أقدم شبابٌ عاطلون عن العمل بمنطقة ورقلة، جنوب العاصمة الجزائر، على خياطة أفواههم قبل أيام للتعبير عما سموه بـ "الغبن الاجتماعي والإقصاء وصد أبواب الحوار"، مطالبين بالحصول على وظائف في شركات النفط التي تنشط بالمنطقة على مستوى عدة مشاريع.
ومع مرور الزمن، أخذت أساليب التعبير عن الرأي والاحتجاج في الجزائر أشكالاً جديدة، بداية من الإضراب عن الطعام مروراً بالمظاهرات والاحتجاج العلني إلى حرق الأجساد، وصولاً إلى خياطة الأفواه، كطريقة جديدة أقدم عليها شباب الجنوب، تعبيراً عن "عدم جدية أي حوار مع السلطات المحلية".
فشل مساعي الحوار
وتأتي هذه الخطوة، بعد فشل كل المساعي التي أقدم عليها هؤلاء الشباب لإيجاد قنوات حوار حول مشاكلهم مع الجهات المعنية، والتي تتمحور كلها حول ملف التشغيل في الشركات النفطية، منددين بسياسة "التوظيف المنتهجة التي تعتمد على المحسوبية والمحاباة"، حسب ما جاء في شهادات متطابقة أدلى بها بعضهم لـ"عربي بوست".
ويقول مقدم توفيق، أحد الشباب الذين أقدموا على إخاطة أفواههم، في اتصال هاتفي مع "عربي بوست"، إنه "بعد 25 يوماً من الاعتصام أمام مقر الولاية للمطالبة بالتشغيل لم نجد من يسمع انشغالاتنا، بعدها فكرنا في إيجاد طريقة جديدة لكي نلفت انتباه السلطات المحلية إلى مطالبنا".
ويتفق خالد بن زوخ مع زميله في توصيف المعاناة التي يعيشها هؤلاء الشباب البطال، شارحاً لـ "عربي بوست"، سبب إقدامهم على خياطة أفواههم، قائلاً "لقد كرهنا الوعود الكاذبة من الجهات المشرفة على عمليات التوظيف، فاخترنا هذه الطريقة التي أجبرت المعنيين بالأمر على فتح قنوات الاتصال معنا وتمّ تحديد تاريخ 18 من مارس/ آذار كموعد لحلّ مشكلتنا نهائياً".
اليأس يرفع مستوى الاحتجاج
وأثارت كثرة احتجاجات البطالين، مخاوف الحكومة من تفجّر الوضع في الشارع المحلي وخروجه عن دائرة السيطرة، فقد جعل الحراك المتزايد في ملف التشغيل الحكومة تسارع إلى البحث عن حلول جدية تخرج من خلالها واقع الملف من عنق الزجاجة.
وأرجع عبد المالك أيبك، منسق سابق للجنة الشباب العاطلين عن العمل، في حديثه لـ"عربي بوست"، سبب إقدام البطالين على هذه الطريقة إلى "اليأس في ظل بقاء السلطات في موضع المتفرج، وغياب العدالة المستقلة".
أما الناشط الحقوقي مداني المدني، فيرى في اتصال مع "عربي بوست"، أن الحركات الاحتجاجية في الجنوب الجزائري "كانت دائماً مطالب اجتماعية في الظاهر، وجوبهت بحلول ترقيعية في أحسن الأحوال وفي أسوئها التجاهل، وهذا ربما السبب الأول الذي حتّم على الشباب المحتج الرفع من مستوى الاحتجاج والرفض".
"أنا أتألم أنا موجود"
وفي نفس السياق، يعتقد الدكتور قويدر بن أحمد، أستاذ الصحة النفسية بجامعة مستغانم الجزائرية، أن هذه الطريقة الجديدة في الاحتجاج "تعبر عن المعاناة النفسية عن طريق استغلال الجسد بإعطاء بُعدٍ آخر للانتحار على شكل مراحل تتركز على مناطق الجسد"، مضيفاً أنها "ترمز إلى حالة من فقدان الذات من خلال عدم وجود مركز عمل يحقق من خلاله الشاب صدى لحياته".
ويعتبر بن أحمد خلال حديثه لـ "عربي بوست" هذا الأسلوب، "جانباً من المناورة مع الآخر الذي يملك إمكانية الاستجابة إلى حاجة طبيعية ويحاولون من خلال التركيز على الفعل المازوشي للتعبير إيصال رسالة قوية عنوانها أنا أتألم إذاً أنا موجود".
وأوضح بن أحمد أن التركيز على الجسد يجعل منه حالة من الدعم للتخفيف من المعاناة النفسية، فـ"الجسد يتضامن مع ما تجده النفس من معاناة حقيقية ومستديمة، في نفس الوقت الذي يحقق التعبير عن تلك المعاناة التكامل بين النفس والجسد على أنهما وحدة واحدة".
"البوعزيزية" في سياق جديد
من جهته، يرى أستاذ علم الاجتماع الاقتصادي، الدكتور مصطفى راجعي، في تصريح لـ"عربي بوست"، أن إقدام الشباب العاطلين عن العمل في ورقلة على "ممارسة العنف الذاتي هو تعبير عن استراتيجية احتجاجية بوعزيزية، نسبة إلى محمد البوعزيزي الذي أضرم النار في نفسه نهاية 2010، لأنه راجع إلى خيبة أمل من وعود حكومية للحصول على عمل في قطاع النفط".
وما زاد حدة موقف الشباب، وفقاً لذات المتحدث، هو "حصول شباب من الشمال على الوظائف بطرق لا يحكمها قانون العرض والطلب وإنما تخضع لما يسميه الاقتصاديون التوزيع غير السعري للوظائف، أي التوزيع على أسس غير معيار المهارات"، على حد قوله.
وتابع راجعي قائلاً "هذه التحركات الاجتماعية أخذت شكلاً راديكالياً عنيفاً بفعل تأثير الربيع العربي والطريقة الاحتجاجية البوعزيزية، ولقد حققت هذه الطريقة نتائج إيجابية فردية لذلك يحاول هؤلاء الشبان تطبيقها مرة أخرى في سياق جديد".