تمّ حظر المسيرات ومكبّرات الصوت، وبدأت الحملة الأولى للانتخابات البرلمانية الإيرانية منذ توقيع الاتفاق النووي مع الغرب باعتبارها شأناً لا يحظى بأي أهمية.
ومع ذلك، ففي الأيام الأخيرة التي تسبق عملية التصويت المقرر إجراؤها في 26 فبراير/شباط 2016، اكتسبت الحملة زخماً مفاجئاً. وظهرت الملصقات خلال ليلة وضحاها على الجدران في أنحاء طهران. وتزايد عدد اجتماعات الحملة الانتخابية. وأصبح الناخبون في إيران على وعي شديد بأهمية الحدث المزمع انعقاده، وفق تقرير نشرته صحيفة الإندبندنت البريطانية، الأربعاء 24 فبراير/شباط 2016.
ولن تحظى نتائج الانتخابات بأهمية قصوى لدى شعب إيران البالغ تعداده 77 مليوناً فحسب، بل لدى مختلف أوساط المجتمع الدولي ككل.
سيناريوهات محتملة
من ناحية، سوف يؤدي حسن ظهور الليبراليين إلى دعم حكومة الرئيس حسن روحاني، والتي وقعت الاتفاق النووي التاريخي خلال العام الماضي مع القوى العالمية، وإلى مساعدتها في مسيرتها نحو الخروج بالبلاد من الحرب الباردة.
ومن ناحية أخرى، يمكن أن يؤدي انتصار المتشددين إلى العودة إلى المواجهة مع القوى العالمية وإمكانية انهيار الاتفاق النووي وعودة العقوبات التي لطالما أعاقت الاقتصاد الإيراني.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن ياسمين، طالبة الفنون بجامعة طهران والبالغة من العمر 23 عاماً، قولها "الاستثمارات الأجنبية قادمة وتلك هي الفرصة المثالية للحصول على برلمان حديث يمكنه اتخاذ القرارات الصائبة".
وأضافت "لقد مررنا بأوقات عسيرة للغاية ونريد نحن الشباب مستقبلاً أفضل. ونعتقد أن هذه الانتخابات يمكن أن تكون بمثابة البداية. ونريد أن نتمكن من التمتع بحقوقنا الكاملة دون أن نشعر بالخوف".
مجلس الخبراء
الانتخابات المزمع إجراؤها في 26 فبراير/شباط ليست خاصة بالبرلمان الإيراني وحده، بل بمجلس الخبراء أيضاً الذي يعد بمثابة هيئة رجال الدين التي تتولى من حين لآخر انتخاب القائد الأعلى للبلاد.
ويبلغ آية الله خامينئي الأكبر من العمر 76 عاماً وتبدو صحته في اعتلال؛ ولذا من الأرجح أن يختار هؤلاء الخبراء، المنتخبين لمدة 8 سنوات، القائد الأعلى التالي لإيران.
وهناك مخاوف من أن تكون النتائج قد تم حسمها بالفعل: فقد رفض مجلس الأوصياء، الذي يتولى فحص كافة المرشحين، السماح لآلاف الإصلاحيين بالترشح.
ومن بين هؤلاء كان حسن خميني الذي ظن البعض أنه لا يمكن المساس به نظراً لكونه حفيد الخميني، مؤسس الدولة الإسلامية.
وقد فقد رجل الدين، البالغ من العمر 43 عاماً والذي يحب إرسال الرسائل الدينية والسياسية والاجتماعية عبر إنستغرام، استئنافه لقرار منعه من الترشح لمجلس الخبراء.
موقف الإصلاحيين
ومع ذلك، لن يستسلم الإصلاحيون ولن يقاطعوا الانتخابات كما اقترح بعض المحبطين في البداية.
فقد أدت تلك المقاطعة من قبل البعض عام 2013 إلى تمكين محمود أحمدي نجاد، الرئيس السابق المتشدد والخصم اللدود لليبرالية وإلى تعزيز سلطانه. ولذا شرعوا بدلاً من ذلك في حشد أنصارهم.
تجمع المئات في قاعة بوسط طهران خلال إحدى المسيرات لإظهار تأييدهم للائتلاف الإصلاحي. وكان الأمر يمثل تحدياً وتضمنت كافة هتافاتهم كلمة "إصلاح"، بما يثبت إصرارهم على التغيير. وكانوا يهتفون بقولهم: "يحيا الإصلاح" و"لا يمكنك القضاء على الإصلاح" و"الإصلاح هو الفائز".
عارف ورفسنجاني
يتولى محمد رضا عارف، الأستاذ الجامعي الذي انسحب من الانتخابات الرئاسية عام 2013 لمنح السيد روحاني فرصة للفوز، زعامة الحركة الليبرالية للانتخابات البرلمانية، التي يرعاها الرئيس السابق محمد خاتمي الذي يكن له التقدميون كل احترام وتقدير.
