وقف الحشد وصفق وهلل، هتف كثيرون لإطلاق سراح زعمائهم السياسيين من إقامتهم الجبرية طيلة الـ5 أعوام الماضية، فيما حمل البعض صور الرئيس الأسبق ذي الشعبية الكبيرة محمد خاتمي – صوراً ليديه بالأحرى لأن صور وجهه ممنوعة قانوناً.
هكذا احتشد شباب حركة الإصلاح الإيرانية خلف أسوار صالة رياضية الأسبوع الماضي دعماً لحملتهم الانتخابية البرلمانية المقرر عقدها الجمعة 26 فبراير/شباط 2016، وكذلك لانتخابات مجلس الخبراء الذي لا يقل منزلة ونفوذاً عن سواه في البلاد.
هدفهم الذي طال أمد انتظارهم له هو رؤية تغيير ملموس، لكن التغييب القسري لمعظم قادتهم وزعمائهم السياسيين يباعد الهوة بينهم وبين هدفهم في فجر جديد لإيران الحديثة، وفق تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، الأحد 21 فبراير/شباط 2016.
تعرض إصلاحيو إيران على مدى عقد من الزمان لضغوطات وتقييد وقمع من قبل القضاء والحرس الثوري ومجالس الخبراء التي يسيطر عليها المتشددون. حيث كان لهؤلاء الإصلاحيين شوكة إبان انتخابات عام 2009 الرئاسية.
لكن شوكتهم انكسرت بعدما اصطف زعماؤهم مع ملايين المحتجين الذين نزلوا إلى الشارع احتجاجاً على الانتخابات وتشكيكاً بنزاهتها؛ عندئذٍ تم حل الأحزاب الإصلاحية واعتقل المئات من الناشطين والسياسيين والصحفيين وزج بهم في السجون بأحكام سجن طويلة.
ثم جاء انتخاب الرئيس حسن روحاني عام 2013 لترتفع آمال حركة الإصلاح، تلاه اتفاق إيران النووي مع الغرب وعودتها إلى أسواق الاقتصاد العالمية، لكن على الصعيد الداخلي لم يحدث تغيير يُذكر، فالساحة السياسية ظلت مقيدة، وآمال الإصلاحيين في العودة بقوة لم تثمر بعد.
حلّة جديدة
يحاول الإصلاحيون لملمة شتاتهم واستجماع قواهم الخائرة من جديد لكن بحلة جديدة فأجندتهم -التي كانت في يوم من الأيام ميثاقاً للإصلاحات الشاملة في الجمهورية الإسلامية- تقلصت واقتصرت هذه المرة على مجرد الدعوة إلى زيادة المشاركة بالأصوات في الانتخابات القادمة.
لكن حملتهم -التي يترأسها قائدهم الجديد محمد رضا عارف- تتعرض لهجوم شرس من المتشددين الذين ما فتئوا يكيلون لهم الاتهامات بمخالفة إرث ثورة 1979.
وبمزيد من القلق يدافع قائدهم رضا عارف عن حركتهم الإصلاحية أمام محفلٍ أمَّهُ آلاف مؤيديه، قائلاً "إننا نعمل ضمن إطار النظام، ولا أحد يعشق الثورة أكثر منا، فنحن نشعر بالقلق عليها ونريد صونها مثلما تشعر أمٌ حانية."
وكان آلاف المرشحين الإصلاحيين قد مُنِعوا من المشاركة في الانتخابات بعدما رفضَ طلباتِ ترشحِهم مجلسُ الوصاية المسؤول عن تدقيق وفحص طلبات الترشح، والذي يتألف من 12 عضواً جلهم من المتشددين.
وبذلك اضطرت البقية الباقية من الإصلاحيين للانضمام إلى صفوف مؤيدي الرئيس روحاني بحكومته التي تصف نفسها بالمعتدلة.
وكذلك اضطر الإصلاحيون إلى دعم مرشحين بديلين في انتخابات أخرى هي انتخابات مجلس الخبراء –والذي يتألف من 88 عضواً يختارون نظرياً المرشد الأعلى القادم للبلاد. ذلك لأن مرشحهم الرئيسي حسن خميني حفيد قائد ثورة 1979 رُفض طلبه هو الآخر للتقدم والترشح.
