تتدهور الحالة المرضية لوالدة ناهد إبراهيم المريضة بجلطة في المخ نتيجةً لعدم وجود الدواء الذي تتناوله لتنشيط الدماغ أو حتى بدائله وأصبح من الصعب عليها أن تتذكر الأشياء أو أن تفهم من يتحدثون حولها.
وقالت ناهد لرويترز أنها تبحث عن الدواء في كل مكان ولا تجده "حتى أنني سافرت إلى عدة محافظات للبحث عنه فلم أجده أيضاً.. حالة والدتي تسوء يوماً بعد يوم.. قولوا لي ماذا أفعل؟" موجهةً سؤالها للمسؤولين في وزارة الصحة.
أزمة نقص الأدوية تتصاعد
وتصاعدت حدة نقص الأدوية في مصر منذ عدة أشهر حيث بدأت المشكلة تظهر بشكل كبير وأحياناً يظهر المستحضر الدوائي ثم يعود لينقص فترات طويلة.
وحسب القانون فإنه يجب على أي شركة عدم الامتناع عن إنتاج صنف دوائي معين لمدة 6 أشهر متواصلة وإلا يتم توقف ترخيص المستحضر من قبل وزارة الصحة.
وأعلنت وزارة الصحة والسكان النشرة الدورية لنواقص الأدوية عن شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وقالت الوزارة في النشرة إن الأدوية الناقصة التي لها بديل أو مثيل تبلغ 189 صنفاً محذرة المرضى من أنه تجب استشارة الطبيب قبل استخدام البدائل أو المثائل المتوفرة. أما الأدوية الناقصة التي ليس لها أي مثيل فتبلغ 43 صنفاً دوائياً.
وكلمة مثيل في مجال الدواء تعني نفس التركيب الكيميائي أما البديل فهو يعطي نفس التأثير لكنه ليس نفس التركيب الكيميائي.
وشكك كل من تحدثنا معهم في مجال الدواء في كلام الوزارة وقالوا إن الأدوية الناقصة تزيد عن ذلك بكثير.
اختفاء 180 صنفاً
ويقول الدكتور أسامة رستم نائب رئيس غرفة صناعة الدواء إنه يوجد 14 ألف مستحضر دوائي مسجل لدى وزارة الصحة وإن عدد الأدوية الناقصة التي ليس لها مثيل أو بديل يصل إلى 180 صنفاً وهي أصناف حيوية أما عدد الأدوية بالاسم التجاري الذي يصر عليه الطبيب فقد يصل إلى أكثر من 1600 صنف "وهذه الأرقام من واقع بيانات عدة صيدليات في السوق".
وقال مصدر مسؤول في معهد أورام السلام التابع لوزارة الصحة "هناك أصناف حيوية في علاج مرض السرطان ليس لها مثيل ولا بديل غير موجودة في الأسواق كما أنها ناقصة في المستشفيات الحكومية وخاصّةً علاجين هامين جداً في خليط أدوية العلاج."
وحول ما يفعلونه جراء نقص هذين الدواءين قال المصدر –الذي رفض ذكر اسمه-"معظم الأطباء لا يكتبونهما حالياً في روشتة العلاج (التذكرة الطبية) رغم أنهما من أساسيات العلاج ويجربون التأثير بدونهما."
وفي إحدى الصيدليات اشتكى الصيدلي أحمد السيد من نقص الأدوية قائلاً "هناك أصناف دوائية حيوية ليست موجودة ونسأل عليها باستمرار.. المشكلة في أنها أدوية أمراض مزمنة مثل أدوية السيولة لمرضى القلب والضغط وأدوية الكوليسترول فضلاً عن القطرات لأن معظمها مستورد.. إضافة إلى أن بدائل هذه الأدوية ناقصة والمريض لا يأخذ البديل إلا بعدما يرجع للطبيب."
التكلفة الزائدة
ويقول الدكتور صبري الطويلة رئيس لجنة صناعة الدواء بنقابة الصيادلة إن سوق تجارة الأدوية في مصر يبلغ تقريباً 36 مليار جنيه سنوياً.
