الازدراء: خوف.. جلد.. أم تعنت؟!

إلى متى يظل رجال الدين لا يعرفون ويطبقون سوى حكم قضائي واحد هو الازدراء والحبس لكل باحث فقهي أو راصد تاريخي! وإلى متى يظل شيخ الأزهر يقول: التجديد سنة كونية دعا لها الإسلام! مجرد جملة جوفاء لا تحتوي مضموناً فعليًّا يطبق على أرض يومياتنا وأفكارنا

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/02 الساعة 03:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/02 الساعة 03:39 بتوقيت غرينتش

جميعنا يتقبل الخوض والنقاش والاختلاف في مختلف القضايا المحورية في حياتنا اليومية كالوطن والوطنية والخيانة والعمالة والثقافة والجهل، وتدني مستوى الفن والتاريخ وعظمته أو انعدام قيمته.

فمنا من يختلف رأيه عن العموم من الناس ليصدمنا في حقائق لا مجال لإنكارها، ومنا من يعتقد أن مخالفته شكل من أشكال الحرية الشخصية وحرية إبداء الرأي حتى لو لم يتناسب مع العرف والتقاليد!

ومنا من له رؤية ومنظور جديدان على مجتمعنا الشرقي المتشدد في قضاياه أو ثوابته المقدسة، والتي قد تمس الدين أو العقيدة، وهؤلاء من يتعرضون لرفض مجتمعي مشحون بعاطفة دينية وتبعية لرجال الدين غير واقعية في مضمونها؛ لأنهم يكونون تابعين بدون إدراك أو فهم حقيقي للأبعاد الفقهية، وغير قادرين على إبداء رأيهم أو شعورهم برفض تلك الفكرة الفقهية المتبعة بعدم سماح رجال الدين منذ القدم لمريديهم وتابعيهم بإبداء الرأي أو إظهار الرضا من عدمه.. فالفقة يتبع كالكتاب السماوي بدون جدال!

وهنا نتوقف!
لنبدأ من جديد، نتقبل الخوض والنقاش في كل شيء من قضايا محورية ومؤثرة في أي إنسان طبيعي ما عدا الدين!
غرس فينا رجال الدين للكتب السماوية الثلاثة عدم النقاش أو الاعتراض أو محاولة الفهم أو المغزى من تبعيتهم في فقهم المكمل "في نظرهم" للدين!
في البداية كان هدفهم ترسيخ الدين بدون إحداث تشويش على فروضه أو تشويه أصوله، لكن تطور الأمر بنا وبهم أنهم أرادوا جعل أنفسهم -هم فقط- العالمين بالدين والعارفين بالله وحماة الدين وحاملي شعلته التي لولاهم لانطفأت! إلى أن وصل بنا الحال بنجاحهم في جعل العامة منا يقدسونهم ويعطوهم منزلة تابعي الأنبياء في القدسية والاقتداء!

نحن المسلمون نعرف أن القرآن كامل لا ينقصه أمر لكن سنة الرسول "من أقوال وأفعال"، جاءت موضحة ومبينة وكاشفة لما قد يستعصي علينا فهمه من القرآن، فلم تأتِ السنة مكملة لنقص، بل موضحة وشارحة ومفصلة لما قد يعجز العامة عن فهمه لاختلاف الزمان والمكان، والأهم لاختلاف درجة التدين والوعي الديني لدينا.

جاء الفقهاء بمذاهبهم كالإمام مالك والإمام حنبل والإمام أبي حنيفة والإمام الشافعي، وأهل الحديث النبوي.. جامعي الأحاديث النبوية كمسلم والبخاري اعتبرهم رجال الدين على مر الزمان أنهم أحد أعمدة الدين الإسلامي فكما يحرم علينا الخوض في الكتاب السماوي "القرآن" والعمل على اتباع السنة النبوية الصحيحة غير المحرفة أو الضعيفة، يجب علينا بدون نقاش أن نتبع المذاهب والمطروح من الأحاديث النبوية المجمعة من خلال الفقهاء أو أهل الحديث كتقديسنا للقرآن!
فرض رجال الدين أنفسهم على إيماننا وديننا يجعلنا كالطفل المشاكس يهوى التطاول على رموزهم وتخطي حواجزهم التي تحجبنا عن الله بحرية منبعثة من إيمان حقيقي.