تقليل أعداد المتشددين
لكن الإصلاحيين رغم كل هذه المعوقات مازالوا يأملون الحصول على أصوات الناخبين الإيرانيين. يقول أحد مؤيدي الحركة، حامد رضا جاليبور، متحدثاً إلى نيويورك تايمز "هدفنا تقليل عدد المتشددين في المجلس وفي البرلمان، لا غير. نحاول فقط أن نكون واقعيين."
كان الإصلاحيون مطلع الألفية الثالثة يسعون علناً لتغيير إيديولوجية وفكرِ الجمهورية الإسلامية المتصلب، وحاولوا كتابة القوانين من جديد لتحقيق شيء من المساواة بين الجنسين وتعزيز الحريات الشخصية.
حكم زعيمهم محمد خاتمي البلاد لولايتين رئاسيتين اثنتين، كما سيطر الإصلاحيون على البرلمان لمدة 4 أعوام، تدعمهم في ذلك أعداد الناخبين القياسية.
بدا حينها أن الريح مواتية لأشرعة الإصلاحيين نحو أفق جديد لإيران أكثر حداثة، لكن ما حصل أن فترتهم اتسمت بالانقسامات السياسية الداخلية والاحتجاجات الطلابية واعتصامات في البرلمان وإغلاق العشرات من الصحف الإصلاحية.
تغيرات اجتماعية
لكن مجتمع الشباب الإيراني تغير بسرعة البرق على مدى العقد الماضي مع نمو الإنترنت ودخول القنوات التلفزيونية الفضائية وكم عائدات النفط، فضلاً عن قلّة تكاليف السفر والسياحة الأجنبية.
بات رواد المقاهي والمطاعم يسمعون أنغام الموسيقى الغربية التي لطالما حظرت في البلاد تصدح في مطاعم طهران والمدن الإيرانية، كما تجرأت بعض النساء على قيادة السيارة دون غطاء الرأس الإجباري.
أما الشبكات الاجتماعية المحظورة فأضحت سهلة الدخول مع استخدام برامج لكسر الحظر ممنوعة قانوناً –بيد أنها تُباع علناً في وضح النهار.
لكن هذه الحريات غير المنصوص عليها في التشريع إنما يتمُّ التساهل معها بغية السماح للناس بالتنفيث عن غضبهم من دون المساس رسمياً بالأفكار والإيديولوجيات الثورية الإسلامية للدولة.
ثم صعد نجم المتشددين واشتدّ ساعدهم بشكل غير مسبوق في حين حوصرت جهود الإصلاحيين السياسية بكل شراسة وعلى كافة الأصعدة.
تغييب خاتمي
ثم جاء قرارٌ بتغييب خاتمي عن الساحة، فمنعت الصحف من نشر صورته، كما منع رجال السياسة بل وحتى مؤيدوه من الإتيان على ذكر اسمه، كما احتجِز مرشحان رئاسيان سابقان من الإصلاحيين هما مير حسين موسوي و مهدي كروبي تحت الإقامة الجبرية لأكثر من 5 سنوات منذ غدا الاثنان وجهين يتزعمان احتجاجات ما بعد انتخابات 2009.
أما من بقي حراً طليقاً من زعماء الإصلاح فتعمّق لديهم الإيمان عن تجربتهم الشخصية بأن التسوية والتنازلات ومجاراة الوضع الراهن كلها أمورٌ حاسمة لبقائهم وبقاء حركتهم على قيد الحياة، خاصة للانتخابات القادمة.
وقال إبراهيم أصغر زاده، أحد قادة الإصلاح الذين رفضت طلبات ترشحهم "يتوجّب علينا البقاء في الساحة السياسية".
واعترف بأن شعاراتهم القديمة ومطالبهم التي كانوا ينادون بها كلها أمورٌ وضعت جانباً على الرف حالياً بقوله "نعم، ما عدنا نجاهر بالمناداة بفك قيد أسرى الإقامة الجبرية أو بحقوق الإنسان أو حرية التعبير، فهدفنا يقتصر فقط على أن نكون جزءاً من مؤسسة الحكم لكي نغيرها من الداخل مستقبلاً."
