تسبّبت واقعة طرد النائب توفيق عكاشة من جلسة للبرلمان المصري أمس في أزمة بين البرلمان ونقابة الصحفيين المصرية، بعد تعرّض صحفيين للاعتداء البدني واللفظي من عكاشة وأحد النواب.. لتتحوّل الأزمة إلى قضية رأي عام تصاعدت سخونتها في أقل من 24 ساعة من حدوثها.
البداية ترجع إلى الأحداث التي شهدتها جلسة مجلس النواب أمس، وبالتحديد بعد طرد النائب توفيق عكاشة الإعلامي المعروف من داخل قاعة البرلمان، بعد تصويت أعضائه بالموافقة، لتنتقل سخونة الحدث من داخل القاعة إلى البهو الفرعوني المجاور له، وذلك بعد أن اعتدى اللواء محمود خميس، عضو مجلس النواب، بالضرب على الزميل محمد طارق، الصحفي بجريدة الوطن، وذلك أثناء قيامه بممارسة مهام عمله
تفاصيل الواقعة التي نقلتها وسائل الإعلام المصرية مساء أمس، سردها صاحب الواقعة الصحفي محمد طارق على صفحته الشخصية بموقع "فيسبوك"، تحت عنوان "تفاصيل واقعة البهو الفرعوني".. حيث ذكر أن الواقعة بدأت بقرار الدكتور علي عبد العال إخراج النائب توفيق عكاشة من قاعة الجلسة بعد مشادة حادّة بينه وبين المنصة، تم تحويله على إثرها إلى لجنة خاصة للتحقيق معه. وبمجرد خروج عكاشة من قاعة المجلس، ذهب إليه طارق لممارسة دوره الصحفي، وأخذ تصريحات تعليقاً على واقعة الطرد.
يقول طارق ".. أثناء وقوفي بجوار عكاشة، فوجئت بالنائب محمود خميس، يمنعني أنا والزميل محمود رمزي الصحفي ب"المصري اليوم"، من أداء عملنا بحجّة أن عكاشة منفعل و"مش عايزين صحافة علشان الموضوع ميكبرش"، ولكني لم ألتفت إلى هذا الأمر واستكملت عملي بشكل طبيعي، دون الانتباه إلى كلام النائب، حتى وصلنا إلى قاعة البهو الفرعوني وجلست بجانب عكاشة لاستكمال الحديث، وسألته: هل لديك تحفّظ في الإدلاء بتصريحات فأجاب بلا.
تفاصيل واقعة البهو الفرعوني- بدأت التفاصيل بقرار الدكتور علي عبد العالي باخراج النائب توفيق عكاشة من قاعة الجلسة بعد …
Posted by Mohamed Tarek on Monday, February 22, 2016
ورغم حديث النائب صاحب الأزمة وموافقته على الإدلاء بتصريحات، إلا أن طارق فوجئ بالنائب خميس يقول له: "اتفضل قوم من جنب عكاشة أنا نائب وعايز أقعد، وامشي من هنا بدل ما مدخلكش المجلس تاني، فكان ردي الطبيعي: أنت متقدرش تعمل هذا".
وتابع طارق.. "لم أكد أنتهي من جملتي حتى انفعل النائب وقال: طيب أنا هوريك.. وحين طلب مني اسمي واسم الجريدة قلت له "بصفتك إيه أصلا تعرف اسمي واسم جريدتي، وانفعل خميس قائلاً: "إنت مش محترم"، فرديت عليه بالمثل "أنت اللي مش محترم"، وقام بالاعتداء علي".
تصاعد الأحداث
ورغم محاولات النواب احتواء الموقف، وتقديم اعتذار إلى الصحفي، إلا أن الأحداث زادت سخونتها بعد حدوث واقعة أخرى، قام فيها النائب توفيق عكاشة بالتجاوز في حق الزملاء باليوم السابع، والتعدّي عليهم بكلمات بذيئة، وذلك لاعتراضه على خبر طرده من الجلسة العامة، وحينها قرر الصحفيون الدخول للدكتور علي عبد العال رئيس المجلس، لتقديم مذكرة بالواقعتين.
