نحن معشر الصيادلة

في الختام علينا أن نعلم أن الصيدلي فرد مهم في تكوينة المجتمعات الإنسانية، وله الكثير من الأثر في التقدم العلمي، وفي تحسين حياة الناس على وجه الأرض، وعليه أن يكون على قدر هذه المهنة الرفيعة، فيتحلى بقيمها ويستزيد دائماً من علمها ويبحث عن الأفضل لنفسه وللناس الذين يخدمهم، وعلى الناس أن تعلم أن الصيدلي ليس طبيباً وأن الطبيب ليس صيدلياً لكنهما معاً يشكلان أفضل فريق لتقديم العلاج لهم والعناية بهم.

عربي بوست
تم النشر: 2016/02/28 الساعة 02:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/02/28 الساعة 02:09 بتوقيت غرينتش

أنا صيدلي وكثير من الناس يعرفونني لكنهم لا يعرفونني!!
لأنك إذا سألتهم من هو الصيدلي؟ فإن أحدهم سيجيبك: إنه بائع الدواء، أو قد يقول لك إنه بائع في متجرٍ راقٍ! ومن يقدِّر الصيدليَّ أكثر فسيقول: إنه نصف طبيب.. لكن غالبية الناس لا يعرفون من هو الصيدلي حقاً، وماذا يعرف، وكيف ينفع المجتمع.

حتى زملاء المهنة من أطباء وممرضين وفنيين بتخصصات مختلفة يعتبرون الصيدلي شخصاً يصرف وصفة، ويتبع تعليمات الطبيب في تجهيز خلطة دوائية، أو إعطاء دواء للمريض، ويمكنه أحياناً أن يصرف بعض الأدوية البسيطة كمسكنات الآلام الخفيفة، وأدوية الرشوحات، وليس مخولاً -كما يظنون- بتعديل جرعة دوائية، أوتعليمات الاستخدام، أو ما سوى ذلك.

كما أن كثيراً من الناس يدّعي أنه يمكنه أن يحل محل الصيدلي بمجرد الخبرة والجلوس في صيدلية لعدة أشهر، ولكن هل درس الصيدلي خمس سنوات من عمره -أوربما أكثر- ليكون صارف وصفة؟ أو ليحل محله أي شخص تعلم الصيدلة بالخبرة في أشهر معدودة؟

يرسل الناس أبناءهم لدراسة الصيدلة لأسباب عدة: 1- لأن الصيدلي "البائع" يحصل على الكثير من المال،. 2-و أن الصيدلة تجارة رابحة بامتياز، 3- لأن أبناءهم لم يتمكنوا من دراسة الطب، فلا بأس عندهم بـ"نصف طبيب"، أما السبب الآخير فهو أن نتيجة الثانوية العامة تؤهلهم لدخول كلية الصيدلة كأرفع كلية ممكنة للانتساب إليها، وقد تكون الصيدلة ميزة مضافة للفتاة إذا ما طلبها خاطب للزواج، مع أنها قد تظل شهادة بإطار معلقة في مطبخها إلا من رحم ربي.

ومع أن الصيدلي هو أكثر شخص محترف يحتكُّ بالناس، ويقابل كل طبقات المجتمع، وهو الشخص الوحيد ربما الذي لا يتقاضى أي مبلغ مالي مقابل استشارته، التي غالباً ما تكون مفيدة وقيمة، ومصدراً مهماً من مصادر الثقافة الصحية الصحيحة في المجتمع، إلا أنه لا يحظى بالاحترام والاهتمام المطلوب، والسبب غالباً أن الناس لا يعرفون من هو الصيدلي، وما طبيعة العلم الذي تعلمه، وليس لديهم أدنى فكرة في أي شيء يمكن أن ينفعهم علمه، وقد يكون السبب الصيادلة أنفسهم، فهم لم يعرِّفوا بأنفسهم جيداً، وربما طغت عليهم الأفكار السائدة في المجتمع عنهم، فاتخذوا من زوايا صيدلياتهم أماكن يلوذون بها ويندبون الحظ الذي "هوى" بهم في مهنة كتلك.