وأضاف قائلاً "نستورد حوالي 30% من هذا المبلغ أو ما يساوي 12 مليار جنيه مواد خام ومواد أخرى تدخل في تصنيع الدواء.. المشكلة هي في المادة الخام في ظل زيادة سعر الدولار فضلاً عن نقصه في السوق."
وقال إن النقابة خاطبت الوزارة رسمياً بزيادة أسعار أدوية قطاع الأعمال تحديداً لأنها أصناف رخيصة جداً تم تسعيرها عندما كان سعر الدولار يساوي جنيهين في مطلع تسعينيات القرن الماضي.
وأضاف أن شركات قطاع الأعمال -وهي تسع شركات كبرى- تخسر سنوياً ما يقرب من 170 مليون جنيه.
ومضى قائلاً "في السابق كنا ندفع مقابل المواد الخام من خلال عمل خطابات ضمان للبنك ثم نستورد المادة الخام بحيث يتم دفع جزء من المبلغ ويرسل المادة الخام.. لكن حالياً أصبح واجباً إرسال المبلغ كاملاً قبل إرسال الشحنة لأن مشاكل الاقتصاد المصري لها أثر سلبي في التعامل مع الدول الخارجية."
وتستورد شركات الدواء في مصر معظم المادة الخام من دول كثيرة أبرزها الصين والهند وألمانيا وسويسرا والدنمارك والولايات المتحدة.
سياسة الأسعار
وينتقد الدكتور أسامة رستم –نائب رئيس غرفة صناعة الدواء ونائب رئيس إحدى الشركات الدوائية- سياسة تسعير الدواء في مصر قائلاً "الدواء هو السلعة الوحيدة في مصر المسعرة جبرياً وغير مدعوم من الوزارة ولا يسمح بتحريك السعر رغم أن التكلفة ازدادت نتيجة ارتفاع سعر العملة الصعبة فيصبح أمام الشركات حلان وهو إمّا أن تتوقف عن إنتاج المستحضر الذي يخسر تماماً أو أن تقلل من إنتاجه فتصبح هناك صعوبة في الحصول على الدواء حتى يتم تحريك الأسعار".
و قالت الدكتورة ولاء فاروق مديرة إدارة الدعم ونواقص الأدوية بوزارة الصحة إن الأدوية الناقصة "متغيرة وترجع لأسباب متعددة.. فبعض الشركات تقلل إنتاجها لأن المستحضر يخسر بتسعيرته الحالية في ظل ارتفاع سعر الدولار" مضيفة أن بعض الشركات أوقفت إنتاج بعض المستحضرات لأن خسارتها شديدة.
وأضافت "الشركات تتقدم بطلب لإعادة التسعير ويتم بحث الأمر.. وهذا تعمل عليه الوزارة ورفعنا بالفعل أسعار بعض الأدوية.. وأحياناً يكون الدواء ناقصاً لأن الشركة لم تستطع استيراد المادة الخام لأنها لم تستطع توفير العملة الصعبة."
وتضيف "ليس صحيحاً أن الأدوية الرخيصة الثمن هي فقط الناقصة في مصر.. بل إن هناك أدوية مستوردة ناقصة لأن الشركة المنتجة تبيع هذا الدواء في الدول التي تبيع المستحضر بسعر أعلى من مصر وترسل لنا الفتات الذي لا يكفي الاستهلاك المحلي" مشيرة إلى أن أغلب المستحضرات الحيوية خاصة مشتقات الدم وأدوية الأورام يتم استيرادها من الخارج لأنها يصعب تصنيعها في مصر.
ووفقاً لفاروق فإن الأدوية المسجلة في مصر تبلغ نحو 14 ألفاً في حين أن عدد الأدوية المتداولة يبلغ نحو نصف هذا العدد لأن بعض الشركات سجلت الدواء ولم تنتجه وبالتالي يتم سحب الترخيص إذا لم ينتج لمدة عام.