انتقادات للحركة
لكن منتقدي حركة الإصلاح يعيبون عليها أن قادتها يتنازلون عن مبادئهم بتخفيفها إلى حدّ التلاشي.
بيهزاد نورفرض، وهو ناشط سابق بالحركة، قال "لقد تقلص برنامج أجندتهم وتضاءلت طموحاتهم بالشكل ذاته. إنهم يصطفون مع أشخاص عارضوهم في الماضي، أملاً في الحصول على دعمهم في المستقبل".
كثيراً ما يقول الإيرانيون أن عليهم الاختيار بين السيء والأسوأ في أي انتخابات في البلاد.
فالإصلاحيون، رغم وعورة طريقهم في الترويج والدعاية لبرنامجهم، يظلون من اللاعبين المؤثرين على الساحة السياسية نظراً لجاذبيتهم أمام ملايين الأصوات؛ فهم الخيار السياسي الوحيد الذي يصلح لما يريده الكثير من سكان المدن.
بيد أن هؤلاء لن يمنحوا أصواتهم إلا في حال شعروا بضرورة ملحة ما، فالمعروف عنهم إقبالهم الضخم على الاقتراع إن استشعروا مصلحة ما لهم، متجاوزين بذلك كل ما عرف عنهم من رقابة ذاتية وتكتم وخوف من مخاطر النشاط السياسي.
ويعد الخوف من هيمنة المتشددين على مقاليد الأمور أحد أكبر الدوافع المحركة أيضاً، ففي 2013 وتحديداً في الأسبوع الأخير قبل الانتخابات، خاف أهل المدن ودعاة التمدن من فوز وشيك للمتشدد سعيد جليلي، فعمدوا حينها إلى دعم روحاني الذي رأوا فيه شخصاً تكنوقراطياً خبيراً أكثر من كونه إصلاحياً.
لذا وبدلاً عن اختيار المقاطعة، قدم الإصلاحيون دعمهم لروحاني، ما حسم الفوز والنصر لصالحه.
ويعد الاتفاق النووي التاريخي الذي تمَّ التوصل له في عهد روحاني بمثابة نجاح كبير للإصلاحيين أيضاً.
إبراهيم أصغر زاده أضاف "لكننا مع ذلك لم نرَ الكثير من التغيير محلياً"، إذ إن روحاني لم يتدخل عقب استبعاد آلاف المرشحين الإصلاحيين في يناير/كانون الثاني الماضي.
من يدعم الإصلاحيون
ومع ذلك يواصل الإصلاحيون دعمهم للحكومة في الانتخابات القادمة، قائلين إن هذا أفضل بكثير من استمرار سيطرة المتشددين على البرلمان.
بل ووصل الأمر إلى تقديمهم الدعم لعضو برلماني من المحافظين هو علي مطهري، والذي أكد كثيراً على كونه مرشحاً مستقلاً لا إصلاحياً، كما أظهر مطهري تشدداً في بعض القضايا الدينية مثلاً الحجاب الإسلامي الإلزامي ودعا إلى تطبيق كامل لها.
ويؤيد الإصلاحيون أيضاً علي لاريجاني، وهو رئيس البرلمان الحالي للدورة الثانية. يصنف لاريجاني نفسه سياسياً كشخص وسطي، على الرغم من كونه سليل أحد أقوى العائلات المحافظة.
السياسي الإصلاحي البارز محمد رضا جاليبور قال إن التنازلات هي جزء أساسي للوصول إلى بيئة سياسية أكثر رشداً في ظل الوضع الحالي المليء بالعداوات، حيث يقول "لقد تعلمنا من أخطاء الماضي، كنا نظنُّ في بادئ الأمر أن إيران يمكن أن تتحوّل إلى الديموقراطية في يوم وليلة، إلا أن ذلك كان طرحاً مفرطاً في التفاؤل. يجب ألّا نرفع من سقف توقعاتنا، لأن هذا لا يجلب سوى الإحباط".
هذا الموضوع مترجم بتصرف عن عن صحيفة New York Times الأميركية.