.. وكيف لا والدين يربط شرط الإيمان بوجوب حب الخير للغير، كحبه لنفسك، في زمن بتنا نمنع فيه الخير حتى عن أنفسنا، بأنانية الفكر المادي المستحدث.
إنها السعادة التي لطالما بحثنا عنها في محيط مجتمعاتنا، ونسينا أن منبعها ليس إلا في أعماقنا، فقط يكفينا التنقيب بحرص وعقلانية، لنحصل في النهاية على شلال من الصفاء بعبق السكينة وملمس السلام المنشود.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.