يحتفل العالم كل عام في يوم الرابع عشر من فبراير/شباط بما يسمى بيوم الحب، وتشتجر الآراء حول الموقف من هذا اليوم، وبالأساس حول موقف الإسلام من الحب، هل في الدين الإسلامي مكان للحب، ومكان للاحتفال بيوم للحب؟
من أبرز خصائص التشريع الإسلامي: الواقعية والتوازن. فالإسلام دين واقعي لا يحلق بالإنسان في أجواء الخيال، ولا يعامله على أنه ملك مبرأ، أو رسول معصوم، بل يعامله على أنه بشر له مشاعر وأحاسيس، ولا يحجر الإسلام على عواطف الإنسان، إنما يوجهها إلى الطريق الحلال النظيف.
كما أن من خصائص التشريع الإسلامي: التوازن، فقد خلق الله الإنسان من: جسد، وعقل، وروح، ومن التوازن: إعطاء كل جزء من هذه الأجزاء حقه؛ دون إفراط أو تفريط. ومن متطلبات الروح: العواطف، ومن العواطف عاطفة الحب، فهل وقف الإسلام حجر عثرة أمام عاطفة الحب، أم أنه ترك الحبل للإنسان على غاربه دون قيد أو ضابط؟ لنرى نظرة الإسلام لهذه العاطفة.
يقرر الإسلام هذه الحقيقة التي لا مفر منها، وهي: أن العواطف لا يستطيع الإنسان أن يمنعها عن قلبه، ولا أن يجلبها إليه، بل هي أمر خارج عن إرادته، ولذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَقْسِمُ بين أزواجه حقوقهن المادية، ثم يقول: "اللهم إن هذا قَسْمِي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك" يقصد بذلك: العواطف والمشاعر من حيث الحب ودرجاته، فهذه لا يملكها صلى الله عليه وسلم.
وإذا كانت العوطف شيئًا لا إراديًّا بالنسبة للإنسان؛ فيجب أن تكون في إطار ما أحل الله، لا أن تتسرب إلى ما حرم. والإنسان العاقل حينما يرى عاطفة بين شاب وفتاة، لا يتعامل معها بالمنع، بل يفتح لها أبواب الحلال، لتكون في النور بدل أن تسير في الظلام، وهذا ما قصه القرآن الكريم في قصة موسى -عليه السلام- وابنة الرجل الصالح: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} (القصص:26) وهنا لاحظ الأب ميل الفتاة لموسى وإعجابها به، فلم يكبت عاطفتها، ولم يعنفها، بل عجَّل بالحل الذي يعجل به كل محب للفضيلة، طالب لعفاف محارمه، {..إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ..} القصص:27.
وكذلك كان موقف النبي -صلى الله عليه وسلم- من عاطفة الحب، حين تنشأ بين شاب وفتاة، فقد ذهب قوم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستشيرونه في أمر فتاة يتيمة ربيت في حجرهم، وقد جاءها خاطبان: أحدهما موسر (غني)، والآخر معسر (فقير)، يقول القوم عن موقف الفتاة من الخاطبين: "وهي تهوى (تحب) المعسر، ونحن نهوى الموسر، فما كان من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا أن قال مرجحًا كفة الفتاة: "لم يُرَ للمتحابَيْن مِثْلُ النكاح".
بل إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- في موقف آخر يعاتب أصحابه على أنهم لم يرعوا عاطفة الحب بين اثنين، والتي كانت في إطار ما أحل الله، وذلك حينما بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- سرية إلى قبيلة مهدرة الدم، فغنموا، وفيهم رجل، فقال: إني لست منهم -أي لست من القبيلة التي وقعت في الأسرـ إنما أنا رجل عشقت منهم امرأة فلحقتها، فدعوني أنظر إليها ثم اصنعوا بي ما بدا لكم.
فأتى امرأة طويلة أدْمَاء (شديدة السمرة) فقال لها: اسلمي حبيش قبيل نفاد العيش:
أرأيت لـو تبعتكم فلحقتكم بـحلية أو ألفيتكم بالـخوانق
أما كان حقا أن ينول عاشق تكلف أدلاج السرى والودائق
قالت: نعم فديتك.
فقدموه، فضربوا عنقه. فجاءت المرأة فوقعت عليه، فشهقت شهقة أو شهقتين ثم ماتت.
فلما قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخبروه الخبر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أما كان فيكم رجل رحيم؟!" فالرسول -صلى الله عليه وسلم- لامهم على قتل الرجل، وأنه كان ينبغي لهم أن يتركوه.
ونقل لنا التراث الإسلامي قول ابن عباس بإجازته أن يقول الخاطب لمن ذهب لخطبتها: إني لك محب، ولك عاشق، وعليك مصر. وكتب الفقيه الأديب الكبير علي الطنطاوي، رسالة رائعة عن الحب، فعاتبه أحد الفضلاء، متعللا بأنك قاضي وفقيه وقور، فمالك وكلام الحب، فكتب رسالة أخرى أهم بعنوان: (من غزل الفقهاء)، جمع فيها أشعارًا في باب الغزل لعدد من الفقهاء، وكذلك الفقيه المغربي الكبير عبد الله كنون، في كتابه (أدب الفقهاء)، عرض فيه عددًا آخر من شعر الفقهاء في الحب والغزل.
فالإسلام في المواقف السابقة يبين: أن عاطفة الحب إذا لم تؤدِّ إلى مفسدة لا جرم فيها، وأنها ما دامت في إطار ما أحل الله، كمشاعر لم تتطور إلى سلوك خاطئ، أو فعل مشين، فلا جناح ولا ملام.
أما وجود يوم يسمى بيوم الحب، يحتفل به، فشأنه شأن الاحتفال بيوم الميلاد، ويوم الزواج، اليوم الوطني، كل هذه الأيام لا تدخل في إطار الحرام، أو البدعة، بل تدخل في إطار ما يضعه الناس في معاملاتهم، وكلها بلا استثناء لا حرمة فيها، ولا دليل من الشرع الإسلامي يمنعه، كل التحفظ عند من يتحفظ على ذلك، ألا يسمى بعيد كذا، لأن المسلمين لهم عيدان فقط: الفطر، والأضحى. ولا حرج في تسميته بيوم الحب، ما دام لا يشتمل على فعل محرم، فللإنسان أن يحتفل به، وبيوم اليتيم، وبيوم الصحافة، وبيوم الزواج، وبيوم الميلاد، كل ذلك مما أباحه الشرع، وعلى من يحرمه أن يأتي بدليل صحيح صريح في ذلك.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.