ويتمثل اختيارهم للقائد الأعلى في آية الله أكبر هاشمي رفسنجاني، أحد قادة إيران في أعقاب سقوط الشاه والمستشار الرئيسي لآية الله خميني، خلال الحرب العراقية الإيرانية.
ومع ذلك، يمكن أن تتحقق النجاة على أيدي حلفاء الإصلاحيين في الأوساط غير المتوقعة. فمن الأرجح أن يغير على لاريجاني، رئيس المجلس الذي يتولى زعامة مجموعة تتألف من 50 عضواً برلمانياً من المحافظين، هدفه السياسي من أجل دعمهم.
وقد انضم بصفة رسمية إلى قائمة الإصلاحيين على موهاتاري عضو البرلمان المعروف عن المحافظين.
وأصبح لاريجاني شديد الاهتمام بالمتشددين. فقد دعم الرئيس روحاني في سعيه لإبرام الاتفاق النووي ومحاولة تطبيق الإصلاحات الاقتصادية وانتقده المتشددون نتيجة ذلك.
وطلب 3 من أبرز القادة المتشددين – آية الله محمد يزدي، رئيس معلمي قوم، وآية الله محمد رضا كرماني، رئيس اتحاد رجال الدين المقاتلين، وآية الله مصباح يزدي، من جبهة الثبات – من لاريجاني الانضمام إليهم في مواجهة العدو الليبرالي المشترك. وسرعان ما رفض دعوتهم.
مدينة قم
تسبب قرار منع حسن خميني من خوض الانتخابات في حالة من الحزن بين البعض في مدينة قم الدينية.
وقال فاضل ميبودي، أحد رجال الدين "من المعروف أنه شخصٌ معتدل ووسيم وله جاذبية خاصة ومفوه ومتفتح العقل. وسوف يعود أكثر قوة خلال الانتخابات القادمة، وأمامه 8 سنوات أخرى كي يكتسب شعبية هائلة".
وأكد مجلس الأوصياء أن استبعاد خميني لا علاقة له بالسياسة؛ ولكنه ببساطة يفتقر إلى الخبرة اللازمة ليصبح خبيراً. وقال حامد رضا تراغي، أحد المحللين المقربين من رجال الدين المتمسكين بالتقاليد: "فلنواجه الأمر. إنه مجرد صبي". وتتجاوز أعمار معظم أعضاء المجلس البالغ عددهم 88 عضواً 80 عاماً.
ليس من السهل دائماً أن يشارك السياسيون في مجالي السياسة والدين بإيران.
فقد كان عضو البرلمان السابق السيد موهاتاري ينتقد المؤسسة والجهاز الأمني. وأخذ على عاتقه منذ ذلك الحين قضية ستار بهيشتي، المدون الذي لقي حتفه أثناء احتجازه لدى الشرطة وأعلن ضرورة تحسين الحقوق المدنية للمواطنين.
ويشارك موهاتاري بقوة في حملة أخرى ضد النساء اللاتي يرتدين الجوارب الطويلة. فقد تم استدعاء وزير الداخلية عبد الرضا رحماني فاضلي إلى البرلمان لإخفاقه في منع مثل تلك الملابس.
تمثيل المرأة
ويظل تمثيل المرأة منخفضاً للغاية في البرلمان؛ فقد حظيت 49 امرأة فقط بالعضوية منذ عام 1979.
وتحدث الرئيس روحاني عن تمكين المرأة في مجال السياسة ولكنه لم يبذل جهداً لتحقيق ذلك على أرض الواقع.
وفي الخريف الماضي، تم شن حملة لزيادة نسبة الأعضاء من النساء من 9 إلى 30 % في البرلمان، ولكن النشطاء لا يأملون في تحقيق أي تقدم.
تعتقد الفتيات والشباب أن المشكلة الرئيسية التي تواجههم تتمثل في نقص الوظائف. وقال محمد، طالب قسم اللغة الإنكليزية بجامعة طهران والبالغ من العمر 26 عاماً: "لابد أن يكون الاقتصاد بمثابة وحدة البناء الرئيسية. فقد كانت العقويات الاقتصادية ضارة على المستويين النفسي والاقتصادي. ومع ذلك، أخفق السياسيون أيضاً في إدارة الاقتصاد. ويتحمل أحمدي نجاد الذنب ويحاول روحاني تسوية تلك الأزمة".
ويؤمن الطلاب أيضاً بفوز الإصلاحيين في النهاية. وقال نافيد، طالب الفلسفة: "حسناً، لقد استبعدوا العديد من المرشحين دون وجه حق. ولكن إذا توجه العدد الكافي إلى صناديق الاقتراع، سيفوز الإصلاحيون. نحن نتحدّث مع الشعب ونخبرهم أنهم سوف يشعرون بالندم إذا لم يستغلوا تلك الفرصة".
هذا الموضوع مترجم بتصرف عن عن صحيفة New York Times الأميركية.