نقد العقل الجمعي

يتميز أصحاب الفكر بالسعي للخروج من مناطق الراحة والأمان واستخدام المخاطر المحسوبة حسب الخيرات السابقة وحسن تقدير ما إذا كان هذا السلوك يستحق المخاطرة أم لا والعقل الجمعي على العكس من هذا تماما.

عربي بوست
تم النشر: 2016/02/10 الساعة 04:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/02/10 الساعة 04:53 بتوقيت غرينتش

العقل الجمعي أو ما يسمى بـ"الأثر الاجتماعي"، يعد من إحدى الضواهر النفسية التي ترى أن سلوك الجماعة أو الحزب أو المجتمع أو طائفة في قضية معينة تعكس بالضرورة رأيًّا أكثر دقة وصوابًا، ففي المواقف التي لا يستطيع الفرد تكوين رأيه الخاص في مواجهة الواقع يلجأ إلى الجماعة باعتبارها هي من تملك الحقيقة المطلقة.

ولكي لا يبدو شاذًّا أن يحتمي بها باعتبارها هي من تملك الجواب الكافي ورأيًا سديدًا والقول الفصل، وبما أنها في الأصل أكثرية وهو فرد فحتمًا رأيها صواب في ذاته، ومما يعزز هذه القناعة كون الفرد عاجزا عن تكوين رأي خاص به أو فلسفة لفهم الحياة ولا يستطيع محاكمة الأفكار الواردة من الخارج، وهذا الاختيار من قبل الفرد هو ما يطلق عليه في علم الاجتماع السياسي الإذعان أو الانقياد.

فعندما يفقد الفرد القدرة على الاستدلال المنطقي على ما هو صواب أو خطاء يلجأ إلى الجماعة ليبحث عن القرار الأمثل ويرجع ذلك إلى اعتقاده الذي لا يقبل شك بأن الجماعة تستطيع أن ترى أفضل مما قد يرى هو، وهذا ناتج عن ضعف في نفس ونقص في ملكاته وقصر نظره، فهو لا يستطيع أن يستسيغ أن الجماعة في حد ذاتها عرضة للخداع والتضليل وأنها في الغالب الأعم تكون ضالة عن طريق متلاعب بها من قبل الحكام وصناع الرأي العام.

إن صياغة الوعي الجمعي للمجتمعات هي إحدى الأدوات المهمة في المجتمعات الديمقراطية.. "إدوارد بيرنيز".
الحقيقة في داخل إطار العقل الجمعي تعد تنويها، غير مبحوث عنها بشكل الكافي، ليست ذات أهمية وإن قيل العكس ذلك، المهم هو أن تكون أفكار ومعتقدات الفرد متلائمة ومتطابقة مع الجماعة مهما كانت أفكارها ومعتقداتها غريبة ورجعية، فالحقيقة ليست هدفا في ذاتها المهم هو تطابق حتى يصبح الكل في قطار واحد وإن كان القطار متوجه للهوية.

العقل الجمعي متناقض غير متماسك بطبيعة يسهل انقياده، عاطفي إلى أبعد مدى غير عميق بالمرة سطحي متهافت يسهل تلاعب به.ويكفي للسيطرة عليه وتخديره وعد بالرخاء والسعادة في المستقبل من غير تحديد آليات تحقيق الهدف أو المدة الزمنية، ويكف لتغطية على أي فشل اقتصادي أو سياسي أو أخلاقي تفجير مقهى هنا أو مبنى هناك حتى يغض الطرف عن الفشل إلى يوم القيامة.

ومن خصائصه سذاجته وسرعة التصديق والنسيان وعدم تفريقه بين المهم والأهم مما يجعله عرضة للتلاعب به وتحركه نحو الوجهة التي لا تخدم مصالحه وتوظفه في معارك صفرية ليس له فيها لا ناقة ولا جمل.

يتميز أصحاب الفكر بالسعي للخروج من مناطق الراحة والأمان واستخدام المخاطر المحسوبة حسب الخيرات السابقة وحسن تقدير ما إذا كان هذا السلوك يستحق المخاطرة أم لا والعقل الجمعي على العكس من هذا تماما.
ويتميز أصحاب العقول النيرة بالقدرة على التفكير وتحليل وتركيب والمقارنة والتمييز واتخاد القررات وحل المشكلات والعقل الجمعي لا يعرف شيئا من هذا بالمرة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد