يحاول رجال الدين الإيرانيون في مدينة قم "المقدسة" المحافظة على هدوئهم وسكينتهم وسط جلبة الانتخابات الحاسمة هذا الأسبوع.
تتجول في مدينة قم، هذه المدينة التي يؤمها طلبة العلوم الدينية الشيعية، فترى لوحات إعلانية من قبيل: إعلان لآخر تقنيات الهواتف الذكية، وآخر عن البطاقات الائتمانية، وثالث عن مهرجان تسوق شتوي، ورابع عن عيادات وصالونات التجميل.
أما إعلانات الانتخابات وملصقاتها فنادرة جداً تكاد تكون معدومة، وفق تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، الإثنين 22 فبراير/شباط 2016.
سيتجه الإيرانيون، الجمعة 26 فبراير/شباط 2016، إلى صناديق الاقتراع لتحديد مصير 290 مقعداً برلمانياً، فضلاً عن 88 مقعداً آخر في مجلس الخبراء المكوّن من كبار رجال الدين والعلماء الذين سيقررون بعد انتخابهم هوية المرشد الأعلى المقبل للدولة الإيرانية.
لكن مجلس الوصاية على الدستور – المنوط به فحص وتدقيق مؤهلات المرشحين الإسلامية والسياسية – كان قد رفض في يناير/كانون الثاني الماضي طلبات ترشحٍ تقدمت بها جموع غفيرة من الإصلاحيين، وباستبعادهم أمست المنافسة في قم بين مرشحين متشددين فقط.
لا وجود لإصلاحيين
ولا وجود في مدينة قم لمرشحين إصلاحيين أو معتدلين من المقربين إلى الرئيس الوسطي حسن روحاني، والحال كذلك أيضاً في دوائر انتخابية أخرى في البلاد، بل عمد هؤلاء إلى دعم أقل المحافظين تشدداً، مثل مرشح مدينة قم علي لاريجاني، رئيس البرلمان الحالي للدورة الثانية.
ونقلت "فايننشال تايمز" عن أحد الإصلاحيين قوله: "استراتيجيتنا في قم هي منع فوز مرشحين متشددين مقربين من الحرس الثوري، وبالأخص رجل الدين المتشدد مجتبى ذو النور، ولهذا ندعم مرشحين مثل لاريجاني واثنين آخرين من المحافظين. أما عن ترشح رجل الدين المحافظ أحمد مؤمن لمجلس الخبراء فنلتزم الصمت ولا مشكلة لدينا إزاء فوزه المحتمل".
وتعمل مجموعات الإصلاح جاهدة على حث ناخبي الطبقة المتوسطة المثقفة المحبطة على الإقبال على الاقتراع والتصويت لصالح أقل المرشحين تشدداً في سبيل تقليل أعداد المتشددين في البرلمان وفي مجلس الخبراء، خصوصاً أن هذا الأخير – مجلس الخبراء – من الأهمية والحساسية بمكان، لأنه سيختار الخلف للمرشد الأعلى الإيراني آية الله خامنئي الذي ناهز من العمر 76 عاماً.
غياب النفوذ
وتحلق الإصلاحيون حول رئيسين سابقين للدولة هما الإصلاحي محمد خاتمي، والوسطي أكبر هاشمي رفسنجاني.
وكان دعم الإصلاحيين حاسما في فوز روحاني المفاجئ في انتخابات الرئاسة عام 2013، غير أن مهمتهم الحالية أصعب وأثقل.
فالأزمات الاقتصادية التي ينوء بحملها اقتصاد البلاد قد فتّرت من همّة الناخبين ومن حماستهم تجاه الرئيس ورفاقه الإصلاحيين، إضافة إلى أن قلة أعداد المرشحين الإصلاحيين المرموقين – ممن لم يستبعدهم مجلس الوصاية – يشكل ضربة قاصمة لظهر حملتهم.
أما مشايخ قم الذين كان لهم فيما مضى صولة وجولة في ثورة إيران الإسلامية، فقد أفل نجمُ نفوذِهم أمام صعود نجوم آخرين على ساحة مراكز القوة والثقل، أهمهم الحرس الثوري بعقليتهم العسكرية وقوتهم الأيديولوجية والاقتصادية.
يُضاف أيضاً أن استقلال رجال الدين الاقتصادي قد تضرر؛ نظراً لاعتمادهم المتزايد على تمويل الحكومة المركزية.
ويخشى رجال الدين من أن تضر الأزمات الاقتصادية بتدين البلاد، فالتضخم بلغ 13% أما بطالة الشباب فحوالي 25%.
وقال أبوالفضل موسويان، رجل الدين ذو الميول الإصلاحية أستاذ الإدارة الإسلامية في جامعة مفيد بمدينة قم: "عندما يعاني الناس مشاكل اقتصادية تقل تبرعاتهم لكبار رجال الدين وتزيد طلباتهم للمساعدات المالية، فيما تقل إمكانية رجال الدين لمساعدة الفقراء، فيخسرون بالتالي نفوذهم؛ لذلك يخشى رجال الدين من أن تضر الأزمات الاقتصادية بتدين الناس وإيمانهم بالإسلام".
ولعل هذا هو السبب الذي جعلهم يؤيدون اتفاق طهران النووي الذي تعهدت فيه طهران بتقليص كبير لنشاطاتها النووية مقابل رفع العقوبات التي شلّت اقتصادها. ومع ذلك لا ينطبق الأمر على كل القرارات التي تتخذ في متاهة أروقة ودهاليز سياسة طهران.
دعم حفيد الخميني
دعم بعض كبار رجال الدين في قم ترشح حسن خميني (43 عاماً)، الحفيد المعتدل لآية الله روح الله خميني، لعضوية مجلس الخبراء، بيد أن المتشددين حالوا دون وصوله ولا حتى إلى قائمة الانتخابات لوأد صعود قائد سياسي معتدل جديد.
وقال محسن مهاجرنيا، رئيس مركز الجمعيات العلمية التابعة لمعاهد قم الدينية: "في قم يقف معظم رجال الدين ضد المتشددين المتطرفين، فقم تدعم السياسات المعتدلة، وعربون ذلك هو الدعم الذي يقدمونه للرئيس روحاني والعلاقات الطيبة معه".
وهذا هو أمل الإصلاحيين في طهران من أجل بزوغ مستقبل جديد لإيران.
واختتم حسين مراشي، أحد كبار الإصلاحيين، بقوله: "لقد ضعفت شوكة رجال الدين عبر السنين، لكن مؤسستهم تظل الأقوى والأمتن في البلاد، وهي صمام أمان البلاد من الوقوع في كارثة".
وقال إن رجال الدين الآن جالسون جانباً في الظل يشاهدون التطورات العلنية في ضوء النهار، لكنهم سيتدخلون عندما تمطر (أي عندما يموت آية الله خامنئي)".
– هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة Financial Times البريطانية، للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.