تشكل المعركة الدائرة الآن في حلب النقطة الحاسمة في العلاقات بين روسيا ودول الغرب، حيث تلعب موسكو الدور الأساسي في الضربات الجوية إلى جانب الهجوم الذي تشنه قوات النظام السوري على المدينة المحاصرة، ما تسبب في فرار ونزوح عشرات الآلاف من السوريين.
ومن الواضح أن الحرب الدائرة في سوريا حالياً ستأخذ اتجاهاً مختلفاً تماماً في حال سقوط مدينة حلب، ربما لن يتوقف تأثير هذا الأمر عند سوريا أو المنطقة فقط، بل سيمتد إلى أوروبا أيضاً، حسبما نشرت صحيفة الغارديان البريطانية في تقرير لها، السبت 6 يناير/كانون الثاني 2016.
تحوّل في الصراع
وترى الغارديان أن هزيمة المعارضة السورية المسلحة والتي كانت قد استحوذت جزئياً على المدينة منذ عام 2012، ستحول الصراع على الأرض في سوريا إلى صراع ثنائي الأطراف فقط بين نظام الأسد وتنظيم "الدولة الإسلامية"، ما يجعل أي أمل في التوصل لتسوية قائمة على التفاوض السياسي مع المعارضة السورية أمراً مستحيلاً، وهذا كان الهدف الأساسي لروسيا، وهو ما قادها بالأساس إلى خوض هذه الحرب منذ 4 أشهر.
قد لا يكون مفاجئاً أن قصف حلب، وهي أحد رموز الثورة السورية ضد الأسد في عام 2011، قد بدأ بالتزامن مع مفاوضات السلام المنعقدة حالياً في جنيف، وسرعان ما تعثرت المفاوضات كما هو متوقع.
فالتصعيد العسكري للطيران الروسي بالتعاون مع الجيش السوري كان يهدف إلى القضاء على أي دور للمعارضة في مستقبل سوريا، كما يهدف إلى إيصال رسالة محددة مفادها أنه لن يتم السماح بتنفيذ أي خطط وضعها الغرب أو الأمم المتحدة بشأن مستقبل سوريا، وهو ما يعد تناقضاً واضحاً لما أعلنته موسكو من دعمها للحل السياسي لإنهاء الحرب.
ما علاقة حلب بأوروبا؟
عواقب سقوط حلب ستؤثر على الجميع. ربما الدرس الوحيد الذي تعلمه الأوروبيون في عام 2015 هو أن ما يحدث في الشرق الأوسط يؤثر بشكل مباشر على أوروبا، وربما الدرس الوحيد الذي تعلموه من الصراع الأوكراني في عام 2014، فهو أن روسيا من المستحيل أن تكون صديقةً لأوروبا، وأنها قوة رجعية ليس لديها رادع يمنعها من الاعتداء العسكري، وفقاً للغارديان.
ويوضح التقرير أن تلك الأحداث أظهرت العلاقة الواضحة بين المأساة السورية المتمثلة بالتدخل الروسي في سوريا، وبين الضعف الاستراتيجي الذي أصاب أوروبا والغرب بشكل عام في المنقطة، حيث تعد حالة عدم الاستقرار تلك بمثابة الهدف الأمثل لروسيا التي تسعى للسيطرة عبر استغلال تردد وتناقض مصالح أولئك الذين تعتبرهم منافسيها.
مستقبل حلب في حقيقة الأمر سيحدد بشكل واضح ما سيحدث في المستقبل، هزيمة المعارضة السورية ستقوّي من تنظيم داعش على الأرض وستحوله إلى المدافع الوحيد عن المسلمين السنة أمام الأسد، رغم أنه يرهب السكان في مناطق سيطرته.
وبين التقرير أن هناك الكثير من المفارقات المأساوية في هذا الأمر، أهمها أن الاستراتيجية الغربية ضد داعش اعتمدت بالأساس على تقوية المعارضة السورية أملاً في أن تطرد تنظيم داعش من معقله في الرقة، فإذا انتهى المطاف بمن يقومون بتلك المهمة بالحصار والهزيمة في حلب، فعلى من سيعتمد الغرب؟".
سياسة بوتين: إبادة أو هروب
لطالما ادّعت روسيا أنها تحارب داعش، إلا أن الضربات في حلب ضد القوات التي أثبتت كفاءتها في قتال داعش تبدو متناقضةً تماماً مع الادعاء الروسي، إن كانت ثمة شكوك في البداية حول أهداف روسيا في سوريا، فإن الضربات التي توجهها روسيا لحلب الآن توضح كل شيء، وفقاً للغارديان.