عقب الواقعتين أصدرت نقابة الصحفيين بياناً شديد اللهجة، طالبت فيه المحررين البرلمانيين بمقاطعة أخبار البرلمان لحين التحقيق في الواقعتين، وهو ما استجابت له بالفعل الأغلبية العظمى من الصحفيين، وبالفعل انسحب الصحفيون من تغطية الجلسة المسائية للبرلمان أمس، والتي كانت منعقدة لمناقشة مشروع اللائحة الداخلية للمجلس.
تخوّفات من عدم دستورية الجلسات
وفور قرار مقاطعة الصحفيين لجلسات البرلمان، ثارت مخاوف من عدم دستورية الجلسات، لوجود نص دستوري يقرّ علنيّة الجلسات، وهو ما كان يتحقق بحضور الصحفيين في ظل قرار عدم إذاعة الجلسات تليفزيونياً.
وفي تعليقه على الأمر قال المستشار نور الدين علي الفقيه الدستوري، إن هذا القرار يؤثر على دستورية انعقاد تلك الجلسات، في ظل عدم وجود قرار للمجلس بسرية انعقادها، ولا يجوز أن تكون جلسات البرلمان سريةً إلا في أضيق الحدود.
وأكد علي لـ"هافنغتون بوست عربي"، أن الأصل في جلسات مجلس النواب العلانية، وذلك وفقاً لما ورد في نص المادة 120 من الدستور المصري، ومفهوم العلانية إتاحة الفرصة لأكبر عددٍ من المواطنين لمشاهدة تلك الجلسات، وإطلاع الرأي العام على كل ما يحدث داخل قبة البرلمان انطلاقاً من مبدأ الشفافية التي تؤهل للمفهوم الحقيقي للحكم الراشد.
وأشار الفقيه الدستوري، إلى أن العلانية تتحقق من خلال إذاعة جلسات مجلس النواب عبر وسائل الإعلام المختلفة، أو بحضور الصحفيين لتلك الجلسات.
وعند حدوث أزمة مشابهة في مجلس العموم البريطاني، وقف إدموند بيرك نائب مجلس العموم البريطاني موجّهاً نظره إلى الصحفيين، وقال لهم "يوجد ثلاث سلطات في البرلمان، ولكننا إذا نظرنا إلى منصة الصحفيين وجدنا هناك سلطة رابعة أهم من السلطات الثلاث كلها، فأنتم السلطة الرابعة".
شعور بالخطر واحتواء الأزمة
ويبدو أن أمانة مجلس النواب أدركت خطورة الموقف، وتحرّك رئيس المجلس لاحتوائها، وأصدر بياناً باسم مجلس النواب صباح اليوم، حول أزمة "المحررين البرلمانيين"، قدم فيه اعتذاراً رسمياً في الواقعة، قائلاً "يعز علينا جميعا ما تناقلته وسائل الإعلام من دعوة نقابة الصحفيين التى نجلّها ونحترمها بما تتضمنه من كوكبة عظيمة من رجال صاحبة الجلالة، للصحفيين العاملين داخل البرلمان للتوقف عن تغطية أعماله فوراً لحين التحقيق فى واقعة الاعتداء على أحد الزملاء".
وقال رئيس المجلس "نحن من جانبنا نجلّ ونحترم نقابة الصحفيين، ولن نألو جهداً فى تسهيل مهام الصحفيين فى تغطية أعمال المجلس ولجانه، والتعاون مع نقابتهم لتذليل أي عقبات، ولا نرضى بأي صورة من الصور أي اعتداء أو توجيه أي إهانة لأبنائنا من حملة مشاعل الثقافة والتنوير." ودعا البيان يحيى قلاش نقيب الصحفيين، إلى العدول عن هذا القرار.
وفور صدور البيان أعلنت نقابة الصحفيين تعليق قرار مقاطعة تغطية أخبار مجلس النواب بناءً، لحين عقد اجتماع يجمع مجلس نقابة الصحفيين ورؤساء التحرير مع رئيس البرلمان في موعدٍ يحدد لاحقاً.
وأكدت النقابة على لسان نقيبها يحيى قلاش، في تصريحات صحفية للمحررين البرلمانيين، تمسّكها برفض المساس بكرامة أي صحفي أو المساس بدوره الذي كفله الدستور والقانون في العمل بحرية لنقل الحقائق باعتباره مندوباً للرأي العام.