انتهى الجدل في الجزائر بشأن الاعتراف بالأمازيغية وترسيمها لغة رسمية للبلاد بعد المصادقة على الدستور الجديد، ليفتح بابٌ آخر من الجدل حول كيفية اقتحام هذه اللغة عالم التعليم والإدارة.
ويرى متتبّعون أن نضال الأمازيغ في الجزائر لم ينته بعد، لأن العمل بهذه اللغة وجعلها لغة علم وإنتاج وإدارة، هو الهدف الأول الذي كان يصبو الأجداد لتحقيقه، كما أنه يتطلب جهوداً أخرى.
الأمازيغية تنتصر وتنتظر
من بين ما جاء به الدستور المصوّت عليه في الـ7 فبراير/شباط 2016، وأبهج كثيراً من الجزائريين ما تعلّق بترسيم الأمازيغية كلغةٍ رسمية ستدخل المقررات الدراسية والتعليمية بدايةً من الموسم الداخل.
وتؤكد إيناس بالي ولاية تيزي وزو، معقل أمازيغ الجزائر، خروج عددٍ من المواطنين بسياراتهم، حاملين الراية الوطنية، ومهللين بانتصار تضحيات آبائهم من أجل ترسيم إعطاء الحقوق للغتهم في البلاد.
مسعود واضية، جزائري من نفس الولاية، يعتبر إدراج الأمازيغية في الدستور أمراً ما كان منتظراً منذ عشرات السنين، فهذا الأمر "مات لأجله الشرفاء، واليوم استجابت السلطة لمطالبهم".
مسالتية عمار، أستاذ مادة اللغة الأمازيغية، يعتبر أن الحديث عن انتصار هذه اللغة أمرٌ "مؤجل"، حيث مازالت تعترضها صعوباتٌ لإدراجها رسمياً في المقررات الدراسية".
من هو زعيم المقترح؟
تيقّن الساسة في الجزائر بأن ترسيم الأمازيغية في الدستور الجديد، هو من الأمور الأكثر تأثيراً في المجتمع، ليخرج الكثير منهم محاولين إرجاع النجاح لأنفسهم.
عمارة بن يونس رئيس حزب الحركة الشعبية الجزائرية ووزير التجارة الأسبق، صرّح في 06 فبراير/شباط 2016 خلال تجمّع شعبي بولاية الجلفة، بأنه صاحب فكرة إدراج الأمازيغية في محتوى الدستور الجديد.
نفس الأمر ذهب إليه الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعيداني، في جلسة تقييم حزبه لما جاء في مسودة تعديل الدستور في 25 يناير/كانون الثاني 2016، والذي أقر بأنّ الأمازيغية مقترح الحزب الأول على الحكومة في مشروع الدستور الجديد.
الوزير الأول عبد المالك سلال في زيارته الأخيرة إلى ولاية الأغواط، في 26 يناير/كانون الثاني 2016 أكّد خلال لقاء إعلامي بأنه من أكبر الداعمين لترسيم الأمازيغية وتفعيلها في الدستور القادم.
فرضت نفسها
الأمين العام للمحافظة السامية للأمازيغية، الهاشمي عصاد، يؤكد لـ"عربي بوست" بأن التاريخ سيشهد أن قضية إدراج الأمازيغية في الدستور الحالي جاءت بفضل تضحيات الرجال بمناطق عديدة من الوطن، والذين طالبوا ومنذ الاستقلال إعطاء هذه اللغة حقها.
وحسب عصاد، فإن الأمازيغية هي من فرضت نفسها على الحكومة لإدراجها في الدستور الجديد، لكنه لم يخف وجود نشطاء وحكوميين ساهموا في المشروع "الذي ستكون نتائجه جد طيبة".
الإعلامي عبد السلام قريشي من جريدة السلام اليوم الجزائرية، وابن مدينة بجاية ذات الأغلبية الأمازيغية، يقول أيضاً إن بوتفليقة "سيحمل بصمة إدراج الأمازيغية في الدستور الجديد، لكن الواقع والتاريخ يؤكّدان بأن نضال الرجال كان وراء هذه الخطوة".
كما لا يخفى حسب عبد السلام "كون ثورة التحرير التي قامت ضدّ المستعمر الفرنسي، كانت من أجل الحفاظ على هوية البلد والتي على رأسها لغة الأمازيغ".
صراع بين الحرف واللهجة
على الرغم من إنهاء الجدل بشأن ترسيم اللغة الأمازيغية، إلا أن متتبعين ومدرّسين لها لم يفهموا بعد الطريقة التي ستصل اللغة الأمازيغية إلى المتعلم أو الطالب في المؤسسات التربوية.
عبد المالك كساسلة، أستاذ مادة اللغة الأمازيغية بإحدى ثانويات ولاية بجاية، يرى أن المشكلة التي ستعترض إدراج المادة بشكل رسمي في كل المقررات الدراسية بداية من الموسم المقبل هي طريقة التلقين.