الصيدلة ليست مجرد وقوف في الصيدلية، واتباع تعليمات على وصفة طبية ربما كان الخط فيها بالكاد مقروءاً، الصيدلي شخص محترف يعرف عن الدواء أعمق بكثير مما يظن الناس، فقد تعلم التركيبات الكيميائية للدواء وكل ما يتعلق به، ثم تعلم كيف يكون المرض، وكيف يعمل الدواء على علاج المرض، وبعد ذلك تعرف على طرق إنتاج الدواء بالشكل الذي تعرفه، وتدرب على كيفية التصنيع، ودرس الكثير عن الحالات وعلاجها، والتفاعلات بين الأدوية، ثم نزل إلى الصيدلية، وتدرب كيف يمكنه التعامل مع الناس والقدرة على إفادتهم، وكيف يتصرف مع علبة الدواء، وكيف يتقن التعامل مع المال وإجراء التجارة والصفقات، ومع أن كل صيدلي يبدأ حياته بالوقوف في صيدلية لكن هل يمكن أن يعمل الصيدلي في مجال آخر؟

بالتأكيد فربما كان الصيدلي أكثر محترف يمكنه الحصول على خيارات مختلفة للعمل، كما أنه أكثر محترف يحتاج إلى التداخل مع التخصصات الأخرى المختلفة، فهو يعمل في الصيدلية العامة ويحتاج إلى مهارات المحاسبة والتسويق، بالإضافة إلى مهارات الاتصال والتواصل والعلاقات، والكثير من المعلومات عن التجميل والعناية الشخصية ورعاية الأطفال.

وهو الذي يعمل في مستودع الأدوية، ويعرف الكثير عن السوق والتجارة والصفقات المالية، بالإضافة إلى مهارات الإدارة، كما أنه شخص أساسي في مصنع الأدوية، ويحتاج للكثير من مهارات المهندسين والكيميائيين والفيزيائيين، ويمكنه العمل في مجال الدعاية الطبية ويكون مسوقاً بارعاً في العرض والتواصل.

وهو بلا شك الأكاديمي الذي يدرِّس الأساسيات والفرعيات في علوم الصيدلة ويحتاج إلى مهارات التدريس، وهوالباحث العلمي الذي يستخدم مهارات الإحصاء والمعادلات الرياضية، بالإضافة إلى مهارات الكتابة، وهو المحلل الدوائي الذي يعمل في الرقابة فيكشف عن مطابقة المنتجات العلاجية للمواصفات، ويتأكد من خلوها من المكونات الضارة، وهو الدكتور الصيدلي في المشفى الذي يعمل مع فريقه الطبي على تحديد الدواء المناسب والجرعات الدوائية، ويحضر المحاليل ويشرف على التغذية السريرية.

بالإضافة إلى أن الصيدلي أكثر شخص يعرف عن النباتات الطبية، والطرق الصحيحة لاستخدامها، ومخاطرها وأضرارها، وكم سيكون رائعاً أن يعمل صيدلي مبرمجاً لأنه سيكون أعرف بما تحتاجه المهنة في شتى مجالاتها من برامج، أو أن يعمل مصمماً أو مصوراً أو مخرجاً حتى يتسنى عرض المعلومة الدوائية بالشكل الصحيح، سواء كانت موجهة للزملاء الآخرين في الحقل الطبي أو لعامة المجتمع، وقد تتسع مجالات العمل بقدر الإبداع الذي يتمتع به كل صيدلي.

في الختام علينا أن نعلم أن الصيدلي فرد مهم في تكوينة المجتمعات الإنسانية، وله الكثير من الأثر في التقدم العلمي، وفي تحسين حياة الناس على وجه الأرض، وعليه أن يكون على قدر هذه المهنة الرفيعة، فيتحلى بقيمها ويستزيد دائماً من علمها ويبحث عن الأفضل لنفسه وللناس الذين يخدمهم، وعلى الناس أن تعلم أن الصيدلي ليس طبيباً وأن الطبيب ليس صيدلياً لكنهما معاً يشكلان أفضل فريق لتقديم العلاج لهم والعناية بهم.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد