تتميز سياسات الرئيس الإيراني المعتدل حسن روحاني بأنها محاولات حذرة للتقارب مع الغرب، ولهذا أثلج الصدورَ فوزُ حلفائه في الانتخابات الأخيرة.
غير أن فوزهم هذا لا يشكّل ضربةً قاصمة ولا صفعة موجعة لوجه المتشددين الإيرانيين الذين لطالما هيمنوا على شبكات قوى البلاد سياسياً واقتصادياً.
لكن مع ذلك يبقى هذا الفوز موضع ترحيب الرئيس لأنه يعزز سياسته ويدعم قراره الذي اتخذه العام الماضي بوقف برنامج طهران النووي مقابل رفع العقوبات الاقتصادية الغربية عن بلاده وضخ مليارات الدولارات الاستثمارية في شرايين اقتصاده، وفق تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، أمس الاثنين 29 فبراير/شباط 2016.
اختبار ميزان القوى
الآن بعد مضيّ أكثر من 3 عقود على ثورة 1979 غدا المعترك السياسي الإيراني ساحةً حامية الوطيس للتنافس بين المتدينين المحافظين والسياسيين الإصلاحيين.
وكانت انتخابات الجمعة الماضي أول اختبار لميزان القوى والوقوف على مواطن الثقل فيه منذ تحدى الرئيس روحاني رجال الدين المتشددين العام الماضي، واضعاً برنامج إيران النووي جانباً على الرف، حيث لقي قراره هذا، الذي وقعه في فيينا يوليو/تموز الماضي مع أميركا والغرب وابلاً من الانتقادات التي أمطره المتشددون بها، فهم الرافضون تماماً لأي انفتاح على الغرب، لكن هذه الانتخابات الأخيرة أظهرت أن معظم الشارع الإيراني يعارض ذلك الرأي.
مازال الإصلاحيون غير مسيطرين لا على البرلمان ولا على مجلس الخبراء الذي يختار المرشد الأعلى المقبل للبلاد، لكنهم قطعوا أشواطاً في شق طريقهم إلى كلا المجلسين.
ففي طهران حصد المعتدلون المقربون من الرئيس كل المقاعد الـ30 المتنافس عليها، أما في انتخابات طهران لمقاعد مجلس الخبراء فقد هزم جميع المرشحين المتشددين فيما عدا مرشح واحد.
نتائج مثيرة خاصة في ضوء أن أكثر من نصف مرشحي البرلمان الـ12 ألفاً كان قد تم استبعاد طلباتهم للتقدم، حيث قال الإصلاحيون أنهم تعرضوا بالذات لاستهداف وإقصاء أكثر من سواهم.
لديهم العديد من المفاتيح
ينبغي علينا حين ننظر إلى فوز المعتدلين في هذا الانتخاب أن نراه ضمن سياقه، صحيحٌ أن رجال الدين المتشددين خسروا قبضتهم المحكمة على البرلمان، لكن مفاتيح حكم وإدارة الاقتصاد والقوات المسلحة والقضاء مازالت كلها في أيديهم، ونخبة الحرس الثوري الوطني مازالت حصرياً ممسكة بزمام شؤون مؤسسات الاقتصاد والجيش والاستخبارات.
لكن بغض النظر عن كل ذلك، تبقى نتائج الانتخابات داعماً للرئيس الإيراني.
من جهته يظل المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي حليفاً مقرباً من المتشددين وسياسة الاكتفاء الاقتصادي الخاصة بهم بمعزل عن الغرب، لكنه إذ يحاول التوفيق بين كافة أطراف السياسة الإيرانية لا يسعه إلا الإقرار بمطالب الشعب ورغبته في الانفتاح وبرفع نمط المعيشة.
أما في دول الغرب – وفي أميركا بوجه خاص – فإن أي تحليلات وتوقعات متفائلة بمستقبل إيران ستلقى شكوكاً كثيرة؛ لأن إيران مازالت صاحبة أسوأ سجل حقوق إنسان في العالم، كما أن وكلاءها الشيعة يزيدون قلاقل الشرق الأوسط ويزعزعون استقراره.
وبالرغم من الهدنة الجزئية التي بدأ سريانها منذ الأسبوع الماضي، فإن إيران وروسيا تبدوان عازمتين على مساعدة نظام الأسد في توسعة رقعة نفوذه لتصل إلى مناطق المعارضة.
إن لم تحسّن إيران من تصرفاتها في المنطقة فسوف يظل تقاربها مع الغرب مبدئياً تجريبياً لا فعلياً، ما سيديم فرض العقوبات عليها.
إن أحداث إيران على مدار الأيام الماضية كشفت عن رغبة الشعب في رسم وخطّ مسار جديد براغماتي واقعي، فهم يدعمون روحاني، لكنهم كذلك يزيدونه ضغوطاً مطالبةً بتحقيق نصيب إيران الاقتصادي من الصفقة النووية.
قرار الرئيس أوباما التفاوض مع إيران على برنامجها النووي لقي هجوماً شرساً من الحزب الجمهوري ومن بنيامين نتنياهو. لكن الصفقة النووية ورفع العقوبات أعطيا الرئيس الإيراني فرصة ليعزّز قاعدة وموطئ قدم المعتدلين ضمن النظام، وهذا أمرٌ في مصلحة إيران نفسها مثلما هو في مصلحة العالم كله.
– هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة Financial Times البريطانية، للاطلاع على المادة الأصلية،اضغط هنا.