فنجد دارساً للدين يتخطى حدوده متطاولا على أحد رموز جامعي الحديث النبوي، مشككاً فيما نقل من أحاديث نبوية، مشيراً بإمكانية الخطأ في التدوين لعدم وجود الناقل للحديث "البخاري" في عصر الرسول.. وكان لرجال الدين منظور مخالف له، لكن لأسباب غير معلنة ومغايرة لحكمهم على الإعلامي إسلام البحيري بإزدراء الدين.

"خوفهم" الصريح من المساس بأحد فقهاء وعلماء نقل الحديث النبوي الذي يعتبر من ثوابت "السنية" فحين نهدم أحد أعمدة "السنية" المسندة في الأصل على الحديث النبوي ندع مجالاً واسعاً للـ"شيعة" يدلوا بدلوهم في التشكيك في باقي ثوابت السنية والفزع الشديد من "المد الشيعي" الذي طال بلاد إسلامية كثيرة حتى أن التشيع وصل لدولة السعودية منبع المذهب السني ومنارته وناشرته!
وهذا الخوف جعل البحيري سيقضي سنة من عمره في السجن كالمجرمين، بعد أن كان أحد دارسي الفقة الإسلامي والمطالب بتنقيحه وتناوله بما يليق بالعصر والزمان!

ولا ننكر أن هناك من يتطاول على ثوابت الدين من فروض وأركان الإيمان اعتقاداً منه أنها تعبير عن حرية شخصية وإيماناً منه بعيوب في الدين يعلن عنها حتى لو لم يكن دارساً للشريعة الإسلامية وغير متعمق في الفقة الديني وغير متدين من أساسه، لكنه يرى بكل سطحية وعنترية وخروج عن المنطق والعقل في تناول فروض الدين بالرفض والسخرية، قد يصل به الأمر إلى السخرية من الرسل بل أحيانا من الله عز وجل ، فتخرج علينا كاتبة صحفية مصرية باعتبار أن الأضحية في عيد الأضحى ما هي إلا إسالة دماء بناء على "كابوس قدسي"!

ربما مفهوم الحرية الشخصية وإبداء الرأي لديها يحتاج تصحيحاً وشرحاً لعمق التشريعات والفروض الدينية، نظراً لغياب التعمق الديني لدى الكثيرين من المسملين في الوقت الحالي، لكن لرجال الدين موقف "الجلد" لها بـثلاث سنوات في السجن لازدرائها الفروض والثوابت الدينية وتناولها بسخرية مقيتة منفرة تدع مجالاً للأديان السماوية الأخرى التصيد والنقد والاستهزاء من ديننا.

إلى متى يظل رجال الدين لا يعرفون ويطبقون سوى حكم قضائي واحد هو الازدراء والحبس لكل باحث فقهي أو راصد تاريخي! وإلى متى يظل شيخ الأزهر يقول: التجديد سنة كونية دعا لها الإسلام! مجرد جملة جوفاء لا تحتوي مضموناً فعليًّا يطبق على أرض يومياتنا وأفكارنا.. فلا نجد من يقبل تغير المفاهيم الفقهية التي لا تتناسب ووقتنا الحالي، ولا نجد من يجادلنا ويقتنع أننا على صواب يحتاج أن يصدقه شيوخنا لا أن ينكروه علينا، أو أننا على خطأ نحتاج للتصويب لا للجلد والتهميش كأننا وباء على الإسلام.

لأنني مسلمة غير متفقهة في المسيحية يجب الإشارة السريعة إلى أن رجال الدين في مختلف الأديان بعقلية واحدة ومنظور سلطوي ضيق واحد يصل بهم الأمر لرفض الكنيسة الأرثوذكسية الصلاة على جثامين بروتستانت لاختلاف المذاهب أو الكنيسة أو الإنجيل!

"تعنت" كنسي يماثله تعنت إسلامي في إفتاءات كثير من شيخونا بعدم جواز تصل للتحريم لطلب الرحمة لغير المسلم المتوفى في الدعاء!
أو عدم جواز معايدة غير مسلم في أعياده الدينية واعتباره خروجاً عن الملة لمخالفة رأي الفقهاء في عدم الجواز والمنع!

لم يصبح الدين خطًّا أحمر يضعه ويحدده إيماننا العميق بالله وشريعته، بل أصبحت خطوطه العريضة توضع من قبل رجال الدين ويحددون برؤيتهم هم فقط من تخطى ومن تجاوز وعلى من نصلي ولمن نطلب الرحمة!

أصبح رجال الدين هم طريق الوصول إلى لله، وأصبحنا كالقطيع لا نسير إلا خلف راعينا فندعه يحمينا من أنفسنا حتى لا نكفر بما يُراد لنا أن نسلم له.. وما يريد هو أن نؤمن به!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد