توصّل "ائتلاف أقباط مصر" إلى صيغة نهائية لمشروع قانونٍ ينوي عرضه على البرلمان المصري لإقراره، يحمل عنوان "مكافحة الفتن الطائفية"، ويهدف لإيجاد آلية لمعالجة حدوث أي أزمة طائفية في البلد، ومحاولة الوقاية من تلك الأزمات عن طريق وضع حلول استباقية.
وتعتبر الأزمات الطائفية من المشكلات المزمنة في مصر، حيث لا يمرُّ شهرٌ تقريباً إلّا وتتفجر أزمةٌ على أساس طائفي في ربوع البلاد، تأخذ أبعاداً أمنيةً خطيرة، خصوصاً إذا ما تطوّر الأمر في الشارع بين أبناء القرية الواحدة.
وكانت آخر تلك الأزمات ما حدث مع أطفال مسيحيين قاموا بتصوير تمثيلي لداعش سخروا خلاله من صلاة المسلمين، فتمت محاكمتهم بتهمة ازدراء الأديان، ليحكم عليهم الخميس 25 فبراير/شباط 2016 بالسجن.
شروط للتحوّل الديني
مشروع القانون المكون من 12 مادة وضع عدة تصورات لمعالجة الفتن الطائفية في مصر، أبرزها مواد تؤكد على حرية الاعتقاد، وتنظيم التحول الديني، وذلك باشتراط سن الـ 21 عاماً، وأن يتمّ التحول الديني وفقاً لجلسات "نصح وإرشاد"، تتكون من شيخ أزهري وقس ورجل قضاء تنعقد بمقرّ المجلس القومي لحقوق الإنسان.
وتضمن المقترح مادةّ تنظم حرية ممارسة الشعائر الدينية من دون اعتراض، لما يتوافق مع القانون المصري، كما اهتم المشروع بتجريم ازدراء الأديان السماوية على وجه العموم بين العقائد المختلفة.
وينصُّ المشروع على عدم التمييز في كل نواحي الحياة العملية للمواطن المصري باختلاف عقيدته، أو عرقه، أو جنسه، أو لونه، كما أكد على عدم حجب أي وظيفة أو ترقية للمناصب السيادية أو العسكرية على أساس العقيدة، فيما ركّزت مادة أخرى على الاهتمام بمادة تعليمية يتم تدريسها إجبارياً في جميع مراحل التعليم تختص باحترام مبدأ المواطنة الكاملة وعقيدة الآخر.
وألزمت مادة أخيرة بحيادية السلطات التنفيذية في وقف كل أحداث الفتن الطائفية من دون اعتبارات دينية أو مذهبية، وتجريم التهجير القسري بكل أشكاله وأنواعه مع منح تعويضات مادية وعينية للمتضررين من أحداث العنف الطائفي.
لجنة للمراقبة
ودعا القانون في إحدى مواده إلى تشكيل لجنة لمراقبة تنفيذ القانون مكونة من 15 عضواً منهم رجال قضاء وممثلون عن الأزهر والكنيسة وممثلون عن المجلس القومي لحقوق الإنسان وممثلون عن التيارات الشعبية بالإضافة لممثل عن رئاسة الجمهورية، على أن تتوافر في الأعضاء الحيادية والاستقلال والنزاهة وحسن السيرة وأن يتم اختيار أعضاء اللجنة من خلال رئاسة الجمهورية أو رئاسة مجلس الوزراء أو مجلس النواب، ويكون للجنة الحقُّ فى التحقيق في الشكاوى المقدمة التي ترتكب ضدّ هذا القانون وتقديم تقرير يرفع للجهات المختصة للبتّ فيه
3 شهور لطرح القانون بمجلس النواب
وعن طرح القانون وكيفية صياغته، قال فادي يوسف مؤسس "ائتلاف أقباط مصر" إن الائتلاف وضع جدولاً زمنياً مدته 3 أشهر حتى يتم طرح مشروع القانون داخل مجلس النواب، بدأت الأحد 21 فبراير/شباط 2016، وإعادة طرح مشروع القانون إعلامياً مرة أخرى، وذلك مع بدء مرحلة عقد ورش عمل مع النواب، سواء في مقر الائتلاف، أو بمقرات أماكن تواجد النواب لمدة شهرين، يعقب ذلك عقد مؤتمر صحفي موسّع بحضور جميع النواب الذين وافقوا على القانون، ثم يعقبه طرح القانون داخل المجلس بحدٍّ أقصى مع بداية النصف الثاني من هذا العام.
وأكد يوسف لـ"عربي بوست"، أن بداية العمل على صياغة القانون تمّت مع نهاية 2013، حيث عقد الائتلاف ورش عمل موسعة بـ16 فرعاً للائتلاف بمحافظات مصر، وبعد التوصل إلى مسودة أولية للقانون بناءً على علاج أكثر أسباب تكرار حدوث تلك الأزمات، تمّت صياغة المسودة الثانية من قبل اللجنة القانونية للائتلاف.
وقام المستشار رمسيس النجار بوضع الصيغة النهائية لمشروع القانون، مشيراً إلى أنه تم إرسال نسخة منه إلى الرئاسة مرتين الأولى في عهد المستشار عدلي منصور الرئيس المؤقت السابق لمصر، والثانية مع بداية رئاسة عبد الفتاح السيسي، كما تم إرسال نسخ إلى مشيخة الأزهر، والكنيسة المصرية.
وأشار مؤسس الائتلاف إلى أن هناك بالفعل ترحيباً من عددٍ من نواب البرلمان والشخصيات العامة، "ولكننا لن نعلن عن هذه الأسماء لحين انتهاء تلك الورش، وإلى الآن لم يواجه المشروع أيَّ نقدٍ من كل الذين عرض عليهم، وهناك ترحيبٌ به من قبل الكنيسة والأزهر".
9 أسباب لحدوث الفتن الطائفية
وذكر يوسف، أن مشروع القانون عالج أهم 9 أسباب لتكرار الأزمات الطائفية لمصر بناء على الرصد الواقعي، منها التحول الديني، وبناء دور العبادة، وأزمات التعليم، وعدم فهم الطلاب للمواطنة، وكذلك أزمات ازدراء الأديان.
وطرح المشروع حلولاً جذرية لكوارث طرق المعالجة التي تزيد الأزمات، سواء بالتدخل الأمني غير المحايد على حدّ قوله، أو الجلسات العرفية وما ينتج عنها من تهجير قسري.
واكد أن القانون المقترح لا يسعى إلى إنصاف طائفة بعينها، ولكنه "يعمل على استقرار البلد، وتوافقه مع أسس الدول الديمقراطية".
وأشار الى أنه منذ عام 2011 هناك أكثر من 40 قضيةً نُظرت أمام المحاكم المصرية خاصة بـ "ازدراء الأديان"، كان آخرها الحكم على 5 أطفال أمس الخميس، و"المؤسف في تلك القضايا ليس أن 39 من المتهمين من المسيحيين، ولكن الأكثر كارثية أنه تمّ تهجير أسر هؤلاء الأشخاص، بما فيهم أسر الأطفال. وفق قرارات جلسات عرفية يتم تنظيمها لحل المشاكل الطائفية"، على حدّ تعبيره.
ينهي آلام عهد حبيب العدلي
وعن رؤيتها لهذا القانون قالت مارسيل نظمي، وهي ناشطة قبطية، إن القانون بالفعل "لمس مواطن الخلل الحقيقية داخل المجتمع المصري في تلك المسألة، ويعدّ محاولة جادّة وقوية لإنهاء ما يمكن أن نطلق عليه عهد آلام وزير الداخلية الأسبق في عهد مبارك حبيب العادلي"، مشيرة إلى أن المقترح يواجه للمرة الأولى "أزمات التحوّل الديني التي تتسبب في أكثر من 60% من المشاكل الطائفية الكبرى بمصر، وذلك وفق آلية ترسّخ فكرة حرية الرأي والعقيدة وفقاً لمواد الدستور".
وأكدت نظمي لـ"هافنغتون بوست عربي"، أن فكرة جلسات النصح والإرشاد كانت موجودة بالفعل من قبل، وكانت تتم في أحد المقرات التابعة لوزارة الداخلية، ولمدة تتراوح من ساعة إلى ساعتين، وكان معمولاً بها قبل حبيب العادلي الذي قام بإلغائها، منوهة إلى أن آلية علاج أزمة التحول الديني بالقانون "جاءت شفافة، وتضمنُ نزاهة هذا الأمر كونه قراراً شخصياً، دون تأثير جهة أو مجموعة من الأشخاص على قراره".