فمن عير المعقول يضيف كساسلة "أن نعلم الأبناء لغة آمازيغية بأحرف عربية أو فرنسية، ولابد في هذا الشأن من ترقية الحرف الآمازيغي وتوحيده، حتى نتجنب كل هذه المشاكل"
الوزير الأول عبد المالك سلال سبق وأكد في 28 يناير/كانون الثاني 2016 بأن اللغة الآمازيغية ستدرس لكلٍّ حسب لهجته وجهته، ففي منطقة الأوراس يتم تعليم لهجة الشاوية، وفي منطقة القبائل يتم تدريس القبائلية، ومن جهة الجنوب الشرقي يتم تعميم المزابية، وبالجنوب يتم تعليم التارقية، دون نسيان الشلحية والنايلية بوسط وغرب الوطن.
هذا الحل يراه الأستاذ كساسلة متشعباً، ولا توحد المنظومة التربوية، بل لا يرقّي اللهجة إلى لغة، بل يتركها في صورتها الابتدائية.
الأحرف العربية أنسب لتعليمها
المؤرخ والباحث زهير أحدادن، يؤكد لهافينيغتون بوست عربي، بأن الأحرف العربية تكون الأنسب في تعليم اللغة الآمازيغية لما تدخل جميع المستويات الدراسية مستقبلاً لاعتبارات عدة أبرزها التمازج التاريخي بين الآمازيغية والعربية بعد الفتوحات الإسلامية.
وأكد أحدادن أن اللغة الأمازيغية تحتاج اليوم إلى نوع من الدفع والتأييد لنشرها بعد إعلان ترسيهما في الوثيقة التمهيدية للتعديل الدستوري، مضيفاً أنّ الأطفال يعرفون العربية وهي الأنسب لكتابتها بالخط العربي الذي يتناسب مع القواعد الأمازيغية.
وعارض المؤرخ استعمال الأحرف اللاتينية في تعليم اللغة الآمازيغية، موضحاً أن هذه الأخيرة فقدت جمالياتها وحتى قيمتها بقلب أوروبا مسقط رأسها.
وفي نفس المنحى ذهب الشاعر الأمازيغي أحمد سليم أيت واعلي، الذي أكد بأنه على يقين بأن الحرف العربي هو الأنسب لتعليم الآمازيغية، فذلك مناسب في نظره باعتباره كان سباقاً في كتابة عمود آمازيغي باللغة العربية في الصحافة الجزائرية المكتوبة.
وعارض تماماً فكرة تعليم الآمازيغية بالأحرف اللاتينية، بالنظر إلى كون آمازيغ الجزائر ثاروا ضد الاستعمار الفرنسي الذي حاول محو الأصول، ولم يعتبر إطلاقاً أن يكون الحرف العربي إساءة للآمازيغية.
"تيفيناغ"…لتكتمل اللغة
من جانب آخر هناك أكاديميون وباحثون يعارضون تماماً تعليم الآمازيغية بأي حرف كان، إلا بالأحرف الآمازيغية المعروفة "تيفيناغ" وهي عبارة عن رموز ورسومات كل واحد منها يعني حرفاً أو كلمة.
ويرى سعيد عامر أستاذ في علوم اللغة بجامعة تيزي وزو في تصريح لهافينيغتون بوست عربي، أن المعنى الحقيقي للغة يجب أن يكتمل بأحرف ومنهج خاص بها، فلا معنى في نظره لتعليم الآمازيغية بأحرف عربية أو لاتينية أو غيرها.
واستعمال "تيفيناغ" في نظر الأستاذ هو الحل الوحيد لإسكات كل الأفواه، ولإنهاء الجدل الدائر حول مستقبل الآمازيغية، لأن أصل الكتابة الآمازيغية هي أحرف "تيفيناغ" التي يعرفها الكثير من الآمازيغ.
وبقي فقط حسبه، تمحيص هذه الحروف وتوحيدها لتتناسب وجميع اللهجات عبر الوطن، كما أن الحديث عن صعوبة الكتابة بـ"تيفيناغ"، فهذا أمرٌ يتوقف عند الاعتياد وتكرار استخدام الحرف، كما هو الشأن بالنسبة للغة الصينية.
وطالب في ذات الشأن تأسيس فريق عمل آمازيغي يؤسس للحرف واللغة، ويعطي أساسيات تجعل من الآمازيغية لغة مكتملة.
وعن رأي المؤرخ زهير أيحدادان فيصرح بأنه لم يدرس تيفيناغ ولكن حسب ما شاهده هي مثل الصور، وعوض أن نستعمل تفيناغ التي لا تملك الكثير من مخارج الحروف في نظره الأحسن أن نستعمل العربية لفائدة الجميع لأن الأغلب يعرف اللغة العربية.