التقرير أوضح أن بوتين قام بتكرار الاستراتيجية التي طبقها في الشيشان على سوريا، وهي الهجوم العسكري الكامل على المناطق المأهولة بالسكان وبالتالي إما إبادة المعارضين أو إجبارهم على الخروج، وكما قام بوتين بالتخلص من المعارضين في الشيشان الذين ربما كانوا مستعدين للحوار والتفاوض بشأن تسوية سلمية، كذلك قام الأسد بالربط بين معارضيه السياسيين و"الإرهاب"، ومثلما لم تحدث أية تسوية في الشيشان، يرى بوتين أنه لن تكون هناك تسوية مع المعارضة في سوريا أيضاً.
أهداف موسكو العميقة
وقالت الغارديان إن روسيا لديها أهداف استراتيجية أعمق بكثير، حيث يريد بوتين التأكيد على النفوذ الروسي في الشرق الأوسط، بل وعلى أوروبا أيضاً، كانت اللحظة الحاسمة في عام 2013 حين تخلى باراك أوباما عن الضربات الجوية ضد القواعد العسكرية التابعة لنظام الأسد بعد استخدامه للأسلحة الكيميائية.
الانتفاضة الشعبية الأوكرانية شكلت مفاجأة غير سارّة للرئيس الروسي، ولكنه استعاد سيطرته من خلال استخدام القوة.
وترى الغارديان أن السياسة الروسية في أوكرانيا هزت أركان السياسات الأمنية الأوروبية في الفترة ما بعد الحرب الباردة، والتي يريد بوتين إعادة كتابتها الآن بحيث تخدم مصالح روسيا، حيث رأى بوتين أن الغرب لن يستطيع إيقاف الحرب في أوكرانيا.
تركيا وحلف الناتو
وترى الغارديان في حالة مشابهة، أن التدخل العسكري الروسي في سوريا وضع حلفَ "الناتو" في مأزق، وخصوصاً مع وجود أحد أهم حلفاء أميركا (تركيا) على الحدود مع سوريا، خاصة في ظل العلاقات المتوترة بين روسيا وتركيا منذ عدة أشهر، و قيام روسيا مؤخراً بتحذير تركيا من إرسال قوات إلى سوريا للدفاع عن حلب، وتتساءل الغارديان حول كيفية ردِّ الرئيس التركي على هذا التهديد، وهو سؤالٌ يسبب صداعاً آخر للغرب.
في الوقت ذاته، تسعى الحكومات الأوروبية إلى التعاون مع تركيا لحل مشكلة اللاجئين، لكن إن تبين أن تركيا تسبب مشاكل لحلف الناتو، فهذا يخدم المصالح الروسية، وبالتالي، إذا كانت أوروبا على مشارف موجة جديدة من اللاجئين، فإن روسيا ستكون المستفيدة، من خلال إحداث انقسامات عميقة داخل القارة الأوروبية بشأن مسألة اللاجئين.
ويتوقع التقرير أن ذلك يساعد الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا على الظهور، خاصة وأن كثيرًا من هذه الأحزاب هم حلفاء لروسيا ضد الاتحاد الأوروبي.
كما يرى التقرير أن أزمة اللاجئين تسببت في وضع المؤسسات الرئيسية في الاتحاد الأوروبي تحت ضغط، فقد زادت من خطر انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (الأمر الذي سترحب به موسكو)، كما أضعفت موقف أنجيلا ميركل، مهندسة العقوبات الأوروبية ضد روسيا.
الأحداث في مصلحة بوتين
بطبيعة الحال فإنه من المبالغة القول إن بوتين قد خطط لكل هذا من البداية، إلا أن الأحداث قادته بشكل أساسي إلى تحقيق ما كان يسعى للوصول إليه، ليس لروسيا أي يد في اندلاع الحرب الأهلية في سوريا من البداية وليس لها علاقة بما يحدث داخل أوكرانيا، ولكن الصحيفة ترى أن الدور الذي لعبته روسيا يجب أن يدق ناقوس الخطر في الغرب بشكل عام وفي الأمم المتحدة بشكل خاص.
يحب بوتين أن يصف نفسه دائماً كرجلٍ نظامي، إلا أن سياساته حتى الآن لم تجلب سوى المزيد من الفوضى التي تدفع أوروبا فاتورتها بالكامل، وترى الصحيفة أن دفع روسيا إلى تغيير سياستها يتطلب أكثر من مجرد الأمنيات، وما يحدث في حلب الآن هو مأساة إنسانية وشيكة، لكن المهم حالياً هو توصيل النقاط ببعضها بشأن ما يحدث في المدينة وعلاقته بمستقبل أوروبا وعلاقة روسيا بهما.
– هذه المادة مترجمة بتصرف من الغارديان وللاطلاع للنسخة الأصلية يرجى الضغط هنا.